|
سينما جد فيلم " ألحقونا وظاهرة سرقة " الكلى "وفي السودان أيضا يسرقون ويفسدون بقلم:بدرالدين حسن علي
|
الإخراج : علي عبدالخالق قصة وسيناريو وحوار إبراهيم مسعود تصوير سعيد الشيمي موسيقى حسن أبوالسعود بطولة : نورالشريف ، عادل أدهم ، صلاح ذوالفقار ، فادية عبدالغني وحسين الشربيني جاء في الأخباروالصحف السيارة أن أسرة سودانية تفاجأت بأن مريضها المصاب بالفشل الكلوي والذي أجريت له عملية زراعة كلية تبرع بها شقيقه بإحدى المستشفيات الكبيرة بالخرطوم ، تفاجأت بعدم زراعة الكلية بالرغم من نقلها من الشقيق المتبرع.وحكايات أخرى زادت رأسي شيبا ! وأكدت المصادر وضع (الكلية) المتبرع بها فى (برطمان) مؤكدة تدخل السلطات المختصة فى القضية والتحفظ على البرطمان.يا ساتر ! القصة ذكرتني بفيلم شهير جدا في السينما المصرية بعنوان " ألحقونا " مستوحى عن قصة حقيقية حدثت في مصر حيث كانت الهيئة التأديبية بنقابة الأطباء المصريين قد أدانت 4 أطباء أجروا عملية نقل كلى من مصري لإمرأة سورية ، وقضت المحكمة في جلسة علنية بإسقاط عضوية أستاذ مسالك بولية وحرمانه من ممارسة الطب ، وأكدت الهيئة أن أستاذ المسالك البولية إتفق مع سائق مصري لا يجيد القراءة على أن يزوجه من سورية ، وتصبح العصمة بيدها دون أن يراها ليتمكن من نقل كليته إليها مقابل 12 ألف دولار للسائق والذي حصل على 3 آلاف دولار بعد العملية . مثل هذه الأخبار أصبحت عادية – خاصة في دولة الفساد والإسلام السياسي في السودان – نطالعها باستمرار على صفحات الحوادث والصحف اليومية والمواقع الإسفيرية ، ولكن الأخطر من هذه الحادثة " سرقة أعضاء البشر من الموتى والأحياء دون علمهم بقصد المتاجرة فيها وأشياء أخرى " أصبح الطب والأطباء أي كلام ،وأصبح المرضى يهربون إلى مصر والأردن وتعود جثامينهم في أكفان وتنسكب دموع المعزين و تنتشر الهتافات الهستيرية ، الملاحظ اليوم الإساءة لمهنة الطب بحثا عن المال والثراء الحرام ، و" أنا بالطبع لا أعمم " وغالبا ما يكون الضحايا من الفقراء والبسطاء – لهم الله ، أما " أبان كروش " فسيدخلون الجنة من أوسع أبوابها !!!! السينما في كل مكان تستمد موضوعاتها أحيانا من الأحداث الواقعية التي تدور في المجتمع ، والكاتب الجيد والمخرج الجيد هما من يحسنان إستغلال هذه الأحداث وإعطائها بعدا دراميا ضروريا لكي تؤثر على الجماهير مستمدة من ذاكرة هذه الجماهير قوة الموضوع الذي تعرضه والذي لا يحتاج لكثير من المهارة كي يقنع المشاهد بصدقه وصحته . في الفيلم نرى " قرشي " السائق البسيط يتبرع بدمه لرجل الأعمال الكبير "رأفت " فهو مصاب بفشل كلوي ، وتتكرر عملية نقل الدم مقابل تعيينه سائقا لسيارته ، وتجري عملية جراحية لقرشي ويدعي له الدكتور رشاد شريك رأفت أنها الزائدة الدودية ، ولكنه يستأصل كليته دون علمه ليستبدلها رأفت بكليته المريضة ، ويفاجأ قرشي بعد أن يشعر بالإرهاق بحقيقة العملية ، ويرفع قضية ضد رأفت الذي يساومه للتنازل عنها ولكنه يرفض ، يطالب المحكمة بإعادة كليته وإعدام رأفت ، فيخبره القاضي أن هذا إجراء غير قانوني فيثورمنهارا . . من الواضح أن الفيلم إعتمد على عدة حوادث نشرتها الصحف وتحدث عنها الرأي العام حول سرقة بعض الأعضاء البشرية من المرضى ، الذين يعالجهم أطباء فقدوا إنسانيتهم وتناسوا شرف مهنتهم ، وحاليا تلعب المواقع الإلكترونية دورا حيويا في كشف التلاعب بقضية هامة جدا : قضية صحة الإنسان وأمن المريض ، وقد تابعت الكثير جدا من القضايا المشابهة لقصة الفيلم في وقتنا الراهن وتبين لي الحالة المزرية التي وصل إليها الإنسان السوداني ووصل إليها الطب في السودان رغم المواقف النبيلة الشهمة لكثير من الأطباء الشرفاء ، ويبدو أنها إستثناء لقاعدة تقوم على الفسق والفجور والفساد والسلطة والجاه والمال !!!! الفيلم يروي قصة سرقة "كلية " شاب فقير يعتمد على نفسه كي يعيش ويساعد أسرته ، وما أكثر السرقات اللاإنسانية في هذا الزمن الرديء ، والأدهى والأمر أنه يتم إكتشاف الجريمة وتحفظ الكلية في " برطمان " يا لسخرية الأقدار !!!وبالطبع لا بد لردة فعل من قبل المريض لإسترداد حقه . هذه هي السينما اتي ظللت أنادي بها كل عمري " تعرية الفجرة " ، ومن الواضح أن الفيلم يلقي الضوء على مشكلة هامة ذات أسس أخلاقية ، ونتساءل أين ذهب ضمير هؤلاء الذين يفترض أن مهنتهم هي مساعدة المرضى والمصابين ؟ وماذا يحل بنا إذا انقلب هؤلاء إلى " جزارين " مع الإعتذار لجزار اللحمة وليس جزار سرقة الأعضاء البشرية ، وما هو المعيار الذي يحمينا و يدافع عن إنسانيتنا ، وإذا حل بنا هذا المصاب فما هي الحلول التي نجدها أمامنا ؟ وكيف نهدم سورا متينا من القسوة تدعمه المنافع والمصالح والأنانية القاتلة ؟ أين الرئيس ؟ ها ها ها !! السينما إذ تعالج هذه القضية و تعطيها بعدها الدرامي فإنها لا تفعل سوى تأدية الواجب الحقيقي للسينما الحقة ، وهي أن تكون مرآة صادقة لمشاكل المجتمع وقضاياه ، تعرضها بأمانة ووفق مفهوم أخلاقي إيجابي ، وكان هذا دوما دور جادالله وأنور هاشم وحوريه حاكم وحسين شريف وابراهيم شداد وهويدا والطيب المهدي وطلال عفيفي ووجدي وتغريد سنهوري وجيش من المبدعين ! إن الفن الحقيقي كما درسته وتعلمته هو الفن الذي يثير القضايا ويرفعها إلى درجة السخونة ، أما طرق حلها فذلك يحتاج إلى قنوات أخرى ، ربما لا تكون بالضرورة قنوات الفن !!! وما من شك أن المشكلة التي أثارها علي عبدالخالق في فيلمه الشجاع وأثارها عشرات الفنانين السودانيين الملتزمين مشكلة جديرة بالبحث ، ولكن تبقى الوسيلة والأسلوب الذي استخدمه في التعبير عن هذه المشكلة ، لقد أراد عبدالخالق أن يخلط بين جدية القضية التي يعالجها وبين أسلوب أفلام الحركة والكوميديا السوداء الساخرة ، ففي النصف الأول من الفيلم رأينا عرضا موضوعيا للشخصيات ولأحداث الفيلم ، وجعلنا المخرج نعايش مشكلة البطل وننفعل معها ، ولكن فجأة وعندما تقفل الأبواب في وجه الضحية المنكوبة ينقلب الفيلم إلى مجموعة من المطاردات والمواقف البعيدة عن المنطق ، تحول البطل إلى سوبرمان قادر على مواجهة جيش كامل من الشرطة ورجال البوليس ، ومن خلال مواقف تشويقية أبعدتنا عن صلب الموضوع ، وأخذتنا إلى إتجاه آخر معاكس تماما ، ولم تستطع نهاية الفيلم التي ينادي بها البطل المسروق عندما إستنجد برئيس بلاده أن تنقذ فيلم " ألحقونا " ، وفي الصرخة الداوية التي فجرها نورالشريف " ألحقونا " بدت كما وكأنها لزوم ما لا يلزم . وأنا أقول كان ينبغي على الفيلم أن يتحول إلى وثيقة إجتماعية فنية تكشف عن مواقع الخطر وتحذر منها ، فمتى يتاح للسينما السودانية تعرية الكثير من الشخصيات وتوعية الجمهور وكشف الكثير من الغرائب والعجائب ؟؟؟؟
|
|
|
|
|
|