حسناً علينا وفي كل حال أن نقول الحقيقة بخصوص ما يكتنف فن الموسيقي والغناء في أيامنا هذه من أوجاع ومرارات ، تبدأ بإندثار حالة الإبهار في التجديد الذي أصبح هو أيضاً سلعةً صعبة المنال ، ثم إنتهى بسيادة إنصاف المواهب للمنابر الثقافية والإعلامية وعُلو مكانة الأغنية الفجة والهابطة في أوساط المجتمع ، ثم ما يُقابل ذلك من شعور أصحاب المواهب الحقيقية بالغربة في وسطهم الإبداعي وإنزوائهم بعيداً عن ساحات الوسط الفني الذي أصبح يعتمد في أدواته الإنتقائية على المحسوبية والشللية والإنتماءات السياسية و(التزلفية) لأولي النفوذ في حكومة المؤتمر الوطني التي لم تغفل آلة تخريبها العُظمى ساحات الفن والفكر والثقافة ، ونحن في غمرة لومنا الذي لا ينتهي للمطربين والموسيقيين الشباب من جيل اليوم والذين طالما إتهمناهم بعدم العزيمة وقلة الصبر وضعف الإجتهاد في مجال ما يدعمون به مسيرة الأغنية السودانية من تجديد والحصول على أعمالهم الخاصة التي تخرجهم من دائرة تكرار وإغتصاب إبداعات السابقين ، ومن ثم الحصول على شخصية فنية مستقلة ، لابد أن نعترف ومن باب إحقاق الحق وإعمال ميزان العدل في تصوير هذه الإشكالية التي تعانيها مسيرة التجديد الموسيقي والغنائي في السودان ، بأن جيل اليوم من الفنانين الشباب ، يعانون مشكلات حقيقية في مجال إنتاج أعمالهم الخاصة ، معظمها يتعلَّق بأسباب مادية ناتجة عن شُح الإستثمار في مجال الإنتاج الإبداعي على العموم ، إضافة إلى إرتفاع تكاليف الإنتاج وضعف الحالة العامة للتسويق وضيق دوائرها المُتاحة ، كما أنهم يُعانون أيضاً من تعدُّد وترهل وضعف المؤسسات التي تمثلِّهم على مستوى تحقيق المكاسب الفنية وتيسير الإمكانيات التقنية والحِرفية التي يتطلَّبها تأليف وتنفيذ العمل الموسيقي الجديد ، كل ذلك في ظل وزارة ثقافة تتبنى فكرة أن الوزارة غير معنية بتوفير المواعين والإمكانيات التي تدعم الحراك الثقافي والإبداعي وأنها أي الوزارة تبحث عن (شراكات) تساعدها في تمويل وتنفيذ مشاريعها الثقافية ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن ما إقترفته حكومة الإنقاذ في إتجاهاتها الفكرية الأولى المُتعلِّقة بموقفها من الفنون والموسيقى بالتحديد كان بمثابة الإسفين الذي طعن في خاصرة التجديد والتطوَّر الذي كان من الممكن أن تُحقَّقه الأغنية السودانية ، ففي البدايات حاربت الحكومة الإسلاموية وهي في أوج إعتدادها بالشعارات الرسالية التي إتضح في ما بعد أنها فضفاضة ومهرجانية كل أنواع الفنون بما فيها الموسيقى ، وطالت أياديها الفنانين في حرياتهم ومعاشهم حتى هاجروا إلى خارج البلاد فإنقطعوا عن تجاربهم ولم يستطيعوا تسليم الراية لأجيالٍ (مظلومة) كانت تعدُ نفسها لقيادة المرحلة ، عشرون عاماً من تاريخ مسيرة الأغنية السودانية ومسيرة العمل الموسيقي وعبر سيادة مبدأ التمكين (الثقافي) تم إختصارها وإختزالها في أربع فرق للإنشاد الديني وثلاثة من (مُطربي النظام السياسي) + ما يتم إنتاجه في برنامج ساحات الفداء ، ثم قامت حكومة المؤتمر الوطني بتتويج حربها الشعواء على الفنون والموسيقى بالتحديد ، بالإجتهاد المُثابر في تعيين غيرالمختصين على رأس المؤسسات الثقافية والإعلامية الحكومية وشبه الحكومية ، بالقدر الذي فتح مجالاً واسعاً لهجوم إنصاف المواهب وتربعهم على عرش القنوات والإذاعات ، وإنزواء أصحاب التجارب الجادة في بيوتهم يجترون أوجاع الظلم الإبداعي ومعهم هذا الوطن الذي حُرم على ما يبدو من كل جميل ، أصحاب الفن الحقيقي خصوصاً أولئك الذين ما زالت بين جوانحهم لمحات من الكبرياء وعزة النفس والكرامة للأسف لم ولن يكون لهم موطئ قدم في المشهد الثقافي والإبداعي الحاضر لأنه ببساطة يقوم على عدم الحياء والمحسوبية والشُللية الإنبطاح لكل ذو نفوذ في مؤسسات البث الإعلامي .. حتى الفن النبيل .. لك الله أيها الوطن.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست