|
نحو مجتمع متحرر بقلم عماد البليك
|
04:04 PM Apr, 25 2015 سودانيز اون لاين عماد البليك -مسقط-عمان مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لا يحكى لكل مجتمع من المجتمعات نظرته الأسطورية أو ميثولوجياته التي يشكل من خلالها أنساق علاقاته مع العالم والوجود الكلي من حوله، وفي السودان تبدو هذه المسألة جلية إلى اليوم فمع الاتجاه نحو الانفتاح الكبير الذي تشكل من خلال تفكك صورة المجتمع التقليدي أو الهجرة الواسعة إلى الخارج إلا أن الأشكال القديمة لفهم الحياة أو تصوراتها ما زالت قائمة تعشعش في الأذهان. وذلك "لعمري" – تعبير استخدمه رغم مقتي له – صورة من صور الهزال الفكري وعدم القدرة على الانعتاق من الأمس إلى المستقبل. قلنا الأمس والمستقبل لأن الحاضر لا وجود له ولأنه بتعبير كثير من الفلاسفة قيمة منفية وغير حاضرة أساسا، فهو حاضر بغيابه ونفيه وحركته. والمهم أن هذا الاغتيال الذي نعني ونعاني منه الكثير لا سيما على مستوى الإدراك الوجودي يجعلنا أسرى الماضي، حتى لو أن حقيقة ذلك الأمس كانت هي متخيلة وغير ذات وجود حقيقي. في الفكر الفلسفي وقراءات التطور والنماء فإن بداية الانتقال الحقيقي في أي مجتمع كان، تتم في اللحظة التي يدرك فيها أنه بدأ صراعا جادا مع نظرته الأسطورية والتقليدية للعالم، فبمجرد أن ينفتح الذهن وفعل الممارسة مع هذه الحقيقة يكون التعافي قد بدأ، ولابد من تضحيات وضحايا في طريق ليس سهلا أو مفروشا بالورد كما درج القول إلى أن نصل إلى المبتغى الذي هو كـ "الحاضر" غاية متحركة وغير ثابتة ولا أحد متأكد تماما من هويتها وماهيتها بالضبط، فهي تخضع للمتغير من الظرفيات والشؤون والإرادات الفردية كانت أم الجماعية، كما أنها تتأثر بالمحيط المحلي والعالمي في عالم بات واحدا رغم جزر العزلة الهائلة فيه. إذن وفي اللحظة التاريخية التي نقرر فيها أنه لابد من فصل الأسطورة عن الواقع، أي لابد للمجاز أن ينأى ليحل محله الحقيقي والصحيح والافتراض المؤكد.. فإنه تنشأ الصراعات القوية والهدامة بين قيم التجديد والتغيير وبين الممسكين بتلابيب الأساطير والخرافات والأكاذيب.. وحينها يتحالف الجهل والقديم وحتى الحديث المزيف والإدعائي مع بعضهم بعضا، بظن أنهم سيشكلون سدا منيعا وعصابة ضد المستقبل والألفة المقبلة وأنهم سوف يسدون بوابات الأمل ونوافذ الضياء. لكن لن يكون ذلك إلا لحيز معين إذ سرعان ما سوف تنتصر الإرادة القوية والملهمة والطاقة الكونية الخلاقة التي سوف تكون قادرة على إبادة الظلام والأقدار السيئة والهزال المتراكم من لدن قرون طويلة. إن عملية إنتاج مجتمع معافي وجديد من رحم الصراعات والجريمة والانتقام والكراهية والتشرذم والأنا المتعالية التي صارت هي قيم اليوم.. في ظل التمسك بالتقاليد البالية كنوع من الغلاف الشكلي الباهت. هذه العملية تخضع لاختبار كبير حتى تستطيع الذات فعلا أن تنفذ إلى العالم الواقعي، إلى التمثيل المرئي والمعاش وتكون ذات أثر فاعل في البناء الاجتماعي وإحداث موجة التحول والانتباه في الوعي والعقل الإنساني ليكون متاحا نقله إلى حياة أخرى غير المألوف والمكرر والمشتهى بظن أنه الأفضل حتى لو كان مشوبا بكل هذه الآلام والظنون والقواسي من أدران الدهر وعذاباته التي هي من صنيع الإنسان نفسه. وفي تجربة الإنسانية وفي أعرافها الكلية فإنه لا يمكن لأي شعب أو مجتمع أن ينطلق إلى التغيير ويلبس لبوس التعافي الحقيقي ما لم يكن له ملكة الاستقلال في التفكير بأن يقوم في لحظته الراهنة "المتحركة" على إبداع فاعليته الأصيلة وليست تلك المستلفة سواء من الأمس أو المستقبل المرتجى كوهم وليس كعمل له أهداف وتقدم باتجاهه مؤسس له بالوعي والعلم والمعرفة والعمل. لا يمكن أن يتقدم الإنسان إلا بتطوير الفكر وتحريره من الضحالات والأوهام وغسله مرارا من البالي من التقليد والاتباع والمرارات التي ليس من وراءها سوى الوجع والألم والرذالة التي تقتل الإبداع والابتكار والرؤية البعيدة ذات الأثر الموضوعي والفاعل في محيط الكائن زمانه ومكانه. وهذا الرقي الفكري لابد أن يكون قصاده تضحية كبيرة يتبعها ألم في التخلص من أي سلطة دخلية تهدد الوعي الكلي والكبير والكوني، فالإنسان الذي يأثر فكره لمحيط محدد من الأشياء والعوالم ويحاول أن يرى العالم من منظور أنا مقيدة لن يكون مبدعا ولا إضافيا بل مُقنَّعا أشد ما يكون القناع قلقا ومواتا يعيده إلى الوراء دائما. إن ظهور فكر جديد وأناس جدد لهم الشجاعة الكافية ليس بمفهوم المواجهة التقليدية والسلاح القديم، إنما بالوعي الخلاق والابتكاري الذي يتجاوز السلطة التقليدية بالتريث والأدب والخلق والعرفان، لهو غاية التقدم المنشود في ترقية العقل الراهن وحفزه ليكون مساهما في بناء وطنه وإنسانه وتعزيز الفكر البنّاء الذي يوجد معادلة الغد الجميل كما يتصوره البعض في الماضي في حين أنه ليس كذلك. فدائما أجمل الأشياء كما يقال لم تولد بعد. إننا في أشد الحاجة إلى استدلالات جديدة وأفكار غير مسبوقة في كافة المناحي، من سياسية لاقتصاد لمجتمع لتربية وتعليم وغيرها بأن نبني أنساق وعي مختلفة عن الأمس، بأن نفكر بأننا في صراع مع ذواتنا ويجب أن نحقق الانتصار وبأن نجعل لحياتنا أهدافا واضحة وليس الركض في طرق "زقزاقية" ليس لها من بداية ولا نهاية أو أمل في التعلم منها سوى التيه والضلال المستمر بمعنى غير المعتاد ذهنيا في كونه مضاد للإيمان المتوارث، بل بمعنى العجز عن إعمال العقل والإصغاء للبعد الثاني المفقود من عوالمنا الدفينة والشجاعة التي تكبر "جوانا" دون أن نقدر على لمسها أو الإحساس بها جيدا، فكل منا يحتاج إلى يتدبر ذاته وأن يتكلم معها بصدق وبإحساس ليتعرف على ماهيتها دوت أن يكون معتمدا على معرفة خارجية فقط وصب من الأفكار والكلمات والتقاليد والقيم والمفاهيم التي تجعله لا يفكر إلا بقدر ما يسمح بتمرير المخزونات والواردات لا غير. إن الجرأة على طرح الأسئلة ضرورية وليست حماقة إذا ما كانت تطرح بالشكل السليم وفي المكان المناسب والزمان الافتراضي له، لأن حيز الزمن قد يكون مضللا وغير واضح ما يجعلنا نخاف بغض الأحيان أو نتعجل أو نتوارى بظن أن الساعة لم تحن بعد للتحرر والانعتاق. وإذا كان داخل كل منا قيمة كبرى قد لا يراها. وداخل كل أمة من المستترات ونقاط القوة التي – هي- تأتي من خلال تحرير التقليد والمتبع والمؤسطر والمؤرشف في الأذهان الجمعية. فإن الوصول إلى حيز الجرأة ليس هبة تقدمها الطبيعة أو التاريخ لأن فاعله "نحن" بكل ما فيها من ترسبات وأمراض وأوساخ. وثمة عمل كبير ينتظر كل منا ولكن أي رجل وأي أنثى فينا سيكون شجاعا بما يكفي ليقرر البداية من اليوم. وكما قال هيجل "إن مكانة العرافة قد احتلها الآن الوعي الذاتي لكل شخص يفكر". فعلينا التحرر من تلك العرافة التي تسكننا. mailto:[email protected]@gmail.com
العرافة
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
- المثقف والتنميط (2 – 2) بقلم عماد البليك 04-23-15, 02:22 PM, عماد البليك
- المثقف والتنميط (1 – 2) بقلم عماد البليك 04-22-15, 03:48 PM, عماد البليك
- القوة والإلهام والتفرد! بقلم عماد البليك 04-21-15, 02:34 PM, عماد البليك
- السودان 2050 ! بقلم عماد البليك 04-20-15, 02:22 PM, عماد البليك
- هل قرأ أوباما إدوارد سعيد ؟ بقلم عماد البليك 04-19-15, 02:45 PM, عماد البليك
- النظر إلى العالم بالمقلوب بقلم عماد البليك 04-16-15, 02:40 PM, عماد البليك
- صوتك الآخر! بقلم عماد البليك 04-15-15, 02:54 PM, عماد البليك
- بانسكي في السودان بقلم عماد البليك 04-14-15, 02:27 PM, عماد البليك
- نوستالجيا المثقف! بقلم عماد البليك 04-13-15, 02:52 PM, عماد البليك
- ترويض الفيلة بقلم عماد البليك 04-12-15, 03:45 PM, عماد البليك
- الجثة الطائرة ! بقلم عماد البليك 04-11-15, 02:39 PM, عماد البليك
- الزمن المفقود ! بقلم عماد البليك 04-09-15, 05:31 AM, عماد البليك
- معان لفلسفة السعادة ! بقلم عماد البليك 04-08-15, 02:42 PM, عماد البليك
- الشوفينية بقلم عماد البليك 04-07-15, 02:36 PM, عماد البليك
- أبريل في حيز المراجعة بقلم عماد البليك 04-06-15, 05:52 AM, عماد البليك
- التجربة الفنلندية بقلم عماد البليك 04-05-15, 03:17 PM, عماد البليك
- الطريق إلى تعليم جديد بقلم عماد البليك 04-04-15, 06:41 AM, عماد البليك
- في منهج بناء الشخصية بقلم عماد البليك 04-02-15, 02:22 PM, عماد البليك
- الاستشراق مرة أخرى! بقلم عماد البليك 04-01-15, 03:25 PM, عماد البليك
- الصور النمطية للسوداني بقلم عماد البليك 03-31-15, 03:02 PM, عماد البليك
- جدل الرواية والتاريخ بقلم عماد البليك 03-30-15, 02:56 PM, عماد البليك
- حنين القواديس ! بقلم عماد البليك 03-28-15, 03:21 PM, عماد البليك
- توثيق الفنون والتراث بقلم عماد البليك 03-27-15, 02:01 PM, عماد البليك
- رد الاعتبار للعرفان بقلم عماد البليك 03-25-15, 03:27 PM, عماد البليك
- إشكاليات الذائقة الجمالية بقلم عماد البليك 03-24-15, 03:16 PM, عماد البليك
- ابن عربي الهندي ! بقلم عماد البليك 03-23-15, 03:01 PM, عماد البليك
- صندوق "بنو حنظل" بقلم عماد البليك 03-19-15, 04:47 PM, عماد البليك
- ما بعد ريلكه ! بقلم عماد البليك 03-17-15, 04:27 PM, عماد البليك
- طقوس فنية في الحياة السودانية بقلم عماد البليك 03-16-15, 02:09 PM, عماد البليك
- الطبقات مرة أخرى ! بقلم عماد البليك 03-15-15, 02:13 PM, عماد البليك
- جهل كونديرا وفلسفة الاغتراب ! بقلم عماد البليك 03-12-15, 03:40 PM, عماد البليك
- الانتقام الرباني ! بقلم عماد البليك 03-11-15, 02:44 PM, عماد البليك
- أزمة النشر في السودان بقلم عماد البليك 03-10-15, 06:15 PM, عماد البليك
- الفاسد والمفُسِد بقلم عماد البليك 03-09-15, 02:44 PM, عماد البليك
- الاختلاف والهوية ! بقلم عماد البليك 03-08-15, 04:30 PM, عماد البليك
- الـديستوبيا ! بقلم عماد البليك 03-07-15, 03:15 PM, عماد البليك
- حقيقتي.. إرهابي ؟! بقلم عماد البليك 03-05-15, 01:37 PM, عماد البليك
- الساحر ينتظر المطر ! بقلم عماد البليك 03-04-15, 03:01 PM, عماد البليك
- سعة الأحلام وعبادة الصبر ! بقلم عماد البليك 03-03-15, 04:47 PM, عماد البليك
- عن سليم بركات والكرمل وعوالم أخرى! بقلم عماد البليك 03-02-15, 11:39 PM, عماد البليك
- وزارة الفلسفة! بقلم عماد البليك 03-02-15, 06:32 PM, عماد البليك
- صناعة الوهم ! بقلم عماد البليك 02-26-15, 04:02 PM, عماد البليك
- سينما.. سينما !! بقلم عماد البليك 02-25-15, 02:40 PM, عماد البليك
- واسيني والمريود بقلم عماد البليك 02-24-15, 03:57 PM, عماد البليك
- المدن الملعونة ! بقلم عماد البليك 02-22-15, 02:26 PM, عماد البليك
- نهاية عصر البطل ! بقلم عماد البليك 02-19-15, 02:24 PM, عماد البليك
- ما وراء الـتويوتا ! بقلم عماد البليك 02-18-15, 02:24 PM, عماد البليك
- حوار مع صديقي مُوسى ! بقلم عماد البليك 02-17-15, 05:44 AM, عماد البليك
- شياطين الحب وأشياء أخرى ! بقلم عماد البليك 02-15-15, 03:12 PM, عماد البليك
- الحداثة المزيفة وما بعدها المتوحش بقلم عماد البليك 02-14-15, 04:32 PM, عماد البليك
- ما بين السردية السياسية والمدونة الأدبية بقلم عماد البليك 02-13-15, 02:31 PM, عماد البليك
- قوالب الثقافة وهاجس التحرير بقلم عماد البليك 02-11-15, 02:50 PM, عماد البليك
- لا يُحكى..أزمة السودان الثقافية بقلم عماد البليك 02-10-15, 06:15 AM, عماد البليك
- لا يُحكى فقر "سيتوبلازمات" الفكر السياسي السوداني بقلم عماد البليك 02-09-15, 06:13 AM, عماد البليك
- عندما يُبعث عبد الرحيم أبوذكرى في "مسمار تشيخوف" بقلم – عماد البليك 07-26-14, 09:31 AM, عماد البليك
- إلى أي حد يمكن لفكرة الوطن أن تنتمي للماضي؟ بقلم – عماد البليك 07-06-14, 01:32 AM, عماد البليك
- المثقف السوداني.. الإنهزامية .. التنميط والدوغماتية 07-02-14, 10:33 AM, عماد البليك
- بهنس.. إرادة المسيح ضد تغييب المعنى ! عماد البليك 12-20-13, 04:08 PM, عماد البليك
- ما بين نُظم الشيخ ومؤسسية طه .. يكون التباكي ونسج الأشواق !! عماد البليك 12-16-13, 06:11 AM, عماد البليك
- مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (2- 20) عماد البليك 12-05-13, 07:01 AM, عماد البليك
- مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (1- 20) عماد البليك 12-02-13, 05:48 AM, عماد البليك
|
|
|
|
|
|