|
قصة القشة الأسطورية التي أدت لمفاصلة رمضان 1999 وقصمت ظهر الحركة الاسلامية ؟ ثروت قاسم
|
قصة القشة الأسطورية التي أدت لمفاصلة رمضان 1999 وقصمت ظهر الحركة الاسلامية ؟ ثروت قاسم Facebook.com/tharwat.gasim [email protected]
1 - قوى الحراك الإصلاحي؟
كان من تداعيات انفصال جنوب السودان في يوليو 2011 ، أن قدمت مجموعة إصلاحية في الحركة الإسلامية أطلقت على نفسها ( سائحون ) ، ومعظمهم من الشباب و( المجاهدين ) ، ما عرف بمذكرة الألف عضو . إقترحت المذكرة بعض الإصلاحات الإدارية مع إستمرار الرئيس البشير رئيساً للمؤتمر الوطني والدولة .
بعد ( سائحون ) تشكلت مجموعة إصلاحية أخرى من داخل المجلس التشريعي القومي ، وقدمت مذكرة باسم الهيئة البرلمانية ؛ طالبت فيها بإصلاحات في الحزب والدولة .
ثم تشكلت مجموعة إصلاحية أخرى من أساتذة الجامعات ، وقدمت عدة مذكرات إصلاحية .
تجمعت هذه المجموعات الإصلاحية فيما يُسمى ( قوى الحراك الإصلاحي ) ، التي أرسلت في يوم السبت 28 سبتمبر 2013 رسالة مفتوحة للرئيس البشير بعنوان ( رسالة للرئيس البشير ) ، طالبت فيها بإلغاء الزيادات على أسعار المحروقات ، وأصلاحات هيكيلة في الحزب والدولة .
ظهرت الشخصيات المقدمة لهذه الرسالة المفتوحة ( الثالثة ) للعلن وكشفوا عن شخصياتهم ، لأول مرة . من الموقعين ال 46 على هذه الرسالة المكشوفة للرئيس البشير ، يمكن ذكر الدكتور غازي صلاح الدين ، والعميد ود إبراهيم و10 من زملائه الضباط المتقاعدين .
إنزعج نبلاء المؤتمر الوطني من تطاول قوى الحراك الإصلاحي على سلطة الحزب والدولة ، ونشرهم رسالتهم على الملأ بدلاً من داخل أوعية المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ، فكونوا لجنة تنظيمية لمحاسبة الموقعين ال 46 على الرسالة المفتوحة .
في يوم الأثنين 21 أكتوبر 2013 ، قررت لجنة المحاسبة تجميد عضوية الموقعين ال 46 على الرسالة المفتوحة ، إلى حين اكتمال إجراءات محاسبتهم. نست الحكومة وربما تناست الآية 38 في سورة الشورى :
( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ )
وكذلك الآية 159 في سورة آل عمران :
( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ )
وهذه الشورى يجب ألا تقتصر على الملأ من قوم الحكومة وحزبها وحركتها الإسلامية ، ، بل تشمل كل المعارضة المدنية والسياسية .
لم تقبل الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الشورى والمناصحة ، التي أمرهم بها سبحانه وتعالى في محكم تنزيله ، من أولاد المصارين البيض ، بل حاسبتهم حساباً عسيراً ، وأذلتهم وعاقبتهم بتجميد عضويتهم في الحزب . إذا كان الأمر كذلك مع أولاد المصارين البيض في أمر المناصحة والشورى لمصلحة وتقوية ودعم المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ، فكيف نتوقع من نبلاء الحكومة والمؤتمر الوطني أن يقبلوا بمائدة مستديرة كوديسية مع خصومهم وأعدائهم في المعارضة المدنية والحاملة السلاح ، الذين يهدفون إلى تفكيك المؤتمر الوطني والإطاحة بالحكومة .
هذا أمر دونه خرط القتاد ، أي أهون منه نزع لحاء شجر القتاد الممتلئ شوكاً باليد ؟ ثلاثة ملاحظات جديرة بالتدبر :
اولاً :
قفلت هذه المحاسبة باب المائدة المستديرة الكوديسية بالضبة والمفتاح ؛ ولم يبق لقوى المعارضة المدنية والحاملة السلاح من خيار لإقامة ( نظام جديد ) غير الأضرابات والمظاهرات والإعتصامات السلمية وصولاً إلى العصيان المدني والإننتفاضة الشعبية المليونية ، للإطاحة بالنظام .
ثانياً :
لم تنضم قوى الحراك الإصلاحي لحزب المؤتمر الشعبي ، ولم تكون حزباً مستقلاً عن المؤتمر الوطني ، كما لم تنضم لتحالف قوى الإجماع الوطني . ولم تشارك هذه القوى في أحتفالية حزب الأمة بثورة أكتوبر في دار حزب الأمة يوم الأثنين 21 أكتوبر 2013 .
تؤمن قوى الحراك الإصلاحي بأنها ( صاحبة بيت ) وإنها عائدة إلى بيتها وراجحة ؟
ثالثاً :
تضرب هذه المحاسبة ، وفي مقتل ، مبادرة لم الشمل بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي ، للتصدي للتحدي المصري المتمثل في مبدأ ( المعاملة بالمثل ) ، الذي أتخذه نظام السيسي منهاجاً للتعامل مع حكومة الخرطوم ، بعد نكبة جماعة الأخوان في مصر ( راجع مقالاتنا السابقة في هذا الموضوع ) .
في سياق مبادرة لم الشمل ، وفي مساء السبت 14 سبتمبر 2013 ، راى الناس الشيخ الترابي يسلم على الرئيس البشير بالأحضان ، ويدخلان في ونسة دقاقة طويلة ( رأس 4 عيون ) ، في سرادق عزاء المرحوم وزير مالية ولاية جنوب كردفان في الخرطوم .
ظن الناس ، وبعضه أثم ، أنها ونسة لها ما بعدها . وجاءت محاسبة قوى الحراك الإصلاحي لتقفل باب هذه الونسة ، بل ربما باب مبادرة لم الشمل نفسها ؟
في يوم الأحد 15 سبتمبر 2013 ، أكد الرئيس البشير أن عام 2014 سوف يشهد نهاية الصراعات المسلحة والتسوية السياسية الشاملة مع مكونات المعارضة المدنية والحاملة السلاح ، ربما لمواجهة فترة ما بعد مرسي والأنذار المصري ، في جبهة وطنية عريضة ومتحدة . ولكن جاءت موية قوى الحراك الإصلاحي لتكذب الغطاس ؟
رابعاً :
هناك عدة فروقات جوهرية بين محاسبة بعض منسوبي قوى الحراك الإصلاحي في أكتوبر 2013 ، ومفاصلة رمضان في ديسمبر 1999 . من أهم هذه الفروق إن الشيخ الترابي وصحبه كانوا وقتها ( 1999 ) داخل السلطة ، في حين أن دكتور غازي العتباني وصحبه خارج السلطة الآن ( 2013 ).
وهذا فرق قدر الضربة !
في هذه المناسبة ، نحكي في هذه المقالة تفاصيل قصة القشة الأسطورية التي أدت لمفاصلة رمضان 1999 وقصمت ظهر الحركة الاسلامية ؟
2- مفاصلة يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ؟ كان يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 يوماً مشهوداً في تاريخ السودان الحديث . ففي ذلك اليوم حدثت المفاصلة الشهيرة داخل الحركة الإسلامية السودانية ... تم إعلان حالة الطوارئ ، وحل المجلس التشريعي القومي ، وإزاحة الشيخ حسن الترابي وصحبه من حزب المؤتمر الوطني والحكومة ، وتم فيما بعد تكوين حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الشيخ الترابي كحزب معارض .
سنحاول في هذه المقالة كشف النقاب عن القشة الأسطورية التي أدت مباشرة لهذه الأحداث ، وسنترك للتاريخ تقييم تلك المرحلة فلها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
3 – الدولة العميقة .
في مقالة سابقة ، إستعرضنا الدولة العميقة ( المتخفية ) بقيادة الشيخ حسن الترابي وحوارييه ، التي كانت متحكمة من وراء ستار في كل مفاصل الدولة خلال العشرية الأولى من حكم الإنقاذ ... المفاصل التشريعية والقضائية والتنفيذية ( الحكومة ) . وضربنا لكم الأمثال بحكايتين تؤكدان وجود هذه الدولة العميقة وقوتها المطلقة .
في العشرية الأولى ، جاهد الشيخ الترابي في جعل السلطة صنوا للإسلام، الذى لا يقبل التداول أو التغيير أو النقد أوالمعارضة وفقا لولاية الفقيه ( الشيخ ) فى أسوأ الأحوال، أو ولاية الحركة الإسلامية فى أحسنها.
بمرور الوقت ، أحدثت هذه الهيمنة ( الترابية ) بعض التذمر المكبوت وسط قطاعات واسعة من قادة وكوادر وقواعد الحركة الأسلامية التي كانت في الحكومة التنفيذية ، ولكنها لم تكن من حواري الشيخ الترابي . وصلت أصوات أجراس هذا التذمر لأذني الرئيس البشير من مختلف القطاعات الفاعلة في الدولة ، وخاصة في القوات المسلحة كما ذكرنا في حكاية العميد طيار فيصل مدني مختار .
أنتظر الرئيس البشير فرصة مواتية لإحداث ثورة تصحيحية ، وإنهاء الثنائية القاتلة في قمة السلطة بينه وبين الشيخ الترابي ، والفتك بالدولة العميقة التي يقودها الشيخ .
لبنت هذه الفرصة في يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ، وقدمها الشيخ الترابي للرئيس البشير على صحن من ذهب ، فإهتبلها الرئيس البشير ، وواجه التحدي الكبير بقلب عازم ثابت متوكل ، وكانت الواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة .
دعنا نحكي قصة القشة الأسطورية التي قصمت ظهر الدولة العميقة وقذفت بالشيخ الترابي وحوارييه الى التوج البراني .
4- القشة الأسطورية ؟
نقل صديق مقرب من المرحوم عبدالعزيز شدو ( نائب الشيخ الترابي في المجلس التشريعي القومي وقت الحدث ) عنه ، الوقائع التالية بخصوص القشة الإسطورية التي قادت الى المفاصلة في يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ، ونختزلها أدناه للتاريخ خصوصاً ورواتها بين يدي جليل رحيم :
قال : خلال العشرية الأولى للإنقاذ ، طارت سكرة السلطة المطلقة في راس الشيخ الترابي وصار كالفرعون ( لا أريكم إلا ما أرى ) !
كانت عشرية الترابي عشرية الهوس الديني ، والجهاد ضد اخوة الوطن ؛ عشرية القرود والسحاب وعرس الشهيد ، ومحاربة الثقافة السودانية واستبدالها باخرى سلفية طالبانية ؛ كانت عشرية التجهيل العالي ، وإعادة صياغة المجتمع السوداني بمشروع ( حضاري ؟ ) وهمي ما أنزل الله به من سلطان ؟
كانت تلك أيام بئيسات ؟
ولكن ذلك موضوع أخر ، فلنرجع لموضوعنا .
في نوفمبر 1999 سعي الشيخ الترابي لتقليص سلطات الرئيس البشير أكثر ، بأن طبخ مشروع قانون لتمريره في المجلس التشريعي القومي يدعو لأنتخاب الولاة من الشعب مباشرة ، بدلاً من تعيينهم بواسطة الرئيس البشير .
رفض الرئيس البشير أقتراح الشيخ الترابي المدابر لبنود دستور 1998 رفضاً باتاً ، لأنه يقلل من قبضته السياسية والأمنية على الولايات ، وبالتالي على بلاد السودان . لم ينجح الرئيس البشير في إقناع الشيخ الترابي بصرف النظر عن إقتراحه المدمر لسلطات وإختصاصات الرئيس البشير كرئيس للجمهورية .
تدخل الوسطاء لدى الشيخ الترابي لسحب إقتراحه أرضاءاً للرئيس البشير ، ولكنه رفض في أباء وشمم ، وإستهجن تدخل الوسطاء .
في ذلك الوقت ، كان الأستاذ علي عثمان محمد طه الرجل الوحيد الذي أستطاع الكلام مع الشيخ الترابي ، في صراحة وبدون نفاق ، لتأمين ثورة الإنقاذ والحركة الإسلامية من أي تصدعات جراء الخلاف الذي صار مكشوفاً بين الشيخ والرئيس حول مشروع قانون أنتخاب الولاة .
ولكنه لم ينجح في تغيير موقف الشيخ المتعنت ؟
في يوم الخميس 9 ديسمبر 1999 ، قابل المرحوم شدو الشيخ الترابي في مكتبه في المجلس التشريعي القومي ، وكان المرحوم شدو وقتها نائب الترابي في رئاسة المجلس . قرأ المرحوم شدو على الشيخ الترابي فقرات من دستور 1998 ، وبالأخص صفحة 19 الخاصة ب ( إختصاصات رئيس الجمهورية ) ، وصفحة 55 الخاصة ب ( سلطات رئيس الجمهورية ) .
نصح المرحوم شدو الشيخ الترابي بأن الرئيس البشير له الحق الدستوري ، كرئيس جمهورية ، في تعيين الولاة ، بحسب دستور 1998 . وأن على الشيخ الترابي أن يعمل اولاً على تغيير دستور 1998 ، إذا أصر على إنتخاب الولاة بواسطة مواطني الولايات بدلاً من تعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية كما هو مُضمن في دستور 1998 ؟ قال المرحوم شدو للشيخ الترابي صراحة بان الرئيس البشير ، له مطلق الحق كرئيس للجمهورية ، وحسب منطوق دستور 1998 ، بأن يعلن حالة الطوارئ ، ويحل المجلس التشريعي القومي ، إذا أصر الشيخ الترابي على تمرير مشروع القانون في المجلس . ببساطة لان حل المجلس سوف يكون الحل الوحيد أمام الرئيس البشير لوقف تمرير قانون إنتخاب الولاة في المجلس ، وقبل أن يضع الشيخ الرئيس البشير أمام الأمر الواقع .
ختم المرحوم شدو مرافعته قائلاً :
ووقتها لن يكون أمامنا من مخرج ( المرحوم شدو والشيخ الترابي ) غير أن نلزم بيوتنا ؟ قاطع الشيخ الترابي المرحوم شدو بحدة ، صارخاً :
لن يستطيع !
في مساء نفس يوم الخميس 9 ديسمبر 1999 ، ذهب المرحوم شدو للشيخ الترابي في منزله في المنشية ، حاملاً دستور 1998 في يده ، وعلى الصفحات ذات العلاقة بموضوع سلطات وإختصاصات رئيس الجمهورية علامات لسهولة الرجوع إليها وهو في معية الشيخ .
فتح المرحوم شدو الموضوع مرة أخرى ، في محاولة لأقناع الشيخ بأن مصير المجلس التشريعي في خطر ، وبحسب نصوص الدستور . ذكر المرحوم شدو الشيخ بأن الرئيس البشير له الحق الدستوري في حل المجلس التشريعي ، ليمنع تمرير المجلس لمشروع قانون أنتخاب الولاة من الشعب بدلاً من تعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية . ببساطة لأن الشيخ قد وضع الرئيس البشير في الناصية ، ولن يستطيع الخروج منها إلا بحل المجلس . وإلا أصبح طرطوراً وليس رئيساً ؟
قبل أن يدخل المرحوم شدو في تفاصيل بنود الدستور المعنية ، قاطعه الشيخ قائلاً :
أعرف ، ولكنه لن يجرؤ !
رد المرحوم شدو :
يا شيخ حسن أنت عاوز مصير المجلس التشريعي يعتمدعلى :
هل ضابط عسكري يجرؤ أم لن يجرؤ ؟
بعد لقائه بالشيخ مساء الخميس 9 ديسمبر 1999 وفشله في إقناع الشيخ بتغيير موقفه المتعنت ، سافر المرحوم شدو الي مدني مساء نفس يوم الخميس ، وعاد للخرطوم صباح السبت 11 ديسمبر 1999 . ولا زال الشيخ على موقفه المتعنت المتصلب يوم السبت 11 ديسمبر 1999؟
في يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ، وقعت الواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة .
نزلت الدبابات في شوارع أم درمان وطوقت المجلس التشريعي وباقي الأماكن الحساسة في العاصمة المثلثة . حل الرئيس البشير المجلس التشريعي ، ولزم الشيخ الترابي منزله وكذلك المرحوم شدو ، كما تنبأ بذلك المرحوم شدو .
برهن الرئيس البشير بالبيان بالعمل على خطل كلمتي الشيخ الترابي للمرحوم شدو :
لن يجرؤ !
وبقية القصة معروفة للجميع !
وفي يوم الأحد 4 أغسطس 2013 ، وبعد مرور أكثر من 14 سنة على الحدث ، يبرئ الشيخ الترابي الرئيس البشير من أي مسؤولية في أحداث يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 التي قادت للمفاصلة الشهيرة ، ربما تمهيداً لمبادرة لم الشمل ، وربما فلتة لسان ؟
أعلاه قصة شاهد على الحدث وقد صار بين يدي ربه ، وما علينا إلا إحترام مقولاته وتحري الصدق فيها ، وإلا أصابنا أثم عظيم ، ذلك انه لا يستطيع أن يعلق عليها . نواصل ...
|
|
|
|
|
|