|
من هو شعب البَلو (البلويت) 8 البليون و البليميون من هم البليون؟د أحمد الياس حسين
|
من هو شعب البَلو (البلويت) 8 البليون و البليميون من هم البليون؟ د أحمد الياس حسين [email protected] بعد ستة قرون من صمت المصادر عن البليميين حدثنا الادريسي عن البلين وارتباطهم بالروم (البيزنطيين) وبالمسيحية اليعقوبية التي اعتن قتها مملكة نوباتي ومملكة مقُرّة ومملكة البليميين ثم مملكة علوة. فما هي علاقة البليين بالبليميين؟ نبدأ أولاً بالتعريف بالبلين، ولقد سبق أن تناولنا قبيلة البليين بشيء من التفصيل في الجزء الثاني من كتاب الوعي بالذات وتأصيل الهوية، وسنوجز هنا التعريف بهم لمعرفة مدى ارتباطهم بشعوب المنطقة. ورد ذكر البليين عند الادريسي المتوفي عام 560 هـ / 1165 م وبعد ثلاث قرون ردد ابن الوردى المتوفي سنة 861 هـ / 1457م بعض ما ذكره الادريسي عنهم. ذكر الادريسي في كتابه (نزهة المشتاق في مسعد، المكتبة السودانية العربية ص 131) نصين عن البليين أحدهما عند الحديث عن مدينة أسوان جاء فيه: 1 " وربما أغار على أطرافها خيل السودان المسمين بالبليين. ويزعمون أنهم روم وأنهم على دين النصرانية من أيام القبط وقبل ظهور الإسلام غير أنهم خوارج في النصارى يعاقبة، وهم متنقلون فيما بين أرض البجة وأرض الحبشة ويتصلون ببلاد النوبة وهم رحالة ينتقلون ولا يقيمون بمكان مثل مما تفعله لمتونة الصحراء الذين هم بالمغرب الأقصى." 2 والنص الثاني الذي أورده الادريسي أيضاً (نزهة المشتاق في مسعد، المكتبة السودانية العربية ص 135) جاء فيه: "وبين أرض النوبة وأرض البجة قوم رحالة يقال لهم البَلِيّون، ولهم صرامة وعزم وكل من حولهم من الأمم يهادنونهم ويخافون ضرهم وهم نصارى خوارج على مذهب اليعقوبية وكذلك جميع أهل بلاد النوبة والحبشة. وأكثر أهل البجة نصارى خوارج على مذهب اليعاقبة كما قدمنا ذكره." 3 نص ابن الوردي في كتابة "خريدة العجائب وفريدة الغرائب (في مسعد ص 374) عند حديثه عن ميناء عيذاب جاء كما يلي: "وبين البجة وبين النوبة قوم يقال لهم البليون أهل عزم وشجاعة يهابهم كل من حولهم من الأمم ويهادنونهم وهم نصارى خوارج على مذهب اليعقوبية." وضح النص الأول أن البلين نصارى يعقوبية، ووضح علاقتهم بالأقباط والكنيسة القبطية مما يشير إلى علاقاتهم المباشرة بالأقباط قبل الاسلام. كما أشار النص إلى انتسابهم إلى الروم، والروم هم البيزنطيون الذين كانوا يحكمون مصر قبل الاسلام. فلماذا يزعم البليين أنهم روم؟ وما هي علاقتهم بالروم؟ ذكرنا فيما سبق أن البليميين – وهم من أكبر فروع البجة في ذلك الوقت – كانوا يخالطون الروم ويعايشونهم في صعيد مصر، وكانوا يحكمون بعض المناطق داخل الأراضي المصرية التي يحكمها الروم، وكانت علاقات البليميين بالأقباط علاقات المعايشة والجوا ر ويعتنقون المسيحية على مذهبهم. فالوصف الذي ورد في النص ينطبق تماماً على البليميين، فهل نفترض أن البليين هم فرع من البليميين الذين هزمهم سلكو وأسسوا مملكتهم في القرن السادس الميلادي إلى جوار مملكة مقُرة. وهل هم أيضاً بقايا البليميون الذين كانوا يحكمون بعض مناطق صعيد مصر، ثم لما دخل المسلمون مصر حاربهم عبد الله بن أبي سرح – كما ذكرنا آنفاً – ووصفهم بفراعنة البجة، فتقهقروا جنوباً واستقروا مع إخوانهم بجوار مملكة مقُرة؟ يبدو هذا الافتراض معقولاً، فالبليون قد يكونوا فرعاً من البليميين الذين كونوا مملكتهم في القرن السا دس في الصحراء شرقي مقُرة، ثم وصِفوا بفراعنة البجة في القرن السابع عندما حاربهم المسلمون في صعيد مصر. (راجع المقال السابق رقم 7) وقد أشار ابن سليم الأسواني في القرن العاشر الميلادي إلى أولئك البليميين باسم الزنافجة، ثم أشار إليهم بعد ذلك الادريسي في القرن الثاني عشر الميلادي باسم البليين. وقد تعرضنا من قبل إلى تعدد الأسماء عند الحديث عن شعوب البجة، وأرجعنا ذلك إلى تداول السلطة بين القبائل والأسر، أو إلى ضعف معلومات الرواة التي تصل إلى المؤلفين. ولكن كل ذلك لا ينفي وجود تلك الأسماء سواء كانت متعاصرةً أو متتاليةً. فلو راجعنا- مثلاً - تاريخ شمال افريقيا في الخمسة قرون بين القرنين التاسع والرابع عشر الميلاديين وجدنا اثنتي عشرة دولة أسستها قبائل وأسر تداولت السلطة في الحكم وكانت تلك الدول تشتهر بأسماء القبائل أو الأسر التي أسستها. ونرجع إلى نص الادريسي الأول الذي وضح أن البليين يجاورون النوبة، ويتنقلون شرقاً إلى حدود البجة الداخلة والحبشة بما يوضح اتساع بلاد البلين في الجزء الغربي من بلاد البجة. ولا بد أنهم شاركوا غيرهم من قبائل المنطقة في الحياة في تلك الأراضي. ووصف الادريسي تجوالهم مثل تجوال قبائل لمتونة المشهورة التي كانت تتجول في المنطقة الصحراوية الواسعة بين جنوب المغرب الأقصى شمالاً وحتى مناطق نهر السنغال جنوباً والتي أسس فرع منها دولة المرابطين في المغرب والأندلس في القرن السادس الهجرى الثاني عشر الميلادي. ويتفق هذا الوصف مع ما ذكره اليعقوبي قبل ثلاثة قرون عن الزنافجة في المنطقة الشرقية لبلاد البجة حيث قال: "ومن العلاقي إلى أرض البجة الذين يقال لهم الزنافجة خمس وعشرون مرحلة. والمدينة التي يسكنها ملك الزنافجة يقال لها بقلين. وربما صار المسلمون إليها للتجارات، ومذهبهم مثل مذهب الحداربة، وليس لهم شريعة إنما كانوا يعبدون صنماً يسمونه ححاخوا." (كتاب البلدان، موقع الوراق ج 1 ص 41. لم يرد هذا النص كاملاً فيما نقله مصطفى مسعد في المكتبة السودنية ص 19-20) وفي كتاب التاريخ قال اليعقوبي أثناء تناوله ممالك البجة: "والمملكة الثانية من البجة، مملكة يقال لها بقلين، كثيرة المدن، واسعة يضارعون في دينهم المجوس والثنوية، فيسمون الله، عز وجل، الزنجير الأعلى، ويسمون الشيطان صحي حراقة، وهم الذين ينتفون لحاهم، ويقلعون ثناياهم، ويختتنون، وبلادهم بلاد مطر" ومن الواضح أن مملكة الزنافجة وعاصمتها بقلين في النص الأول هي المملكة الثانية من ممالك البجة - مملكة بقلين - في النص الثاني وعرفوا عند اليعقوبي بالزنافجة وعند الادريسي بالبلين أو ربما البليميين. فقد ربط الباحثون مثل كراوفورد وبول وكيروان ومصطفى مسعد قبيلة البلين ربطاً مباشراً بالبليميين، أنظر على سبيل المثال (كراوفورد ص 109ومصطفى مسعد، الاسلام والنوبةفي العصور الوسطى ص 128 حاشية 77) فهل يدل ذلك على أن البلين هم سلالة أو فرع من شعب البليميين ذو التاريخ الناصع في المنطقة والذي امتد لنحو ألف وثلثمائة سنة من القرن السابع قبل الميلاد وحتى القرن السادس الميلادي؟ هل حدث تصحيف لنص الادريسي فكتب البلين بدلاً من البليميين؟ أم حدث خلط للادريسي أو لمصادره فنقلوا أو قرأَوا الاسم بلين بدلاً من البليميين؟ أم أن الاسم قد تغيرمع الزمن فأصبح بلين بدلاً من بليميين؟ الكثير من أحداث تاريخنا تحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة. وقد اتفق الادريسي وابن الوردي على وصف البلين بالقوة والشجاعة وغاراتهم على ظهور خيولهم التي تصل إلى مشارف أسوان، ووضحا كيف أن القبائل الأخرى المتصلة بها في المنطقة تهابهم. وتشير النصوص إلى العلاقة التي كانت قائمة بينها وبيين قبائل المنطقة، فرغم المنافسة الطبيعية بين القبائل البدوية على أماكن المياه والكلأ إلا أن علاقة البليين بجيرانهم كانت تتسم أيضاً بالطيبة وحسن الجوار يدل على ذلك الهدايا التي كانت تصلهم من جيرانهم كما ورد في النص، ولا بد أنهم كانوا أيضاً يهادونهم. ويبدو أن علاقات البليين مع جيرانهم على النيل في مصر والسودان كانت على درجة قوية ومتقدمة من التنظيم. وفي واقع الأمر هنالك الكثير من الاشارات في المصادر العربية وضحت نضج وتطور النظم السياسية والادارية لقبائل المنطقة مثل ممالك البجة التي ذكرها اليعقوبي، والتنظيمات القبلية التي أشار إليها المسعودي وابن حوقل. فالبليون كانوا في القرن الثاني عشر الميلادي – عصر الادريسي - شعب بدوي قوي وكبير يتجول في منطقة واسعة شرق بلاد البجة، وكانوا ذوي قوة ونفوذ في المنطقة وعلاقات مع جيرانهم في الشمال والجنوب حتى القرن الثامن عشر الميلادي، فماذا حدث لنفوذ وقوة هذه القبيلة بعد هذا التاريخ؟ ليس بين أيدينا الآن ما يساعد على التعرف على ما حدث لقوة هذه القبيلة، وما هي أسباب ضعفها؟ ربما ترك الجفاف الذي بدأت آثاره تزداد في كل المنطقة أثره على قوة القبيلة. وربما أدت حروب المماليك في مملكة مقُرّة منذ نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، والصراع الذي دار بين المماليك وبعض القبائل العربية في شمال مملكة مقرة والصراع الذي دار بين تلك القبائل والأسرة المقرية الحاكمة ربما أدى كل ذلك إلى عدم استقرار القبيلة، وضعف اتصالها بمصر شمالاً وتقلص نشاطها التجاري. ثم جاء التحول والحراك الكبير لسكان المنطقة عندما دمر ميناء عيذاب في القرن الخامس عشر الميلادي الأمر الذي أدى إلى هجرة شعوب المنطقة نحو الجنوب. ومن المعقول جدّاً قبول أن كل ذلك أثر على تقلص نفوذه البليين بالتدريج وبدأ بعض أفرادها يدخلون تحت التجمعات القبلية والقيادات الجديدة، بينما تماسك بعض إفرادها وحافظوا على كيانهم تحت اسمهم القديم. ويظهر بقايا البلين في بعض المناطق الشمالية والجنوبية لبلاد البجة وفي التراث المحلي للمنطقة. وقد وجد الباحثون في تراث بعض قبائل البجة ما يؤكد علاقة واتصال تلك القبائل بقبيلة البلين، فربطوا بينها وبين قبائل البلو والباقوس والحداربة. فأفراد قبيلة البليين/البليميون الكبرى قد ساهموا في تكوين تلك القبليات والقوى الجديدة التي حلت محل القيادات القديمة في المنطقة. ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن ما تبقى من قبيلة البليين ولكننا نريد هنا الاشارة فقط إلى دور أفراد قبيلة البليين/البليميين في التكوين القبلي الحديث لسكان شرق السودان الذي برز منذ القرن الخامس عشر الميلاد، وانصهار الكثير من أفرادها داخل بعض تلك القبائل مثل البلو والحداربة. ويقودنا ذلك إلى الحديث عن سكان المناطق الشمالية، وسندخل إلى ذلك في الموضوع القادم بالحديث عن الأونوت/التُرُجلُدايت
|
|
|
|
|
|