حينما تم أمس إبلاغ مكتب ولي ولي العهد السعودي أن الرئاسة السودانية تطلب سموه على الهاتف لم يكن نجل الملك يتوقع أكثر من عبارات الموازرة الدبلوماسية.. وكان ذلك ماقامت به وزارة الخارجية السودانية حينما شجبت حادثة الاعتداء على سفارة المملكة السعودية بطهران.. ازدادت ابتسامة الأمير محمد بن سلمان حينما أبلغته الخرطوم بطرد السفير الإيراني من مقرن النيلين.. ولربما كان السفير الإيراني بالخرطوم أكثر دهشة من الأمير السعودي. الخرطوم تعودت ألا تسوق مواقفها الدبلوماسية، بمعنى أن تتطوع من ذات نفسها لاتخاذ موقف دبلوماسي.. كان كلما اقترب منها الخليج بشبر هرولت نحوه بذراع.. حينما قررت السعودية خوض حرب اليمن كانت تبحث عن قوى إقليمية تناصرها لكسب حرب في تضاريس صعبة جداً.. لهذا السبب كانت الرياض مهبطاً لعدد من الروساء.. فكان أردوغان التركي على مائدة الملك.. وكان الرئيس السيسي على الأبواب ثم الرئيس السوداني وقبل ذلك كانت الاتصالات تجرى على قدم وساق مع باكستان.. حينما دنت ساعة الحرب وجدت المملكة السودان بجانبها. مؤخراً اعترف وزير الاستثمار المصري أشرف سلمان أن بلاده تلقت نحو ستة وعشرين مليار دولار من المساعدات الخليجية عقب الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي.. قبل أشهر قليلة تعهدت السعودية بمد مصر بالوقود عبر تسهيلات لمدة خمسة سنوات.. في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي عقد العام المنصرم تبرعت السعودية والإمارات والكويت بدعم الاقتصاد المصري باثنى عشر مليار دولار بواقع أربعة مليارات دولار لكل دولة.. جملة المساعدات السعودية لمصر خلال العام2014 وحده كانت حوالي ثمانية مليار دولار وفقاً لإحصاءات مصرية رسمية. رغم كل ذلك احتفظت القاهرة بمساحة من الرياض.. مصر تتحفظ على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في سوريا فيما تتحمس السعودية.. الرئيس السيسي تردد كثيراً في خوض حرب اليمن وفي خاطره تجربة الجيش المصري في جبال اليمن في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.. فيما كانت المملكة تدفع النفيس والغالي من أجل عودة الشرعية في اليمن.. رغم ذلك استثمرت القاهرة في مخاوف الخليجيين من وصول الإسلام السياسي للسلطة في مصر ومن ثم تصدير ثورة الإخوان للممالك الخليجية. ربما الكرم الحاتمي من مصر يبرر لنا تباطؤ الخليج في دعم الخرطوم.. باستثناء موافقة السعوديةعلي تمويل مشروعات طويلة الأجل في السودان بنحو مليار وسبعمائة مليون دولار تظل دول الخليج الأخرى باستثناء قطر في حالة ترقب وتردد.. الخلفية الإسلامية لحكومة الإنقاذ لن تمكنها من التمتع بخيرات الخليج إلا عبر تنازلات تتصل بالبنية العقائدية لتنظيم الحركة الإسلامية. في تقديري.. أن دبلوماسية انتهاز الفرص لن تمكن الحكومة السودانية من كسب قلوب دول الخليج.. على النقيض من ذلك مطلوب تسويق الدبلوماسية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.. التريث يكون أفضل في الأوقات الضبابية، موقفنا بطرد السفير الإيراني أحرج ابوظبي التي اكتفت بتقليص التمثيل الدبلوماسي مع إيران.. كان من الأجدى للخرطوم أن تلوّح بهذا الموقف المتشدد عبر الدعوة لاجتماع عاجل للجامعة العربية تدعو من خلاله لقطع العلاقة مع إيران.. ذاك الهدف لن يتحقق ولكن كان بوسع الخرطوم أن تأخذ الشكرة دون ئن تضطر لشراء تذكره باهظة الثمن. بصراحة.. تحتاج الدبلوماسية السودانية أن تكون واقعية.. غير ذلك يعني أن تتسول وفي يدك عملة ذهبية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة