|
من هامش التاريخ بقلم عبدالله علقم
|
07:30 PM Aug, 22 2015 سودانيز اون لاين عبدالله علقم - مكتبتى فى سودانيزاونلاين
(كلام عابر)
أضاف الدكتور محمود اسماعيل، المفكر والمؤرخ المصري، للمكتبة العربية كتابا قيما بعنوان"المهمشون في التاريخ الاسلامي"،قامت بنشره رؤية للنشر والتوزيع، ويقع الكتاب متوسط القطع في 208 صفحة،ويستهله الكاتب بقوله أن دراسته لا تهدف لتقديم تاريخ شامل للعوام المهمشين في التاريخ الاسلامي بقدر ما تصبو إلى تصوير رؤية جادة منصفة لهذه الجماعات التي شوهها تاريخها مؤرخو البلاط ومن نحا نحوهم. ونسبة لأن الحوليات التاريخية انشغلت بتواريخ الحكام وظل تاريخ العامة في اطار المسكوت عنه أو اللامفكر فيه، فقد اعتمد المؤلف ،كما قال، على كتب الخراج والفقه والحسبة والنوازل والجغرافيا والطبقات والأدب والديارات والحرف والفلاحة والتجارة والطبيخ. يحدث هذا الشح البين في المصادر رغم أنه (لم يحظ عصر من عصور التاريخ بوفرة المعلومات وتنوعها كما حظي التاريخ الاسلامي).ورغم وفرة وتنوع المعلومات،(لا يزال التاريخ الاسلامي يلفه الغموض والابهام وتتوالى الدعوات إلى المطالبة بإعادة درسه وبحثه وتدوينه) بسبب اشكالية المنهج والرؤية. وفي ظل هذه الظروف، نستطيع أن نتفهم الجهد الكبير الذي بذله المؤلف للحصول على المعلومة التى أهملها التاريخ.
لا تتسع هذه السطور بالتأكيد لذكر ما فصله المؤلف عن الحركات التي تناولها في كتابه، ولكن يمكن أن القول اجمالا أنه قد سلط الضوء على ثورة الزنج الأولى في العراق، ثورة الخشبية في العراق، ثورة الحدادين في الأندلس، ثورة الزنج الثانية في العراق، دولة القرامطة في البحرين والعراق، ثورة عمر بن حفصون في الأندلس، ثورة حميم المفتري في المغرب الأقصى، حركات العيارين في العراق، حركات الأحداث في الشام، حركات الحرافيش في مصر،حركات الفتاك في آسيا الوسطى، حركات الصقورة في الأندلس، دولة الحرفيين "الصفارية" في سجستان، وحرافيش مصر والنضال باللسان والنكتة، وما زال مثل هذا النوع الأخير من النضال موروثا اجتماعيا سائدا في مصر وما تزال النكتة سلاحا متوارثا في مصر يعبر عن الرفض.
ونقف قليلا عند ثورة "الخشبية" في العراق بزعامة المختار بن أبي عبيد الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان، فقد حفلت بالكثير من التناقضات والمفارقات. كان قائد الثورة، التي كان عمادها النجارين، من طبقة الأرستقراطية العربية يدفعه الطموح الشخصي.بدأ معارضا للأمويين ثم متعاطفا مع الشيعة ثم انتقل للخوارج لينتهي به المطاف زعيما لهبة الحرفيين الذين كانوا قوام النهضة العمرانية. اللافت للنظر هو تحالف بين أمية (الارستقراطية السفيانية) وعبدالله بن الزبير (الأرستقراطية الثيوقراطية)، رغم ما بين الفريقين من عداء وحروب، لمواجهة حركة الحرفيين التي تهدد الإثنين معا.
امتدت هذه الحركات والثورات من بداية العصر الأموي في سائر أقاليم"دار الاسلام" مشرقا ومغربا، حتى عصر المماليك والعصور الحديثة. وكانت دولة الحرفيين(الصفارين) في اقليم سجستان أنجح هذه الحركات إذا أفلحت في تحقيق استقرار سياسي ورخاء اقتصادي وتجانس اجتماعي خلال عصر سادته الاقطاعية العسكرية. القاسم المشترك بين جميع هذه الثورات والحركات هي رفضها للظلم الاجتماعي والتمييز الطبقي الذي بدأ صراحة بقيام الدولة الأموية وخلخلتها البناء الطبقي واعادة صياغته لصالح الارستقراطية، والوقوف ضد نظم ثيوقراطية واقطاعية عسكرية. ولكن القاسم المشترك الآخر هو أن جميع هذه الحركات اندحرت في النهاية بفعل عدو خارجي يمتلك كل وسائل القوة ومقومات النصر، أو بفعل تفتت وانهزام داخلي في هذه الحركات، رغم أن بعضها قد نجح إلى حد الاستيلاء على السلطة وتأسيس كيانات سياسية أشبه ما تكون بالجمهوريات الشعبية، كما يصفها المؤلف.
يقول المؤلف (إن العوام والمهمشين الذين صنعوا التاريخ الاسلامي قد همشوا من قبل الحكام الذين "سرقوا" هذا التاريخ ونسبوه إلى أنفسهم،بفضل "مؤرخي البلاط")، ومن بين مؤرخي البلاط ابن بطوطة وابن خلدون والطبري وغيرهم.كلهم تناولوا هذ الحركات وفق رؤية دونية، فاعتبروها فتنا ومروقا على "ولي الأمر"، بمثلما اعتبروا القائمين عليها رعاعا وسوقة وسفلة.ووصم ابن خلدون أخلاقهم بالمماحكة والفجور والبعد عن المروءة، والحقوا بهم صفة الزندقة والاباحية، مستغلين في ذلك بعض الأفكار الغريبة التي صاحبت بعض هذه الحركات. ولكن من جانب آخر أن فقهاء مستنيرين كانوا في قيادة عدد من هذه الحركات. ولكن من الصعب وصف كل هذه الهبات والانتفاضات بانها "ثورات" لافتقار كثير منها إلى الاعداد والتنظيم، فكانت أشبه بحركات تلقائية عفوية، يعوزها في معظم الأحيان التنظيم والوعي الطبقي والعمق السياسي. يقول المؤلف(عبرت "مراهقة" المعارضة في التاريخ الاسلامي عن خلل دائم ومستمر في بنية هذا المجتمع، لا زالت أصداؤه قائمة إلى الآن، مما أكسب "السلطات الحاكمة" القدرة على البقاء والاستمرار، وحكم على حركات المعارضة بالشلل والعجز والقصور.) "المهمشون في التاريخ الاسلامي" كتاب يستوجب الوقوف عند طويلا لأنه كتاب جريء ودراسة متخصصة بلغة سلسة مبسطة تعنى بأحوال هؤلاء المهمشين، برؤية مغايرة للمتواتر المألوف، غلبت عليها الرؤية الماركسية للتاريخ.هذا هو الكتاب الوحيد الذي يتناول المهمشين في التاريخ الإسلامي، الذي اطلعت عليه، وربما تكون هناك كتب أخرى متخصصة تتناول نفس الموضوع، ولكني أعتقد أن هذا الكتاب قد يفتح شهية متخصصين آخرين للمضي في ازالة الغبار عن تاريخ المهمشين. (عبدالله علقم) mailto:[email protected]@yahoo.com
أحدث المقالات
- الادارة الاميركية مع الحوار !! وليست مع الحركة الشعبية شمال بقلم الاستاذ. سليم عبد الرحمن دكين-لندن 08-22-15, 06:13 PM, سليم عبد الرحمن دكين
- المعلقة السودانية موديل حوار الطرشان! بقلم فيصل الدابي /المحامي 08-22-15, 06:10 PM, فيصل الدابي المحامي
- العم يوسف أحمد المصطفى.. الإنحياز للغلابة والثورة والإستنارة بقلم ياسر عرمان 08-22-15, 06:05 PM, ياسر عرمان
- هل (صفع) بكري حسن صالح د نافع علي نافع بقلم جمال السراج 08-22-15, 06:00 PM, جمال السراج
- موسى كسر لوحى شريعه الهية صحيحة فماذا سنفعل باللوح المحفوظ ؟؟؟؟ بقلم جاك عطالله 08-22-15, 05:57 PM, جاك عطالله
- يعلون يرفض تهدئة خالد مشعل بقلم د. فايز أبو شمالة 08-22-15, 05:55 PM, فايز أبو شمالة
- ازمة اللحوم في غزة وواقع البطالة والفقر والانقسام بقلم سميح خلف 08-22-15, 05:54 PM, سميح خلف
- هل صحيح يريدون تحطيم "دال"؟؟ بقلم عثمان ميرغني 08-22-15, 04:56 PM, عثمان ميرغني
- خالد حسن عباس.. بقلم عثمان ميرغني 08-22-15, 04:51 PM, عثمان ميرغني
- مولانا (ذات البنطلون)!! بقلم صلاح الدين عووضة 08-22-15, 04:40 PM, صلاح الدين عووضة
- الحسن بين الإرهاب والفساد! بقلم الطيب مصطفى 08-22-15, 04:39 PM, الطيب مصطفى
- عالم الدقيق ..(1) بقلم الطاهر ساتي 08-22-15, 04:37 PM, الطاهر ساتي
- صافرة النهاية بقلم عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات 08-22-15, 07:41 AM, سيد عبد القادر قنات
- رحم الله اللواء خالد حسن عباس .. بقلم حيدر احمد خيرالله 08-22-15, 07:23 AM, حيدر احمد خيرالله
- الراحل يوسف أحمد المصطفى: من العجيمية إلى اليسار بقلم حسن وراق 08-22-15, 07:19 AM, حسن وراق
- العراق.. صحوة الشيعة العرب بقلم نديم قطيش 08-22-15, 07:14 AM, مقالات سودانيزاونلاين
- أكذوبة الحوار الوطني!! بقلم د. عمر القراي - كندا 08-22-15, 06:24 AM, عمر القراي
- استقالات فلسطينية تكتيكية لكنها مستحقة بقلم نقولا ناصر* 08-22-15, 06:19 AM, نقولا ناصر
- أخرسوا و أسكتوا .. فالسكوت من ( ذهب)!.. بقلم لبنى احمد حسين 08-22-15, 06:16 AM, لبنى أحمد حسين
- وثائق نضالية من دفتر الآستاذ فاروق أبوعيسى14 1 بقلم بدوى تاجو 08-22-15, 02:27 AM, بدوي تاجو
- الفيسبوك مساحة للتواصل أم ساحة لقطع الأواصر ؟ بقلم بدور عبدالمنعم عبداللطيف 08-22-15, 01:45 AM, بدور عبدالمنعم عبداللطيف
- فقيد العلوم والمعارف والخلق الكريم.. الدكتور ابراهيم العاقب بقلم الطيب السلاوى 08-22-15, 01:43 AM, الطيب علي السلاوي
- مقاطعة الكيان تنهار عربياً وتنهض دولياً بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي 08-22-15, 01:39 AM, مصطفى يوسف اللداوي
- المحاولات الفاشلة (لأدلجة) معاوية محمد نور و(تجييره) حزبيا! (5 من 11) بقلم محمد وقيع الله 08-22-15, 01:04 AM, محمد وقيع الله
- الكنديون العرب يصرخون لا للعنف بقلم بدرالدين حسن علي 08-22-15, 01:01 AM, بدرالدين حسن علي
- هوامش شخصية بقلم عبدالله علقم 08-22-15, 01:00 AM, عبدالله علقم
- يحتاج لتحصينه بجرعات مستدامة من المودة والرحمة بقلم نورالدين مدني 08-22-15, 00:54 AM, نور الدين مدني
- نوستالجيا الكُتّاب والمثقفين في زمن الخدم وسودان السجم! بقلم البراق النذير الوراق 08-22-15, 00:52 AM, البراق النذير الوراق
|
|
|
|
|
|