|
كاليجولا عند ألبير كامو
|
إذا كان نجيب سرور قد منح دون كيخوت مفهوما مغايرا لما ساد عنه وهو يقول: هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة ؛ فإن البير كامو في مسرحيته التي تعد من روائع المسرح العالمي ؛ قد اختط لكاليجولا الرهيب معنى آخر بين أسطر التاريخ. حين تبدأ المسرحية بموت حبيبته وتنتهي بقتله لمن تحبه . قبل أن يتم اغتياله من نبلاء روما. إلا أن ألبير كامو قد حاد عن ما ساد عن جنون كاليجولا .. واستطاع ببراعة أن يحملنا على التعاطف معه ليس كدكتاتور دموي بل كمعذب لم يصل إلى الحقيقة المطلقة التي بحث عنها سدى وبلا جدوى حتى قادته آلامه إلى الرغبة في الوصول إلى الكمال الربوبي الذي لا يمكن فهم عدالته إلا من خلال ما يبدو لمرأى الجهلاء ظلما .. وللرحمة التي تختبئ خلف القسوة .. وللصراط الذي يجب أن يكون مقياسا لمعرفة الحق والباطل وتطابق الظاهر مع الباطن تطابقا لا تشوبه ذرة من النفاق أو التصنع والكذب. إن ألبير كامو يطرح لنا كاليجولا كحال الخليفة المأمون الذي حاول تحريك العقول الراكدة عبر السيف والقضايا الجدلية ؛ مسلطا جام غضبه على عبدة الإنكفاء داخل السائد دون تمحيص . إن كلا الرجلين (كاليجولا عند البير كامو ، والخليفة المأمون) استخدما السلطة لإعلان تمردهما على خمول الشعب العقلي والعاطفي فكانا يصرخان بألم ويتمسكان بمعركتهما الأخيرة حتى الرمق الأخير. انتصر الخليفة المأمون نصرا مؤقتا على خصوم الفكر .. أما كاليجولا فهو -وخلافا للمأمون- لم يستطع أن يطرح قضيته بشكل واضح .. ولم يستطع أن يجد ممن يتعاطفون معه سوى التفهم . أما المأمون فقد وقف معه فطاحلة التنوير من المثقفين والمفكرين ورغم ذلك فإن انتصاره لم يستطع أن يرثه بعد موته. وكأن النتيجة تبدو واحدة لدى الشخصيتين . ألبير كامو قلب التاريخ واستطاع أن يغافل المؤرخين الذين يتعاملون مع ظاهر الشواهد دون أن يمنحوها فرصة الإنقلاب على باطنها فتتعدد الإحتمالات . فقد تعامل ألبير كامو معها كلحن موسيقي يمكن أن يصنع العديد من الإنفعالات المتباينة ومن ثم يخضعنا للعبة التخيل لتصورات لا نهاية لها . فلماذا يلحم المؤرخون قضبانهم حول فوهة الحكايا والأساطير ويمنعونا من محاولة النظر إليها إلا عبر مظاهرها الأولية؟ إن التحليل الذي اتبعه ألبير كامو لم يكن تحيليلا نفسيا ؛ إنما كان تحليلا إنسانيا شاملا ، وتاريخيا. ويمكننا أن نلتمس له وجودا على الحاضر باعتبار أن نتائجه هي قانون عام في السيرورة البشرية . فلا يختلف إنطباقه بين زمان وآخر. وهكذا لم يعد كاليجولا جانيا مهووسا بل مجني عليه .. وليس هو من يستحق المحاكمة .. بل إنه هو من يملك الحق في محاكمة البشرية . أمل كردفاني 6أكتوبر-مصر السبت 12 أبريل 2014 الساعة 1:51 صباحا
|
|
|
|
|
|