|
كلام النِسْوان في أحداث دولة جنوب السودان مصعب المشرّف
|
: خلال تسكُّعِي المتعمد بالعراقي والسروال والسفنجة في أسواق رفاعة وتمبول والعاصمة عند كل إجازة .. سمعت في سوق شعبي بالعاصمة الخرطوم إمرأة على أعتاب الستين تتبادل أطراف الحديث الوُدّي والثرثرة النسائية المعتادة مع أخرى تبدو أكبر سناً منها . فسألتها الأخرى ضمن الحوار سؤالاً تقليدياً عن حالها وأولادها وأبو أولادها . فردت عليها بأسى وحسرة قائلة: - ولدي الطاهر سفروهوا هجليج عشان حالة الطواري في الحدود مع الجنوب. فردت عليها الأخرى مندهشة: - هَـيْ سجمي ! ... اُوُ كُـرْ عليْ ... هو ولدك الطاهر كِِـبـر لا مِـنْ بقى لى جنس دا؟ ... والله ما شاء الله عيني باردة .... الوليدات بيكبروا بيناتنا سريع. ثم واصلت متأففة : - .. والله الجنوبيين ديل ذاتُم حيّرونا . وشكلهم كدي معلقين فينا سيك سيك ما بخليك . فرحنا بي غورتم في الأول . لكن المسعلة شكلها ما زي ما كنا قايلين .. أنا ذاتي خالي الأمين جابوا ليهو تعليمات يمشي يمسك نقطة طواري في الجنوب . وهديك مرتو وبناته خليتم باكيات شاكيات معزيات وينادن من يعزن معاهن. وهسع قلت أشيل لي صنفين خدار أمشي أطبخ ليهم ..... نسوي شنو عاد .. الله يلعن ألـــ .... ، ويلعــن ألـــ ..... ، ويلعن ألـــ .... ثم ما لبثت أن شاركتها الأولى بمقولة "يامين" تارة . والمساهمة بإضافة أنماط أخرى من الـدِعـاْ (بكسر الدال وسكون الألف) التقليدي المتداول . وفجأة حانت من الأخرى إنتباهة أعقبتها إلتفاتة مباغتة نحوي وقالت متضجرة: - هسع العريبي دا المُوقّـفـو من قبيل جنبنا شنو ؟ لا داير يشتري لا دايـر يغـور. فردت عليها الأولى ساخرة: - يشتري شنو سيد النبق دا كمان ؟ ماكي شايفه السفنجة والعراقي والحيب الفاضي؟ فتجاوبت معها ثالثة كانت تقف ليس ببعيد: - يا هو حال رجال الزمن دا .. الجيوب فاضية ومدلدلين الإيدين . وما عندهم غير الحوامة في الفاضي ، ورخَيان الأضان ، وغـزل الخِرفان ، والكلام الرهيف ؟ فكان أن سارعت بالإبتعاد ؛ تحاشياً لمزيد من نبيش الحال ، وخوفاً من أن يشملني الـدِعــاْ فأذهب شمار في مرقة ، أو أصبح في خبر كان. ........... والشاهد أنه وعلى المستوى الشعبي العام ؛ لا تجد أحداث دولة جنوب السودان في الشارع نفس الدرجة من الإهتمام والقلق الذي توليه الحكومة والوسائل الإعلامية .. وربما نجم ذلك من واقع أن الشعب بقطاعاته العريضة لا يرى في التأثير الأمني السالب جديداً أو إضافة لما هو جاري منذ إنفصال الجنوب .. فهي خربانة خربانة.... ولن تفعل قوات دولة جنوب السودان اليوم أكثر مما فعلته بالأمس في هجليج ... كما لن تزداد وتيرة الحراك المسلح للجبهة الثورية في الكــرّ والفــرّ مابين داخل أراضي دولة الجنوب وأراضي البلاد ؛ أكثر من ما تنشط فيه منذ زمان.... ويبقى الحال بينها وبين الحكومة دائماً بمستوى "أحلام زلوط" .... وبنتيجة "لم ينجح أحد". وكذلك لا يرى هذا الشعب في رسوم عبور بترول الجنوب أثراً إقتصادياً جوهرياً يُذكر على مجريات حياته اليومية ؛ ووتيرة "جهاده" الدائم للحصول على رغيف الخبز. ... لا بل نرى أن قطاعاات واسعةً من كافة شرائح المجتمع تتمنى في قرارة نفسها الآن لو أنه لم يتم إكتشاف البترول ولم يتم إستخراجه وتصديره أصلاً ........ لأنه وبكل بساطة قد ذهب إلى خزائن وحسابات أفـراد قلائل .... وصار سبباً في تدمير وسرقة مشروع الجزيرة وملحقاته من محالج ومصانع وسكك حديدية ؛ وما صاحبه من عفانات أفسدت حتى التقاوي ...... ونكوص البلاد عن إستغلال وتسويق ثرواتها الحقيقية المستدامة المتمثلة في المنتجات والمحاصيل الزراعية ؛ والأنعام (الإبل والبقر والغنم) ...... وحبذا لو أكثرت النساء من (الـــدِعَــا) عـل وعسى تنكشف الغُـمّـة وتذهب الضُلُـمّة.
|
|
|
|
|
|