|
فضـائيون عراقيون وسودانيون بقلم عبدالله علقم
|
(كلام عابر)
أعلنت السلطات العراقية مؤخرا أنها قد وضعت حدا لواحدة من أكبر الممارسات الفاسدة المزمنة في المؤسسات العسكرية، حيث أوقفت صرف رواتب آلاف الأشخاص الذين كانوا يكلفون خزينة الدولة العراقية حوالي 50 مليون دولار شهريا، أي حوالي 600 مليون دولار سنويا. كانت هذه المبالغ تروح لأشخاص ليسوا من أفراد الجيش ولا الشرطة، مجرد أسماء مسجلة على كشوفات الرواتب، تجاوز عددهم خمسين ألفا، ويعرفون في الأوساط الشعبية العراقية باسم (الفضائيين)،كناية عن أنهم أشخاص غير موجودين في الخدمة،سواء كانت أسماؤهم حقيقية أم وهمية. نسبة 50% إلى 85% من راتب الفضائي الشهري ،وهو ألف دولار، يقبضه الضابط المسؤول، ويقبض الفضائي ما يتبقى من الراتب بعد هذا الخصم، أي 150 إلى 500 دولار أمريكي. في بعض الأحيان يذهب الراتب كله لجيب الضابط عندما يكون الفضائي مجرد اسم لشخص لا وجود له. عملية سرقة منظمة للمال العام تتم عبر شبكة واسعة من اللصوص لا تقتصر على الضابط المسؤول والفضائي، أحسنت الحكومة العراقية الجديدة صنعا حينما أزاحت عنها الغطاء في الأجهزة الإعلامية وأوقفت ضخ هذه الرواتب الضخمة. ربما كان هذا الفساد الذي نخر في عظم المؤسسة العسكرية هو الذي جعل الجيش العراقي صيدا سهلا لمقاتلي داعش،مع أن داعش هي الأقل عددا وعتادا. الفضائيون العراقيون يشكلون الجزء الظاهر للأعين من جبل جليد الفساد الذي ضرب العراق بقوة بعد الاجتياح الأمريكي في مارس 2003م، ومع ذلك، فإن توفر الإرادة السياسية لكشف الفساد والقضاء على مصادره بدلا من المغالطة غير الذكية وإنكار وجوده أصلا وحضانته والتستر عليه، هو أقصر الطرق لبداية التعافي من الأمراض المجتمعية والاقتصادية. الفضائيون العراقيون أنهكوا الدولة العراقية تماما رغم ما يدره النفط على خزانتها من عائدات يفترض أن تغير حياة المواطن العراقي إلى الأفضل، أو على الأقل تزيل حالة البؤس والفقر القاتل الذي يعيشه العراقيون. السودان خال بفضل الله من الفضائيين بنفس النموذج العراقي، لكنه لا يخلو من الفضائيين الذين يستنزفون المال العام بشكل أو بآخر جعل من خزينة الدولة مصدر إعاشة لكبار وصغار كوادر حزب المؤتمر الوطني الحاكم بعيدا عن سلطة أي جهة رقابية أو محاسبية.هناك كثيرون يتقاضون رواتب ومخصصات مالية كبيرة من الدولة بشكل مباشر،عبر كيانات فضائية مبتكرة متعددة. هناك أيضا من يتقاضون مخصصات أو مبالغ حكومية بأشكال غير مباشرة تتنوع وتتجدد من حين لآخر. رغم أن الفضائيين يعيشون بيننا في كل مكان ويأكلون الطعام ويمشون ويتبضعون في الأسواق، فلا أحد يعرف على وجه التحديد كم عددهم، وكم يمتصون شهريا من دم المواطن، وكم يكلفون خزينة الدولة. وعلى العموم الدولة مسؤولة أخلاقيا عن حماية المال العام بغض النظر عن أي فقه أو اعتبار آخر؛ وليتها دولتنا مثلما فعل العراقيون، وتبدأ بالجراحة الصعبة،استئصال الفضائيين، ووضعهم خارج الخدمة، فالله سبحانه وتعالى وحده كفيل بأن يرزقهم ويغنيهم بحلاله عن حرامه. (عبدالله علقم) mailto:[email protected]@yahoo.com
|
|
|
|
|
|