(حالنا زي الموظف البشيل جرورة من الدكان) ، هذا تصريح للنائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بكري حسن صالح ، ومن ما يدعو للتفاؤل أن السيد النائب الأول أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ذاكرته المتعلِّقة بواقع الطبقات الإجتماعية في السودان على المستوى الإقتصادي والمعيشي لم تزل جيده كونهُ يعلم أن الموظفين ما زالوا هم بؤساء هذا الوطن ، لأنهم محدودي دخل وما يحوزون عليه من مال في شكل مرتبات وحوافز وبدلات أغلبها تدفعها الدولة التي نعلم جميعنا ما أصاب مواردها بسبب سوء التخطيط وعدم الكفاءة والفساد المالي والإداري ، لايمكنه (أيي الراتب الوظيفي) أن يواكب أو يُجاري ما يُحدث من زيادات في أسعار الضروريات اليومية والتي لا أنعتها بمصطلح جنونية لأن الجنون في نهاية الأمر له حدود أقلها ما يمكن أن تستوعبة طاقة المختل أو المجنون ، لكنها اصبحت (فلكية) ونووية في تسارع وتيرتها بالقدر الذي جعل أمر (الجرورة) والدين على (النوته) ضرباً من المستحيلات ، لماذ يا سيدي النائب ؟ لأن الذي يشتري بالجرورة لا بد أن يتوفر في النهاية على مال ليسدِّد به دينه ، ولما كانت عجلة الإحتياجات الضرورية وضآلة دخل المعذبين في الأرض تدفعهم دائماً للوقوع في حالة التعثر وعدم السداد مما يضطر صاحب المتجر إلى الإمتناع عن إقراضهم ، وقد حكى لي الكثيرين من هذه الفئة المغلوبة على أمرها أنهم طافوا داخل أحياءهم على كل الدكاكين القريبة والبعيدة وخسروها جميعاً (كمموِّل) لإحتياجاتهم وضرورياتهم المُلِّحة ، وأقسم لي أحد ظرفاء الموظفين أنه آخر الشهر وخصوصاً عند تأخر المرتبات لا يجد طريقة آمنه تكفيه شر الحرج غير البقاء في أيي مكان إلى وقت متأخر من الليل قبل الذهاب إلى منزله وذلك من أجل ضمان عدم تعرضه للحرج من صاحب الدكان أو الجزارة ، سيدي رئيس الوزراء لقد آن الأوان أن تعلموا أن (الجرورة) نفسها الآن أصبحت غير مُتاحة لكل الطبقات (المُندحرة) إقتصادياً في السودان ، فالتجار الآن ليسوا مُغفلين ليفتحوا دفاتر الإستدانة لمحدودي الدخل ومن تتأخر مرتباتهم أحياناً لشهرين وثلاثة ، ولك أن تعلم سيدي أن حالة االبطالة التي إستشرت بين الناس بدءاً بفئة الشباب ونهاية بمن هم في منتصف العمر ويمتلكون من الخبرات والطاقات ما يمكن أن يفيد أسرهم وأوطانهم ، قد إنتشروا في الساحات والشوارع والأسواق بلا دليل ولا أمل ، بعضهم ظل متمسكاً بمبادئه وقيَّمه وأخلاقه برحمةٍ من رب العالمين ، وبعضاً آخر جرفته موجة اليأس فأصبحوا يُشكِّلون الجانب المظلم من صورة المجتمع السوداني الذي صنعته ثورة الإنقاذ بأيديها وفكرها وأدواتها البائسة ، أنظر سيدي إلى ما تبثه الصحف وأجهزة الإعلام ووسائط النشر الإلكتروني عن مستوى الأخلاق والقيَّم والموروثات الإجتماعية الأصيلة ، عن علاقات الآباء والأمهات بأبنائهم وعلاقات الأخوان ببعضهم داخل الأسرة الصغيرة والممتده ، والجيران فيما بعضهم ، وعن إغتصاب الأطفال ، والقُصَّر العذراوات ، وعن البنايات الشاهقة والأموال الطائلة والسيارات الفارهة التي يقودها مجرد موظفون (كبار) في الدولة ، أنظر إلى أمر المخدرات وتطور وتنَّوع أشكالها وأساليب ترويجها وإمتدادات المستهدفين بها من شباب وشابات الثانويات والجامعات ، أنظر إلى إشارات المرور وقدِّر بنفسك كميات الأطفال المشردين جراء الحروبات في دارفور والنيل الأزرق وتفكك الأسر بسبب الفقر والفاقة ، وألقِ نظرة روية على المصابين بالأمراض الفتَّاكة كالسرطان والفشل الكلوي من عامة الناس وفقرائهم ، سيدي حينما يصبح أثرى الأثرياء في بلدٍ ما هم شريحة النافذين والقابضين على زمام السلطة وهم في الأصل أُجراء لدى الدولة ، عليكم ألا تستغربوا أن 90% من أبناء السودان يتعاملون (بالجرورة) - (إن كانت مُتاحة) لمواجهات ضرورياتهم اليومية العادية البسيطة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة