|
عبيـد العـجل بقلم / ماهر إبراهيم جعوان
|
لما أذن الله تعالى لبني إسرائيل بالتحرر من الظلم والطغيان والفساد والاضطهاد والعبودية والتبعية ليسيروا بطريق الحرية والعزة والكرامة وبناء الأوطان كانت بداية الطريق بهلاك النظام المصري عن بكره أبيه فهلك فرعون ووزرائه وكهنته وجنوده باليم ) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ( وكان ذلك مباشراً بعدما فقد ذراعه الاعلامي بإيمان السحرة بالله تعالى (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىand#1648; ) سقط النظام برأسه وذيله وكل أركانه قادة وجنودا (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) بعدما تملكوا البلاد والعباد عهودا طويلة وأزمنة مديدة تنادوا خلالها بالفساد والإفساد وما تأله فرعون وتجبره وأموال قارون وجواهر توت عنخ آمون التي سلبوها من البلاد إلا مظاهرا لهذا الإفساد والله وحده أسقط النظام بمعجزة (العصى) رأها الجميع بأعينهم ولمسوها بأيديهم ومروا بأرجلهم من بين فلق البحر(اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) وكان أحرى بهم أن يشكروا الله على هذه الآيات بالفهم الدقيق والإيمان العميق والحب الوثيق والعمل المتواصل والأخذ بأسباب النهوض والتقدم وتكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ، لبناء الحضارة وإقامة الدولة، ولكنهم تخاذلوا وجحدوا الانجاز والفضل الرباني وتخلوا عن زمام المبادرة ونكصوا على أعقابهم وعبدوا العجل (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ) ونهاهم نبي الله هارون عليه السلام عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي،وزجرهم أتم الزجر (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) فهددوه وكادوا أن يقتلوه وأبوا أشد الإباء واصروا واستكبروا استكبارا شديدا و(قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ) لم تحملهم أنفسهم الضعيفة الدنيئة التي استمرأت العبودية أن يتحملوا الحرية إلا قليلا اعتادوا الذل والصغار والعبودية فوجدوها في البعد عن منهج الله فوجدوهما في العجل اعتادوا النوم والكسل والراحة وعدم تحمل المسؤلية فوجدوها في العجل اعتادوا القتل والاجرام النهب والسرقة والزنا والفجور والانحلال والفساد والافساد وأكل الحقوق والرشوة والمحسوبية فوجدوها في العجل اعتادوا الخيال والأوهام والدجل والاساطير والكهانة وادعاء معرفة الغيب أرادوا أن يصنعوا فرعونا جديدا عوضا عن الهالك فوجدوه في العجل لم يعتادوا العمل والجد والاجتهاد والكرامة والأمانة والحرية والاستقلالية ففروا إلى العجل (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ)(وكان يهوديا فيه خبث ونفاق وتظاهر بالإيمان وقلبه على غير ذلك) أشار عليهم بعبادة العجل ليعودوا كما كانوا إلى حالهم الأول قبل أن يروا الآيات الربانية فأخذ ما كانوا استعاروه من ذهب فرعون ، فصاغ منه عجلاً وألقى فيه قبضة من التراب كان أخذها من أثر فرس جبريل، حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه. فلما ألقى التراب فيه خار كما يخور العجل الحقيقي، وكانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كمن تخور البقرة فيرقصون حوله ويفرحون وفي مواجهته مع موسى عليه السلام ظهرت الحقيقة للجميع (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) فقد رأي ونظر وشاهد وعاين وتمنى وحلم وأخذ قبضة من التراب وأخفاها وخبئها لوقت الحاجة وفكر وقدر ودبر وخطط وعبس وبسر وادبر واستكبر ، وكانت النتيجة والعقاب والمصير والمآل والخاتمة (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) وذكر موسى عليه السلام قومه بالله تعالى وأخذ الألواح التي ألقاها أرضا في عنفوان الغضب وقت المحنة عندما انتهكت حرمات الله فرقصوا وغنوا ومرحوا حول العجل (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) [email protected]
|
|
|
|
|
|