تعود بنا الذاكرة لعام 1988م ونحن نستقبل فصل هذا الخريف جعله الله خريف خير وبركة وعم بنفعه البلاد والعباد ، حيث هطلت الأمطار بغزارة وإرتفع معدل النيل عن المتوقع وحصلت فيضانات فى السودان أكثر من فيضانات عام 1912و 1946 وإنهارت بعض القرى وغرقت المزارع ، وأعلنت الحكومة حالة الطوارىء وتدفقت الإغاثات من الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الخيرية . تلك الأحداث التى إنتهت بعدم وضع خطط مستقبلية وعدم عدالة توزيع الإغاثة التى وجد بعضها فى الأسواق سوى على نطاق رسمى أو فردى لم يستفاد منها للمستقبل وذلك بتدارك تكرار نفس الحدث ولدينا ولله الحمد الحلول التى تجعلنا نتجنب تلك الفيضانات والإغاثات وأن نعيش كرماء عفيفين .
تكرر المشهد عام بعد عام وخاصه فى عام 2012و 2014 ومازلنا ونحن فى عام 2016 ماذا أعددنا وبماذا تجهزنا ؟ مازال الوضع كما هو عليه .. القرى مبانيها من الطين وأراضيها طينية وبعضها يقع على مجارى المياة ولدينا أنهار أصبحت مثل قنوات الرى لم نستفيد منها مائيا ولا زراعيا ولا سياحيا إلا ما ندر. تلك السنوات التى مرت من عام 1988م حتى اليوم أى للأكثر من 28 عاما وهى كفيله بأن تعمر دولة كاملة ونغزو الفضاء الخارجى ونصبح فى مصاف الدول الكبرى ليس مبالغة حيث تتوفر عندنا كل خيرات الأرض والسماء ولله الحمد . لكن أن نعيش لحظة الحدث وننتظر الإغاثة من الغير والتى لا تليق بشيمنا وكرامتنا ووضعنا .
أصبحنا بلد إستقبال الإغاثات والمنظمات الإغاثية عند الفيضانات والسيول والحروب والفقر والمجاعة بعد أن كنا نغيث غيرنا . قوت أكثر الشعب ليس الأرز والقمح ولا اللحوم والفواكة وإنما هو الذرة الذى نزرعة مطريا او بالري وقد تبرعت أمريكا به لنا فى احد السنوات ( عيش ريجان) وقهوتنا ليست الكاكاو ولا الكبتشينو وإنما الشاى الكينى والبن الحبشي والمبانى ليس عمائر الأسمنت والزجاج وأنما من الطين وأعواد الاشجار التى تتوفر عندنا . ألأ نستحى .. لقد فشلنا فى كل المجالات ما عدا الفن الذى اصبح مقابل كل فنان مستمع ونجحنا فى المؤتمرات والنقاشات السياسية التى تنتهى بضياع الوقت والمال . عندما يسألك شخص عن جنسيتك وأنت خارج الوطن وتقول ( سودانى ) بكل فخر وعز تجده ينظر اليك بنظرة الجوع والفقر والإغاثة والحروب لقد مسحت كل الصفات الجميلة التى كانت تميزنا عن شعوب العالم من الأمانة والصدق والإخلاص والعلم والكرم والطيبة .
الى متى نظل ننتظر الإغاثة والى متى يظل شعبنا فى معسكرات النزوح والى متى يظل شباب الوطن أمام بوابات سفارات العالم للهجرة والى متى يظل التعليم عندنا مرتبط بالسياسة والى متى يظل مريضنا يتعالج فى الخارج او يعانى فى الداخل والى متى تظل أرضنا بور والى متى نتقاتل على كرسى السلطة والى متى يهبط جنيهنا والى متى يستمر الغلاء والمعاناة والى متى أنقطاع الكهرباء وإنعدام الدواء وندرة الغاز وشح الماء . أين أبناء الوطن الذين تعج بهم وسائل الاعلام العالمية بالتكريم والتفوق فى مجال العلم والطب والزراعة والاقتصاد والاختراع .
لماذا نتحاور كل سنة من أجل الإتفاق على وطن واحد وحكومة وطنية للأكثر من أحد عشر عاما بعد إنفصال الجنوب ونحن مختلفين سياسيا ووطنيا وقبليا وحزبيا . لماذا لا ننظم أنفسنا ونعلن الحكم المدنى بالانتخابات كل اربعة سنوات بدل الحكومات العسكرية الطويلة والتى تعقبها حكومة مدنية قصيرة . لقد أنتهك مجالنا الجوى وسرقت خيرات بلادنا وأدخلت لنا النفايات وتم شق صفنا الموحد بالقبلية والحزبية حتى أصبح المواطن يرى اخيه غريب عنه بعد أن كنا يدا واحد وبنيانا يشد بعضه البعض وكنا نتغنى بلا شمال بدون جنوب ولا جنوب بدون شمال .
الحل الوحيد الذى يعيد لنا وطننا و كرامتنا وعزتنا ومكانتنا حتى نغيث غيرنا هو الحكومة المدنية التى يتفق عليها الجميع بعيدا عن الحزبية والقبلية والتدخلات الخارجية ينتخب من كل ولاية شخصية تخاف الله ووطنية جادة ومخلصة لتشكيل حكومة إنتقالية لمدة أربعة سنوات حتى تعيد الأحزاب ترتيبها وتقتصر على ثلاثة احزاب فقط وفق لضوابط وشروط محددة أساسها الوطنية والإخلاص للوطن والمواطن . ويحفظ للمؤسسة العسكرية مكانها فى الدفاع عن الوطن والمواطن بعيدا عن التدخل السياسى .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة