|
لا مرحباً بمواسم الزحف ِ الحرام بقلم محمد رفعت الدومي
|
لا مرحباً بمواسم الزحف ِ الحرام
لا شك أنها الحقيقة التي لا تحتاج إلي الوقائعية للحكم علي امتلائها ، أن التعرض الآن للحدوس العميقة للمشهد السياسيِّ في مصر ، ومحاولة انتهاك ما في نيَّتِه من انعكاسات كبيرة علي المستقبل ، لا يمكن أن يكون صائباً دون تأكيد مسبَّق علي أن كل الفعاليات السياسية في الوقت الراهن هي استقلالٌ تام ومبيَّتٌ عن منطق الثورة ، والأهم والأشدّ خطراً في الوقت نفسه أنها استقلالٌ تام ومبيَّت عن منطق الدم الممتاز الذي كان وقودها ، ليصبح بعدها عرفاً دارجاً يخبِّئ كل صباح في ذاكرة المصريين ماض ٍقصير، حتي أن هناك غياباً ينتظر علي كل درب ، وحتي أن كلَّ درب يحمل علامة ألفةٍ لا تنسي ، ويواصل الدمُ امتلائه ، دون أن يعكس ظلاله علي طريق ثورة 25 يناير ، أو بمعني أكثر دقة ، انفعال المصريين الجماعيِّ في 25 يناير النابع مباشرة من شمال العقول ، والذي تمَّت مداهمتُه بشكل أخَّاذ كما في الأحلام ، وبرهافة بالغة !!
إنَّ ما حدث في 25 يناير ، بالرغم من جلال ما انتهي اليه ، محدودٌ حتي أنه لا يتَّسعُ لتعريف الثورة ، ربَّما لأنّه لم يكن ناجماً عن تصوّر ٍمسبَّق ٍ لانعكاسه علي مستقبل مصر إلي مدي بعيد ، وإلي مدي أبعد انعكاسه كونيَّاً علي مستقبل الديكتاتورية وتراث العشيرة الفاشل ..
لم يتمكن المنفعلون في 25 يناير من استغلال قوة اللحظة ، وهي لعمري أشدّ اللحظات قوة في تاريخ مصر ، من ادراك جسامة ما ارتكبوا من وردة طليعية ليتعهدوا ثباتها حتي تكتفي بذاتها وتتبني عطرها الخاص ، لذلك لم يكن غريباً أن تضمر ويلقي المباركيِّون بها في سلة الصفر!!
ما الذي جعلنا نسلكُ أكثر الطرق وعورة ؟
لا أعتقد أن هذا السؤال سؤالٌ متطلِّبٌ إلي هذا الحد ، فالاجابة مضيئة جداً ، وتفضح بما لا يدع مجالاً للشك تهافت الاخوان المسلمين وغبائهم في الوقت نفسه ، ربما لأنَّ القفز موجعٌ ومضللٌ أكثر من السقوط نفسه ، لقد كانوا هم ، وهم وحدهم ، تلك الخاصرة التي تسلل منها المباركيِّون وتجولوا بأحذيتهم في قدس الثوار الذين استطاعوا أن يحطِّموا ، مؤقتاً ، طغيان العسكر والقيود التي فرضها علي حرية المصريين غابة من الأعوام المختلة ، كما أيقظوا ، مؤقتاً أيضاً ، الحلم الكبير في قيام دولة الديمقراطية والحرية الشخصية بعيداً عن رقابة من يظنون أنهم يعرفون أكثر ، لذلك فمن حقهم أن يرتِّبوا ، كأننا القطيع ، صباحاتنا وفق مشيئاتهم الخاصة ، أو فالهراوات النشطة التي تربِّي أعماق المغردين خارج السرب المسنِّ ، والفاشل ، وذريعته الرديئة ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ) !!
أيُّ معركة ؟
لقد تداعي كلُّ شئ ، وهذا وحده كان كافياً لتبديد أي أمل ، أو فلنقل لمنعه أن يجد موطأً في النفوس ، لم يكن ِالشامتون ذوو الوجه الحوشية المهجورة التي كنا نظنُّها انزلقت في شرخ الأطلال ، فضلاً عن تعاليم الغربان السلطانية التي تسلَّقت ألسنة الفضائيات ، لم يكونوا بحاجة إلي نكاية اضافية فيصعدوا علي ركام التداعي علي أكتاف الذين ينتظرون دائماً المفاجئ والرابض في تجاعيد المجهول !!
ذلك القطيع العصبيُّ الذي يُحرِّض الشعور بالغربة ويقتل شخصية الانسان ..
لقد بدأت مواسم الزحف الحرام نحو عرش مصر ، وكلُّ النذر تؤدي إلي ملكوت مبارك ، والمباركيين الذين هم أكثر أعمال مبارك مدعاة لفخره علي الاطلاق !!
لم يبق لنا ، بعد أن انحسر الشرفُ حتي عن أنصع الأعناق شهرة ، سوي اللجوء إلي الايمان بالطابع المسكِّن لأحلام اليقظة ، لتفادي الضياع في أمواج الخوف الصاعدة ..
هل يظلُّ المصريون منفرجي الفحذين ، ويظلُّ العتقُ حملاً كاذباً ؟
هذا ما لا أعتقد ..
محمد رفعت الدومي
|
|
|
|
|
|