|
لا تدعوا مخرجـــاً لِ داعش
|
إنّ عمليات الإعدام بقطع الرؤوس المرعبة والمأساوية لمدنيين أمريكيين وبريطانيين أبرياء مؤلمة لحدّ لا يطاق، وبالأخصّ لعائلات الضحايا. وبصرف النظر عن القيام بأعظم المجهودات والمحاولات لإطلاق سراح أسرى تحتجزهم “داعش” بأية وسائل متاحة، لا يجوز عقد أية حلول وسط أو تسويات مع هذه المجموعة المتطرفة، حيث أنّ طبيعة تهديد “داعش” تتطلّب حملة عسكرية ساحقة لا تعرف الرحمة أو الشفقة لمحو أيّ أثر لهذه الحركة البشعة داخل وخارج مسرح الحرب.
ما دام تنظيم “داعش” موجوداً على قيد الحياة، سيستمر في ذبح أناس أبرياء وإعدام آلاف آخرين بالجملة. أتباع هذا التنظيم يمجّدون الموت فهم ينظرون للشهادة كتحقيقاً لإرسالية الله المقدسة الموكّلة إليهم على حدّ اعتقادهم.
تنظيم “داعش” حركة مدفوعة بالتعصب الديني التي ترفض أي نوع آخر من الإسلام وتتحدّى أية حدود أو قيود لتحقيق هدفها المنحرف في إقامة خلافة تضم العراق وسوريا والأردن وإسرائيل والضفة الغربية وغزة والكويت. ولذا فإنهم سيقاتلون لآخر رجل باسم الله لأنهم يرون أنفسهم بأنهم موسومين أو مخصّصين من الله لشنّ معاركهم ضد “الكفرة” وحتى ضد أولئك المسلمين اللذين لا يتماشون مع عقيدتهم الدينية الملتوية.
سيبقى تنظيم “داعش” دون رحمة ولا يهابون شيئاً يُقذف عليهم. هم مصممون على توسيع حكم إرهابهم الذي يعتقدون بأنهم من خلاله قادرون على تحقيق رسالتهم الإلهية للسيطرة على الدول العربية وجعل الإسلام في النهاية الدين العالمي الوحيد.
يجب ألاّ يقلّل أحد من استراتيجية “داعش” التي تتضمّن استخدام القوة الوحشية ونشر الإرهاب والرعب لتخويف معارضيهم، ولا يشعرون بأي ندم في استخدام المدنيين كدروع بشرية، مستخدمين حملة هائلة من العلاقات العامة لجذب مقاتلين أجانب ومتطوعين محليين وسريعين في التكيف مع أي ظرف.
يحكم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” الأقاليم التي يسيطر عليها بصفة دولة لها محاكم وقوات أمن داخلي وسجون ومؤسسات طبية وغيرها.إنهم يقدّمون خدمات اجتماعية وتعليمية ويلقنون الشباب تفسيرات متطرفة من القرآن.
نشطاء “داعش” انتقائيون في اختيار الآيات القرآنية لتبرير مذابحهم. ففي صورة البقرة (2)، الآية 190 يُطلب من المسلمين القتال بقوله تعالى “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم” ولكنهم يتجاهلون وبكل بساطة الجزء الثاني من الآية الذي يقول:”ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”.
لا يجوز ردع أو إضعاف هذه المجموعة فحسب، بل يجب سحقها. يجب عدم خوض المعركة ضد “داعش” تدريجياً أو بشكل تصاعدي، بل يجب أن تكون ساحقة من الأرض والجو والبحر، مجبرةً إياهم على الفرار وتمنعهم من إعادة حشد قواتهم للقتال في يوم آخر. “داعش” شبيه بمرض السرطان لأنه لو بقي منه آثار بسيطة سينمو بالتأكيد ثانية. ولهذه الأسباب، على الولايات المتحدة وحلفائها أن يكون لهم استراتيجية تسحق “داعش” وتكون مستعدة لقتال طويل ومتطاول. لقد ساهمت إدارة أوباما دون قصد بصعود “داعش” بتقاعسها عن فعل أي شيء تقريباً للمساعدة في وقف الحرب الأهلية في سوريا في وقتٍ مبكر.
كان من المفروض على الرئيس أوباما أن يلبّي نداء فريق الأمن القومي الذي اتخذ بالإجماع قبل أكثر من عامين قرارا ً لتزويد الثوار السوريين بجميع المساعدات اللازمة للتسريع بسقوط الأسد، وكان من المفروض عليه أيضاً أن ينفذ العهد الذي قطعه على نفسه بمعاقبة الأسد إذا هو تجاوز “الخط الأحمر” في استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.
على الرئيس أوباما أن يتفهم تماماً في هذه المرحلة مسئولية القوة الأمريكية وعدم الإستغناء عنها في التعامل مع الأزمات الدولية. وبالرّغم من أنه استبعد إرسال قوات مشاة أمريكية، عليه أن يبيّن الآن وبوضوح بأن هذا الخيار مطروح الآن على الطاولة. أضف إلى ذلك، عليه السعي وراء دعم واسع من الكونغرس بحزبيه الجمهوري والديمقراطي لكي يحمل رسالة هامة مفادها بأن الولايات المتحدة تقف متحدة وراءه ولن يوقفها أي شيء عن هزيمة “داعش”.
إن الإئتلاف الدولي الذي جمعته إدارة أوباما لقتال “داعش”، باستثناء بعض الدول الغربية، لم يرتقي لهذه المهمة بل هو واجهة فقط لإخفاء الحقيقة، فأغلبية هذه الدول لا تقدّم أكثر من ولاء كلامي كاذب لهذه الحملة العسكرية الغير مسبوقة التي لم ُيشاهد مثيل لها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
الإعتماد على القوات العراقية وتدريب 5.000 ثائر سوري (أو حتى عشرة أضعاف ذلك) لن يكفي. فمهما كانت القوة العسكرية الجوية لأمريكا وحلفائها الغربيين فعّالة ومرعبة، على الولايات المتحدة أن تبيّن بكل وضوح للدول العربية بأن هذه هي حربها وأنه لا يجوز لهم التهرب من مسئوليتهم وأن أمريكا مستعدة لتزويدهم بأي دعم هم بحاجة له.
وكما قال العديد من الخبراء العسكريين، لا يمكن ربح هذه الحرب من الجو فقط، والدول العربية، وبالأخصّ المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج لا تستطيع شراء خلاصها بالمال فقط. فعلاوة على القوات العراقية البرية وبعض الثوار السوريين، ينبغي على إدارة أوباما أن تضغط على المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج، ومع الأردن أيضاً، ويكون الجميع تحت قيادة مصرية لتحمّل هذه المسئولية وتنقل القتال للمناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”.
تعتبر المملكة العربية السعودية راعية الإسلام السني، وبسبب ذلك بالتحديد على الحكومة السعودية ألاّ تسمح بتشويه صورة الإسلام السني وتدنيسه بوحشية تنظيم “داعش”، وعليها أن تكون في الجبهة الأمامية لهذا القتال. لقد أبدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استعداده ومقدرته على سحق التطرّف الإسلامي واتخاذ إجراءات صارمة بحقه لأن محاربة تنظيم “داعش” بالنسبة لمصر أهم بكثير حتى من محاربة الإخوان المسلمين، فلدى مصر قوة عسكرية هائلة. وبصرف النظر عن مدى حساسية البيئة السياسية المحلية، فعلى مصر استلام زمام القيادة.
في هذا السياق ينبغي على الولايات المتحدة ألا تعطي تركيا فرصة للتهرّب بحجب الكشف علنأً عن سلوك الرئيس أردوغان العابث، والسماح للمتطوعين المسلمين من جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة بعبور الحدود التركية في طريقهم إلى سوريا للقتال جنباً إلى جنب مع تنظيم “داعش” ليس إلاّ تقليد ساخر.
ومما زاد الطين بلّة، تقف القوات التركية مكتوفة الأيدي في الوقت الذي تشنّ فيه “داعش” معركة مصيريّة ضد مدينة كوباني الكردية الواقعة على مرمى البصر من القوات التركية المتمركزة على طول الحدود مع سوريا.
على أردوغان أن يختار الآن على أي جانب يقف. فبدلاً من أن يهلوس حول إمكانية استعادة “مجد” الإمبراطورية العثمانية، عليه أن يدعم الحملة بالكامل ضد تنظيم “داعش” بتوفير المساعدة العسكرية ومواد أخرى.
يجب إبقاء إيران خارج الإئتلاف، فبالرّغم من أنّ القتال ضد “داعش” سيفيد إيران، فإن مكاسب إيران ستكون أقلّ بكثير إذا استثنيت.
لقد دعمت إيران وما زالت تدعم الرئيس السوري الأسد بالأسلحة والمال والمعدات والمدربين والمستشارين، وهي تموّل أيضاً إرهابيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. إن وجود قوات إيرانية في سوريا سترسّخ فقط موقف طهران في البلد وتشجع حزب الله وتضعف معنويّات الثوار المعتدلين وتعطي الأسد فترة أطول للحياة.
على الولايات المتحدة أن تتعلّم من دروس حروب العراق وأفغانستان المرّة التي شلّت للأسف الرئيس أوباما حيث أنه تعهّد ألاّ يورط أمريكا في حربٍ أخرى، وبالأخصّ في بلدٍ عربي. ونحن الآن ندفع الثمن لشلله.
وبالرغم من أن الرئيس أوباما كان مجبراً على التدخل أخيراً لقتال تنظيم “داعش”، فهو يعلم بأن الفوز في هذه الحرب سيكلف ثمناً باهظاً وسيرهق أمريكا. وهو يعلم أيضاً بأنه كلما طال أمد هذه الحرب، عظمت التكاليف والتضحيات وزادت صعوبة إيجاد حلّ لها. ولهذا السبب، على الولايات المتحدة وحلفائها أن يكونوا حازمين وأن يمطروا تنظيم “داعش” بنار جهنم بسرعة وبقوة نيران تفرّق وتشرذم تنظيم “داعش” في جميع الإتجاهات.
هذه قد تكون آخر فرصة لأوباما لتغيير الإنطباع الواسع النطاق بأنه ضعيف وغير حازم واستعادة صورة أمريكا كقائدة عالمية لا يُستغنى عنها لأن الولايات المتحدة هي القادرة فقط على قيادة المعركة ضد تنظيم “داعش” لنهاية ناجحة.
|
|
|
|
|
|