يضايقني جدا عندمايقول أحدهم أنه لم يكذب قط ، علما بأنه " مسيلمة " ، عموما دعونا فيموضوعنا ، كان قرارا سليما عندما هجرت الدراسة بجامعة القاهرة وتحولتلمعهد الموسيقى والمسرح ، ,وأن معظم أفراد عائلتي يحبون المسرح ، أربعسنوات قضيتها في عالم المسرح السوداني ، العربي ، الإفريقي والعالمي ،أربع سنوات وأنا ملازم لمكتبة المعهد ومكتبة خالي الفكي عبدالرحمن - رحمهالله - الذي لم يبخل علي أبدا بما أحتاج للتعرف على المسرح ، درس الفكيعبدالرحمن في بريطانيا ، وكان يجيد اللغة الإنكليزية ، وكان مغرمابالكاتب المسرحي وليام شكسبير ، في ذات يوم من الأيام ونحن نتناول طعامالغداء قال لي : إذا كنت تريد أن يكون لك مكان في المسرح فأقرأ شكسبير ،قلت له أريد ، ولكني لا أعرف المدخل الصحيح لذلك ، قال لي خذ أي مسرحيةمن مسرحياته ، تراجيدية أو كوميدية وأقرأها وأكتب لي ماذا فهمت منها ،كنت أصلا قد قرأت عددا كبيرا من مسرحيات شكسبير ، كما كنت قد تعرفت عليهفي المرحلة الثانوية عند دراستنا للأدب الإنكليزي ، واحترت عن أي مسرحيةله أكتب؟ وقع إختياري على مسرحية "يوليوس قيصر" فقط لأني كنت معجب بتعبير " حتى أنت يا بروتس ؟ قبل أن أكتب رحت أقرأ عنمسرحية يوليوس قيصر ، رحت أقرأ عن الرومان والمسرح الروماني ، وجدت ضالتيفي كتاب رائع جدا بعنوان " المسرح في ثلاثة آلاف سنة " لمؤلفه دريني خشبة، كتاب ضخم جدا وعدد صفحاته تصيبك بالرعب ، ولكني كنت قارئا أكولا ، لمأكترث لحجمه ، ولا للغته المقعرة ، ووقع في يدي كتاب آخر بعنوان " المسرحالثوري - دراسات في الدراما الحديثة من إبسن إلى جان جينيه “ لمؤلفهروبرت بروستاين ، ترجمة عبدالحليم البشلاوي ، وهو كتاب أنصح بقراءته-خاصةللمسرحيين – عن ثمانية كتاب مسرحيين عصريين ، فالتهمته والتهمت مسرحياتهم، ولم يخف علي غرضها العام الهجوم الضاري ضد الكذب ، الخيانة والقتلالوسخ لمجرد الإختلاف في الرأي ، وقرأت للطيب صالح ووجدته محقا في صرخته: من أين أتى هؤلاء ؟ فقلت لنفسي هذا هو ما أبحث عنه ،" ضبضني "الفكيعبدالرحمن ، فقال لي ضاحكا " يا ود يا خشبة ؟؟؟" وعندما تم تعيينيبالمسرح القومي بأم درمان في نفس يوم تعيين الإذاعي صلاح الفاضل والمسرحي محمد شريف علي سألني الفكي عبدالرحمن ما هي الوظيفة التي تحبممارستها قلت له ضاحكا " مدير خشبة !!! " وبالفعل كانت هناك وظيفة بهذاالمسمى ، وهي تعني مساعد مخرج ، وكنت مساعد مخرج للدكتور عثمان جعفرالنصيري في مسرحيته " مجلس تأديب " ، ومساعد مخرج لعلي عبدالقيوم فيمسرحية " حفل سمر لأجل خمسة حزيران " ، ومساعد مخرج لأبراهيم شداد فيمسرحية " المشي على الرموش " ولكن أرجوكم أن تصدقوني أن أكثر ما لفتإنتباهي يومها في مسرحية " يوليوس قيصر " الكذب و الخيانة و القتلوالغدر ، وسأكون أكثر صراحة معكم ، لي خالة رائعة جدا ، هي بمثابةأمي ، كان زوجها أيضا رائع جدا ، ولكنه كان عنيفا لا يقبل الكذب ، وقدحدث أن كذب عليه أحدهم فلم يتردد في قتله ، وبما أنه كان مريضا فقدإنتقل إلى ربه بعد أيام قليلة من جريمته تاركا أطفالا في عمر الزهور ،حكت لي خالتي قصته ، لم تبارحني صورته مطلقا ، بشاربه الغليظ وعضلاتهالمفتولة ، وكنت دائما أتساءل لماذا إرتكب تلكالجريمة؟ ، وهالني يوم عرفت أن القتيل كان صاحبه ، وبالصدفة البحتة وقعتفي يدي مسرحية " يوليوس قيصر " ، قرأتها وأنا في العشرين من عمري ،فتأثرت كثيرا بأجواء الكذب و الخيانة و القتل والدم ، وأن أكثر ما كانيعجبني في الشاعر الراحل المقيم محجوب شريف الحي الميت وكمال الجزوليالحي الحي أنهما لم يكذبا مطلقا و كلاهما من أصدقائي. شغل موضوع الكذب والخيانة و القتل السياسي إهتمام شكسبير في معظم مآسيه. وكان يعود اليهمفي تراجيدياته ومسرحياته التاريخية، حتى انه خصص لموضوع الخيانة والإغتيال السياسي مسرحيته الشهيرة يوليوس قيصر) برمتها.( وكان السؤالالذي يشغل ذهنه هو:هل الخيانة و القتل السياسي مبرر؟ وماهي النتائجالمترتبة عليه؟ في عالم يحكمه الطغاة يظهر ان ليس ثمة حل لمواجهة الطغيانإلا العنف. لكن العنف يوّلد العنف،هذا منطق يؤكد عليه شكسبير في معظممآسيه، وأنا أقرأ مسرحية يوليوس قيصر ثانية تساءلت لماذا أغتيل ناجيالعلي وسلاحه الوحيد ريشة وقلم ؟ ولسوء حظي قرأت بعدهامباشرة مسرحيته " ماكبث " أيضا أجواء القتل والدم ، قرأت مثلا " هاملت "كان رومانسيا جدا ولكن إغتيال والده جعله مهووسا بقتله وإذا بالمسرحيةتدور في أجواء من القتل . وظلت مسرحية " يوليوس قيصر" هي المحببة لنفسيفكتبت ، وسلمت ما كتبت لأستاذي الفكي عبدالرحمن ، رد علي في اليوم التاليقائلا : أنا أرشحك كيما تكون ناقدا مسرحيا ، وبالفعل مارست مهنة النقدالمسرحي لعدة سنوات جلبت لي الكثير من العداوات ، فمهنة النقد ما تزالإلى اليوم ومنذ عشرات السنين مهنة محفوفة بكثير من المخاطر . أظن أن شكسبير لم يكن فيكتابته لمسرحية يوليوس قيصر مهتما بالتاريخ كمؤرخ ، وإنما كفنان و مبدع، في مرحلة لاحقة من حياتي أبديت رغبتي في العمل براديو وتلفزيونالعربART ، وكنت مراسلا صحفيا ، طلب مني مالكها الشيخ صالح عبدالله كاملأن أكتب له عن فيلم ومسرحية " أنا كارنينا " ، سلمته ما كتبت ففوجئت بهيقول لي : عليك أن تبدأ عملك غدا كمدير لرقابة الأفلام ، ولا يخفى عليكمأيضا أن رائعة تولستوي تدور حول الكذب والعنجهية والخيانة . أنظر حولي اليوم فأجد أنالكثير من المسرحيات التي قرأتها أو أخرجتها هي مسرحيات معاصرة فيهاالكثير من الكذب و الخيانة والقتل والتصفيات ، مشهد مليء بالمساويء والأحزان ، لم يعد هناك ما يسمى بالرأي والرأي الآخر ، فأنت إما معي أوضدي والجملة المتسيدة : حتى أنت يا بروتس ؟؟؟؟؟ وكانت البداية حول طرح السؤالالصعب : أين شخصيات مثل أبراهيم شمس الدين والزبير محمد صالح ؟ كماتساءلت عن شخصيات مثل د. حسن الترابي ، على محمد عثمان طه ، نافع علينافع ؟ ليس ذلك فحسب تساءلت عن شخصيات أخرى كثيرة عن ماضيهم وحاضرهمومستقبلهم إنطلاقا من مقولة الرأي والرأي الاخر !!!! فأعدت قراءة مسرحية " يوليوسقيصر " ومسرحيات أخرى وأفلام سينمائية " بالهبل " عن الكذب والخيانةوالقتل والتصفيات الجسدية لعلي أجد إجابة ، وتمعنت في مقولة : حتى انت يابروتس ؟؟؟؟؟أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة