رغم أنها تأخــرت بعض الشيء عما كان متوقعاً لها أن تأتي .... فقد كان لابد لها أن تأتي في نهاية المطاف .... إنها اللحظة التي انفعل فيها الفنان محمد الامين مع جمهور بدأ له دخـيل غريب عليه .. ولم يعتاد محمد الأمين على حضوره السافر الكثيف هذا طوال رحلته الغنائية الشاقة الطويلة التي أسس فيها لجمهور بحضور منصـت أنيق .. أو كأنّ على رؤوسهم الطـير.
لقد أخذ الغضب الإنفعالي بمحمد الأمين كل مأخذ ؛ حتى انه انفعل ايضا في العازفين وصرخ فيهم ما عاااايييز (ما عايز) عندما حاولوا تهدئته ومواصلة الاغنية. برر محمد الأمين إنفعاله بقوله ؛ أن مصاحبة الحضور له بالغناء يحول بينه وبين الغناء والتصرف في الأداء ..... وأنه بالبلدي الفصيح ما حيعرف يغني كده.
محمد الأمين بطبعه فيه حـدة عباقرة ؛ جعلته "قاعد على الهبشة" ... لكنها من جهة أخرى كان لها إيجابياتها التي صنعت وقدمت حتى تاريخه هذا العطاء الغنائي النادر.
مع مرور السنوات والتقدم في العمر . أصبح لزاما على محمد الأمين أن يبطيء من سرعة ألحانه وأدائه ليتماشى مع ما فعله المشيب. وهذه ليست بمشكلة طالما كان يؤدي ويتصرف أمام جمهور يقتصر على الإستماع . ولا بأس من التصفيق في أوقات متفاوتة. ولكن مشكلة قامـة غنائية راسخة عريضة مثل محمد الأمين أنه حتماً يرفض الانسياق والسباحة في الموجة الشبابية الجديدة التي يشجعها مطربون شباب . وهي مصاحبة الجمهور لهم بالغناء والاهازيج على طريقة محمود عبد العزيز...
جمهور اليوم (الشاب) الذي ينشط في شراء التذاكر ، وحضور الحفلات كمجموعات . هذا الجمهور متباين المزاج والإنفعال . ويتوقع أن تتاح له الكثير من الخيارات لأسباب تتعلق بتعدد وسائط المعلوماتية والمكتسبات بالتالي ..... فيهم من يستمع بقدميه .. ومنهم من لا يصبر حتى على الإستماع فيطرب نفسه بلسانه مصاحباً لصوت المطرب على المسرح .... المطرب الذي أصبح دوره بقتصر فقط على تحفيز الجمهور على الغناء. أفتقد وسيفتقد محمد الامين المستمع القديم الرزين الصامت المندهش بالاداء وعمق الكلمة والحلاوة والطلاوة المغدق أسفله والمثمر أعلاه.. هذا الجمهور لم يعد ياتي للمسارح مثل ما كان عليه الحال في جمهور الأمس . واصبح اليوم يكتفي بالجلوس في البيت امام التلفزيون .... ...
لكل زمان رجاله وقناعاته. ... انها سنة الحياة....... وهاهي لحظة الحقيقة وساعة الغروب التي وقف فيها محمد الامين على المسرح أول من أمس (وحـيداً) امام جيل جديد ؛ في الوقت الذي اصبح فيه جمهوره الحقيقي القديم خلف ظهره قابع في البيوت.
رغم أن بعض مطربي الجيل القديم أمثال حمد الريــح قـد تأثر بموجة محمود عبد العزيز الشعبوية التشاركية مع الجمهور .... فإننا نلاحــظ أن محمد الأمين وحـده لا يـزال يتمسك بالبقاء على خشبة المسرح خلال أداء أغنياته ولا ينزل ليتجول وسط الجمهور ...... هذا الجمهور الذي تأثر بأسلوب الراحل محمود عبد العزيز الذي كان يمـد لهم المـايك ويطلب منهم مشاركته الغناء أفراداً كانوا أو جماعات.
أذكـر حينهـا ؛ أنه في الوقت الذي كان فيه بعض النقاد من الجيل القديم والكلاسيك يتلفت تائها .. ويدير عينيه ذات اليمين وذات اليسار . فقد تمسك كثيرون من الجيل الوسيط بأن محمود عبد العزيز قد فعل الكثير وقلب الموازين .. ولكن لم يصدقنا أحد من هذا الكلاسيك ولم يقتنع . لا بل ولم يفهم ... وقالوا لنا أين ... أين؟ وماذا فعل واستبدل وبـــدّل؟
برغم كل ذلك ؛ فإن غناء محمد الامين سيظل حاضراً على الساحة لعقود قادمة من خلال الوسائل والوسائط ..... واذا كان محمد الامين يرفض اليوم السباحة في موجة محمود عبد العزيز الشبابية الجديدة . فلربما ياتي زمان يردد فيه العديد من الشباب الجدد اغاني صاحب الجريدة بمصاحبة الجمهور.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
مصعب المشـرّف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست