|
من الذي يصدق قسم الرئيس؟ زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
من الذي يصدق قسم الرئيس؟ زين العابدين صالح عبد الرحمن أقسم السيد رئيس الجمهورية عمر البشير أمام جماهيرمنطقة قري, في أحتفالهم بمرور 500 عام علي قيام الدولة الإسلامية السنارية, و قال في قسمه ( أقسم بالله إن النائب الأول تنازل طواعية من منصبه كما تنازل عقب اتفاقية نيفاشة ) و هذا غير صحيح لآن اتفاقية نيفاشة مع الحركة الشعبية أضطرته علي التنازل, و بالتالي بات أمامه أما أن يقدم استقالته من المنصب, أو يقال من المنصب, و يخليه إلي الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية, و السيد علي عثمان رجل ذكي لا يريد أن يسجل في تاريخه السياسي أنه أوقيل من المنصب, و فضل أن يكتب إستقالته. فالرجل معروف بحنكته السياسية, و إن لديه قدرة كبيرة جدا في إدارة المؤامرات من وراء ستار, و أنه لا يخرج للمواجهة, و خلال مدة 24 عاما العجاف كان يمارس هذه المهمة, فطرد الدكتور الترابي من الحزب و الدولة, و قام بتدبير الإنقلابات الفاشلة, و أخيرا طرد الدكتور غازي صلاح الدين و مجموعته. خروج علي عثمان من المنصب التنفيذي كما قال الرئيس طواعية, يؤكد إن سفينة الإنقاذ بدأت في الغرق, و شعر النائب الأول ليس هناك أية أمل في الإصلاح, بل إن الأزمات التي تحيط بها من كل جانب سياسية و اقتصادية و اخلاقية و غيرها لا حلل لها, و هي التي سوف تعجل برحيل النظام لذلك فضل الخروج منها, فالنائب الأول طوال سنينه في العمل السياسي لم يأت إلي منصب و ترقية إلي القمة نتيجة لمجهوداته الذاتية و قدراته, بل كان يصعد للقمة متعلقا علي أكتاف الزعيم, إن كان الدكتور الترابي أو الرئيس عمر البشير, فالرجل الذي يدير الدولة من خلف جدار لا يمكن أن يرحل إلا إذا شعر قرب النهاية, لكي يبحث له علي مكان أمن هو و أفراد أسرته, من أية عقاب يمكن أن يطاله من جراء ما فعل بالسودان و أهله, من قتل و تشريد و فساد و ظلم و انتهاكات لحقوق الإنسان. يقول أحد المقربين لصناع القرار, إن علي عثمان محمد طه بدأ يشعر بالمحاصرة منذ اختيار الدكتور نافع علي نافع نائبا للرئيس لشؤون الحزب, و هو موقع سياسي مهم في إدارة العمل السياسي, و بعده بدأت عملية إبعاد العناصر التي تدين بالولاء للنائب الأول من مناصبهم و إحلال عناصر أخري لها خلاف مع علي عثمان, كان أهم شخصية إبعدت الفريق صلاح قوش من رئاسة جهاز الأمن و المخابرات, و أقنع النائب الأول الرئيس البشير إن الفريق قوش رجل مهم بعلاقاته مع الولايات المتحدة يجب الاحتفاظ به داخل منظومة الدولة, لذلك عين مستشارا للرئيس لشؤون الأمن, و أسس مستشارية الأمن, و أراد أن تكون المستشارية قوة تنتزع القضايا المهمة من الحزب, و تدير العمل السياسي مع القوي السياسية بعيدا عن أروقة الحزب, و بدأ بالفعل الفريق قوش الاتصال بالقوي السياسية, و عقد اجتماعات مطولة مع السيد الصادق المهدي, و عدد من قيادات الأحزاب, للشروع في عملية تغيير حقيقي, الهدف منها هو صعود نجم علي عثمان مرة أخرى و إمساك كل الخيوط في يده, لكن بعض قيادات الجهاز التي علي خلاف مع قوش و علي رأسهم الفريق محمد عطا رئيس جهاز الأمن و المخابرات شعروا بخطورة المسألة, و المخطط إذا نجح سوف يطيح بهم جميعا, لذلك عجلوا بالاجتماع مع الدكتور نافع علي نافع و وضع كل المعلومات بين يديه, الأمر الذي أدي لمواجهة بين قوش و الدكتور نافع, و تمت إقالة الفريق قوش من المستشارية, و من ثم أتهامه بالتخطيط لعملية انقلابية, هذه الخطوة أدت علي الفور إن يجمد علي عثمان مخططاته نتيجة لبعض الاتهامات التي بدأت تخرج بأنه وراء هذا الانقلاب, المقصود منها هو وضع السيد النائب الأول في خانة الدفاع بسبب تعطيل قدرته علي التفكير, و حصره في كيفية تبرير موقفه, و تعطيل قدرته في تقديم مبادرات, منذ ذلك الوقت شعر السيد النائب الأول إن الأرض بدأت تهتز من تحت أقدامه, الأمر الذي جعل خطابه السياسي غير متماسك خالي من المبادرات و بدأ يحصر حديثه دفاعا عن الرئيس, و أنه مع الرئيس و أنهم سوف يموتون دفاعا عن الرئيس, هذا الخطاب الجديد نزع الهيبة من النائب الأول و أصبح مثله و مثل السياسيين الانتهازيين المبتدئين. القضية الأخري التي أضعفت علي عثمان النائب الأول لرئيس الجمهورية, المؤتمر الأخير للحركة الإسلامية الذي كانت داخله ثلاثة تيارات متصارعة, التيار الأول تيار الإصلاحيين بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين و مجموعة الشباب الذين قاتلوا في صفوف الدفاع الشعبي و يطالبون بفك الارتباط بين الدولة و الحزب, المجموعة الثانية مجموعة النائب الأول و هي تضم تيار من المحافظين, و تنادي أن يخضع الحزب " المؤتمر الوطني" و الدولة لإمرة الحركة الإسلامية, و المجموعة الثالثة هي التي كانت تنادي بأن تخضع الحركة الإسلامية للحزب, و يستخدمها الحزب في القضايا التي يعتقد تخدمه في العمل السياسي, و رغم إن مجموعة علي عثمان قد فازت بقيادة الحركة الإسلامية مستخدمة كل مؤسسات الدولة و إمكانياتها في ذلك, في عملية الترهيب و الضغط علي المؤتمرين, و لكن القيادات التي قدمتها الحركة الإسلامية لقمة هرمها هي قيادات تنفيذية, تفتقد للقدرات السياسية و المبادرات, و خالية من العناصر التي تشتغل بالفكر, لذلك أصبحت خاضعة لأمرة الحزب, الأمر الذي شعر فيه السيد النائب الأول إن كل أدواته التي يشتغل بها فقدت الأهلية, و أصبح مكتف اليدين لا يقدر علي أختراق الحصار الذي ضرب عليه, فجعله في عزلة سياسية, رغم إن الرجل يعد الثاني في قمة هرم الدولة. عندما أقسم السيد رئيس الجمهورية أمام جمع من الناس, كان يعلم الموقف الذي جعل نائبه الأول يضطر لتقديم إستقالته و يتنازل عن موقعه التنفيذي, حيث إن العناصر داخل الدولة و الحزب كانت تحاصر النائب الأول, و هي أيضا قريبة من الرئيس و تبلغه أول بأول بالمعلومات, من خلال وزير شؤون الرئاسة الفريق أول بكري حسن صالح الذي يطمع في أن يكون هو النائب الأول, حيث أنه الوحيد الذي بقي من مجلس قيادة الثورة, و كانت المجموعة تبلغ الرئيس لكي تكسبه إلي جانبها, و في نفس الوقت تباعد الشقة بينه و بين النائب الأول, و قسم الرئيس ليس المقصود منه هو موقفه الإيجابي من النائب الأول, أنما هو قسم يريد الرئيس طمأنة العناصر الإسلامية التي تدين للنائب الأول بالولاء أن لا تدخل في أية مناكفات سياسية في الوقت الراهن, و الرئيس الذي يؤمن بمبدأ التقية لا اعتقد إن هناك من يصدقه, كم مرة أقسم الرئيس أمام الجماهير و لم يبر هذا القسم. القضية التي أوصلت السيد النائب الأول للقناعة في أن يغادر سفينة الإنقاذ حفاظا علي روحه و أسرته, هو ما حدث في مظاهرات سبتمبر حيث جاءت العصبة المقربة من الرئيس, بعناصر بعيدة عن المؤسسات العسكرية و شبه العسكرية التابعة للدولة, هي عناصر هاربة من الحرب في مالي و أخري مدربة عند الحرس الثوري الإيراني علي التصويب من بعد, و هؤلاء هم الذين قتلوا المتظاهرين, من خلال التصويب المحكم علي الرأس, و قتلوا شباب و أطفال دون رحمة, بهدف خلق حالة من الرعب و الإرهاب وسط الناس, و أيضا رسالة للعناصر داخل التنظيم التي تخالف رؤيتهم, و هو ما أكده رئيس الجمهورية في اللقاء الذي اجرته معه الصحيفة السعودية " عكاظ" في الأراضي المحرمة بعد فريضة الحج, حيث قال الرئيس أنهم استخدمموا " الخطة الأمنية ب " إشارة لعملية الإغتيالات, مما جعل النائب الأول يشعر بخطورة الوضع و إن النظام فقد أهليته, و أصبحت القوة هي وحدها التي يعتمد عليها. إذن أية عملية للتغيير للوجوه و العناصر القديمة و استبدالها بعناصر جديدة, هي لا تغير جوهر المشكلة, و ستظل الأزمات تطبق خناقها علي البلاد, و الإنقاذ تفتقد للقيادات المؤهلة فكريا, و القادرة علي التفكير العقلاني, الذي يمكن أن يتفأل الناس به, فكل العناصر التي تقدم هي عناصر سوف تسير في ذات الاتجاه الذي كان ت تسير عليه القيادات التي سوف تغادر المواقع التنفيذية و التشريعية, و بالتالي ليس هناك أية أمل لعملية التغيير و الإصلاح, و ستظل البلاد تعاني من أزماتها السياسية و الاقتصادية, و سيظل النظام محاصر خارجيا و ليس هناك أمل للحل, و نسأل الله أن يقينا هذه الشرور.
|
|
|
|
|
|