|
سدُّ النهضة الإثيوبي ولغزُ السلفةِ المائيةِ السودانية لمصر بقلم د. سلمان محمد أحمد سلمان
|
05:46 AM November, 25 2017 سودانيز اون لاين سلمان محمد أحمد سلمان-واشنطن-الولايات المتحدة مكتبتى رابط مختصر 1 تعقّدتْ وتشابكتْ الخلافات حول سدِّ النهضة بين إثيوبيا والسودان من جهة، ومصر من الجهة الأخرى، بعد فشل الجولة السابعة عشر لاجتماعات اللجنة الفنية الثلاثية التي انعقدت في القاهرة في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر عام 2017. وفشلُ الاجتماعاتِ الثلاثية حول سد النهضة ليس جديداً. فقد فشلت وتوقّفت الاجتماعات الثلاثية من قبل عدّة مرات، خصوصاً في عام 2013، ثم تواصلت بعد أشهرٍ إثر تنازلاتٍ من الطرفين. لكنّ الجديد هذه المرة هو أن الأسباب الحقيقية للخلافات حول سد النهضة بين السودان ومصر قد برزت للعلن بعد أن قرّر كلٌ من الطرفين تحميل الطرف الآخر المسئولية، والإفصاح بما لديه من معلوماتٍ تؤكد سلامة موقفه. والجديد هذه المرة أيضاً أن التراشق بالكلمات بين الخرطوم والقاهرة تعدّى نزاع حلايب، وشمل مسألة اقتسام واستخدامات مياه النيل، والتي كان الطرفان منذ عام 1959 حليفين قويين فيها ضد بقية دول حوض النيل. وقد تجدّدت الخلافات حول سد النهضة هذه المرة رغم أن مصر والسودان وقّعا مع إثيوبيا على اتفاقية إعلان المبادئ حول سد النهضة في 23 مارس عام 2015، ووافقا صراحةً على قيام السد، وعلى "أهمية نهر النيل كمصدر للحياة ومصدر حيوي لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان." وقد اتفقت الأطراق الثلاثة في تلك الاتفاقية أيضاً على أن "الغرض من سد النهضة هو توليد الطاقة، المساهمة في التنمية الاقتصادية، الترويج للتعاون عبر الحدود والتكامل الاقتصادي من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة يعتمد عليها." وقد وقّع على تلك الاتفاقية رؤساء الدول الثلاث بأنفسهم – الرئيس السيسي، والرئيس البشير، ورئيس الوزراء هايلي ماريام ديسالين. وقد أكّدت الأطراف الثلاثة التزامها باتفاقية إعلان المبادئ في وثيقة الخرطوم التي وقّعها وزراء الخارجية، وكذلك وزراء الري والموارد المائية، الثلاثة في 28 ديسمبر عام 2015. 2 بدأ التراشق بين الخرطوم والقاهرة عندما ذكر وزير الخارجية السوداني الدكتور إبراهيم غندور في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" في 21 نوفمبر عام 2017 أن اعتراض مصر على قيام سد النهضة الاثيوبي مرده الى أن السد سيُمكِّن السودان من استخدام كافة حصته المائية الواردة في اتفاقية مياه النيل لعام 1959. وقال الدكتور غندور ان الحكومة حريصة على أخذ حصتها المائية كاملة والبالغة 18.5 مليار متر مكعب، بعدما كانت مصر تستفيد من سلفة مائية، مقدارها 1.5 مليار متر مكعب مضمنة في اتفاقية مياه النيل. وأشار الدكتور غندور إلى أن الخرطوم والقاهرة تواثقتا في اتفاقية 1959 على أن يكون ما تستهلكه مصر من حصة السودان دين عليها، وأضاف قائلا: (اﻵن ربما يتوقف الدائن عن إعطاء هذا الدين، ولكن المدين ﻻ يريد لهذا العطاء أن يتوقف). 3 وقبل أن يجف المداد عن تصريحات الدكتور غندور قام نظيره وزير الخارجية المصري السيد سامح شكري بالردِّ عليها في 22 نوفمبر عام 2017، ذاكراً ان السودان "يستخدم بالفعل كامل حصته من مياه النيل ومنذ فترة طويلة". وقال السيد شكري أنه في السابق لم يكن السودان قادراً على استهلاك كامل حصته من مياه النهر، وما كان يفيض من تلك الحصة كان يأتي الى مصر لأن "القدرة الاستيعابية المائية للسودان لم تكن مكتملة وبالتالي كان يفيض جزء من تلك الحصة إلى مصر دون إرادتها وبموافقة سودانية". وأضاف السيد شكري أن المياه التي كانت تأتي بشكلٍ زائدٍ من السودان كانت تشكّل خطرا على السد العالي نتيجة الزيادة غير المتوقعة في السعة التخزينية له، خاصةً في أوقات الفيضان المرتفع، ما كان يدفع مصر إلي تصريف تلك الكميات الزائدة في مجرى النهر أو في مفيض توشكى خلف السد دون جدوى". 4 سوف نقوم في هذا المقال بشرح السلفة المائية السودانية لمصر، وكذلك المياه التي فشل السودان في استخدامها من نصيبه من مياه النيل بموجب اتفاقية مياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان، والتي تعبر الحدود إلى مصر سنوياً. كما سنوضّح الفرق بين السلفة المائية لمصر، وبين كمية المياه التي فشل السودان في استخدامها والتي ظلّت تعبر الحدود إلى مصر منذ ستينيات القرت الماضي. كما سنوضّح أيضاً علاقة هاتين المسألتين (السلفة المائية، والمياه التي فشل السودان في استخدامها) بالخلافات حول سد النهضة، ونبيّن أن المياه التي فشل السودان في استخدامها، والتي تذهب كل عامٍ إلى مصر، هي في حقيقة الأمر السبب الأساسي والحقيقي لحالة الارتباك والتخبّط التي تعيشها مصر وتتعامل بمقتضاها مع سد النهضة. 5 شملت اتفاقية مياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان عدّة مواد أوضحت بجلاء سذاجة المفاوض السوداني. وقد فصّلنا نصوص كل تلك المواد في مقالات عدّة، وفي كتابنا "السودان ومياه النيل"، وناقشنا بإسهاب التنازلات الضخمة التي قدّمها المفاوض السوداني في سذاجةٍ تامة إلى المفاوض المصري. حدّدت الاتفاقية مجمل مياه النيل مقاسةً عند أسوان بـ 84 مليار متر مكعب. وبعد خصم التبخّر في بحيرة السد العالي البالغ عشرة مليار، وزّعت الاتفاقية الـ 74 مليار المتبقّية بين مصر التي نالت 55,5 مليار، والسودان الذي نال 18,5 مليار. وقد وافق السودان على خصم التبخّر من بحيرة السد العالي مناصفةً مع مصر رغم أن السد العالي مشروعٌ مصري بنته مصر لمصلحتها التامة، ورغم أن للسودان سدوده التي ستتبخر منها المياه وسوف يتحمل السودان هذا التبخر لوحده. وقد شملت الاتفاقية ملحقين، الأول خاص بالسلفة المائية من السودان لمصر، والثاني خاص بتفصيلات التعويضات عن إغراق مدينة وادي حلفا وقراها، والبالغة 15 مليون جنيه، والتي وافقت مصر على دفعها للسودان. ويقرأ الملحق الأول للاتفاقية الخاص بالسلفة المائية كالآتي: "توافق جمهورية السودان على مبدأ منح الجمهورية العربية المتحدة سلفة مائية من نصيب السودان في مياه السد العالي يمكن أن تواجه بها ضرورة المضي في برامجها المقررة للتوسع الزراعي. ويكون طلب الجمهورية العربية المتحدة لهذه السلفة بعد أن تراجع برامجها خلال خمس سنوات من تاريخ توقيع هذا الاتفاق فإذا أسفرت مراجعة الجمهورية العربية عن استمرار احتياجها إلى السلفة، فإن جمهورية السودان تمنحها سلفة لا تزيد عن مليار ونصف من نصيبها بحيث ينتهي استخدام هذه السلفة في نوفمبر سنة 1977." 6 هناك ملاحظتان رئيسيتان حول غرابة هذا النص: أولاً: لم يرد أمر السلفة المائية إطلاقاً في الاتفاقية نفسها، بل تمّ تضمينه في ملحقٍ للاتفاقية. وهذا أمرٌ غريب لأن الغرض من ملاحق الاتفاقيات هو شرح والتوسّع في أحد النصوص الرئيسية للاتفاقية، وليس إنشاء التزامات جديدة. وكمثالٍ لذلك فإن الملحق الثاني لاتفاقية مياه النيل حدّد المبلغ لكلٍ من الأقساط الأربعة لتعويضات السودان عن إغراق مدينة وادي حلفا وقراها، والتاريخ لدفع مصر لكل قسطٍ من هذه الأقساط للسودان. وكانت الفقرة السادسة من المادة الثانية من الاتفاقية نفسها قد أوضحت المبلغ الكلي لهذه التعويضات، وحددته بمبلغ 15 مليون جنيه. ثانياً: لم تحدّد الاتفاقية وقت سداد هذه السلفة المائية، ولا طريقة سدادها، ولم تتطرّق إلى ما سينشأ في حالة فشل مصر أو تأخرها في سداد هذه السلفة، أو أي جزءٍ منها. وهذا بالطبع وضعٌ غريب لأن الاتفاقيات يجب أن تتضمّن التزامات وحقوق الطرفين. وقد نتج عن هذا النص الخاصة بالسلفة المائية أن ارتفع نصيب مصر من مياه النيل إلى 57 مليار متر مكعب، بينما انخفض نصيب السودان إلى 17 مليار متر مكعب. تجدر الإشارة هنا إلى أن ملحق الاتفاقية شمل عبارة "سلفة مائية" خمس مرات. 7 غير أن مسألة وقت وطريقة سداد السلفة المائية السودانية لمصر أصبحت أمراً أكاديمياً بحتاً بعد وقتٍ قصير من توقيع اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان في شهر نوفمبر عام 1959. فقد بات واضحاً منذ بداية الستينيات أن السودان غير مستعدٍ بعد لاستخدام كل نصيبه من مياه النيل الذي وفّرته له اتفاقية مياه النيل والبالغ 18,5 مليار متر مكعب، وأن جزءاً كبيراً من نصيب السودان، في حقيقة الأمر، بدأ يعبر الحدود السودانية شمالاً إلى مصر بسبب فشل السودان في استخدامه. وقد ساد الصمت التام في الدولتين حول هذه المسألة. فالسودان لم يكن يريد أن يفصح عن فشله في استخدام نصيبه من مياه النيل والذي قدّم الكثير من التنازلات للوصول إليه. ومصر لم تكن تريد الحديث عن هذه الهدية القيمة، وإحراج حلفائها في وزارة الري في السودان، بل كانت تتمنى أن تصبح هذه الهدية دائمةً، وفي صمت. غير أن بعض خبراء نهر النيل بدأوا في بحث ودراسة مسألة فشل السودان في استخدام نصيبه من مياه النيل. فقد كتب البروفيسور روبرت كولينز في كتابه "نهر النيل" الذي صدر عام 2002 في صفحتي 213 – 214 الآتي: " إن الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه السودان، والتدهور الكبير الذي أصاب البنية التحتية للري جعلا السودان غير قادرٍ على استخدام نصيبه من مياه النيل. لقد ظلّ المسئولون السودانيون يراقبون من نوافذ مكاتبهم المظلّلة المطلّة على نهر النيل فى مبنى الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل، وكذلك مبنى وزارة الري في الخرطوم، بحسرةٍ وأسى هديتهم السنوية لمصر البالغة أربع مليارات متر مكعب من المياه. وما برِح السودان متردداً في الإفصاح عن عدم تمكّنه من استعمال نصيبه من مياه النيل، وهو أمرٌ مفهوم. أما المصريون فقد ظل موقفهم غامضاً مثل أبي الهول، سعيدين بالمساهمة الإضافية من السودان لبحيرة ناصر، مؤملين أن تجعل الظروف في السودان هذا الواقع دائماً، وهو ما لم تنجح فيه اتفاقية مياه النيل." 8 ورغم أن البروفيسور كولينز أشار عام 2002 إلى أن السودان قد فشل في استخدام أربع مليارات متر مكعب من نصيبه من مياه النيل والبالغ 18,5 مليار بمقتضى اتفاقية مياه النيل، إلا أن بعض المصادر، خصوصاً في المنظمات الدولية، بدأت تشير إلى أن الرقم أكبر من هذا. في تلك الأثناء ظلت وزارة الري السودانية تصدر البيانات التي كانت تؤكد أن السودان يستخدم كل نصيبه من مياه النيل. تغيّر هذا الوضع في عام 2011 عندما صرح وزير الري والموارد المائية وقتها، المهندس كمال علي "ان السودان لديه خطة شاملة لاستغلال كامل حصته من مياه النيل. قد نكون تأخرنا في استغلال كامل الحصة حيث يصل إجمالي ما يسحبه السودان من مياه النيل نحو 12 مليار متر مكعب. ونحن بصدد إقامة عددٍ من المشروعات لاستغلال كامل الحصة. وشدد على عدم تفريط السودان في أي مترٍ من حصته من مياه النيل." (انظر جريدة الصحافة، العدد 6487، الأربعاء 10 أغسطس عام 2011، صفحة 3.) 9 لم تُعلّقْ مصر في البداية على هذا التصريح. غير أن المنظمات الدولية المختصّة بالمياه قامت بتصحيح وتحديث أرقامها الخاصة بمياه النيل واستخداماتها. وقد تناقلت دول حوض النيل هذا التصريح باهتمامٍ كبير. ثم قرّرت مصر الردَّ على ذلك التصريح بعد أن كثر تداوله. بدأت مصر بالسخرية من ضعف إمكانيات السودان التخزينية، مذكّرةً أنها لا تتجاوز عشرة مليار متر مكعب مقابل 162 مليار تخزّنها مصر في السد العالي، وذكرت أن ذلك هو أحد الأسباب لانسياب مياه النيل التي فشل السودان في استخدامها إلى مصر. وفي استخفافٍ كبيرٍ بعقل القارئ ذكر بعض السياسيين والكُتّاب المصريين أن مياه النيل التي فشل السودان في استخدامها تشكّل في حقيقة الأمر خطراً على السد العالي نتيجة الزيادة غير المتوقعة في السعة التخزينية له، خاصةً في أوقات الفيضان المرتفع. وأضافوا أن ذلك الوضع دفع مصر إلي تصريف تلك الكميات الزائدة في مجرى النهر أو في مفيض توشكى خلف السد دون جدوى. وقد نسي أو تناسى أولئك الخبراء المصريون الضغوط التي تعرّض لها المفاوض السوداني ليعطي مصرَ سلفةً مائية لا تتجاوز مليار ونصف المليار متر مكعب من مياه النيل التي خٌصّصِت للسودان، بعد أن تنازل السودان عن مطالبته بـ 23 مليار متر مكعب، وقبل 18,5 مليار. ثم بدأ بعض القانونيين المصريين يجادلون أن كل المياه التي تدخل بحيرة السد العالي تصبح حقاً مكتسباً لمصر بمقتضى القانون الدولي للمياه. 10 وعندما نشرنا سلسلة مقالات عن تداعيات فشل السودان في استخدام نصيبه من مياه النيل، رد علينا الوزير السابق المهندس كمال علي. وقد ذكر في رده "أن الكمية التي لم يستغلها السودان من حصته لا تذهب لمصر وإنما حجزت في حوض السد العالي." (من أجل مقال الوزير السابق المهندس كمال علي انظر الربط https://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-26288.htm وقد سخر المصريون أنفسهم من ذلك الادعاء وأوضحوا أن بحيرة السد العالي قد امتلأت عام 1970 ولا مكان فيها لتخزين مياه السودان، وأن ما يأتي من المياه من السودان يُشكّل عبئاً على البحيرة، ويتم تصريفه إلى مفيض توشكى. ونضيف أن ما فشل السودان في استخدامه من مياه النيل خلال الخمس والخمسين عاماً الماضية (حوالي 350 مليار متر مكعب) أكثر من ضعف حجم بحيرة السد العالي التخزينية والبالغ 162 مليار. وإذا صدّقنا ادعاء الوزير السابق بحجز مياه السودان التي فشل في استخدامها في بحيرة السد العالي فأين يذهب الفائض عن إمكانية بحيرة السد العالي التخزينية؟ 11 أتى ذلك التصريح الهام والخاص بفشل السودان استخدام 6,5 مليار متر مكعب سنوياً من نصيبه من مياه النيل بعد أربعة أشهر من بدء إثيوبيا بناء سد النهضة على النيل الأزرق على بعد 20 كيلومتر من الحدود مع السودان في أبريل عام 2011. وقد اتفق معظم خبراء المياه، بما في ذلك الخبراء المصريين أنفسهم، على أن سد النهضة سوف يحقّق للسودان فوائد لا تقل عن فوائد السد العالي لمصر. فسد النهضة، مثله مثل السد العالي، سوف يوقف الفيضانات المدمّرة التي تحدث من عامٍ لآخر خصوصاً في ولاية النيل الأزرق في السودان. وسوف يحجز سد النهضة كمياتٍ كبيرة من الطمي الذي أفقد خزان الروصيرص وخزان سنار أكثر من نصف إمكانياتهما التخزينية للمياه، والتوليدية للكهرباء. لكن أكبر وأهم الفوائد هي أن سد النهضة سوف ينظّم انسياب النيل الأزرق طوال العام بدلاً من موسمية انسيابه الحالية والتي تجعل 75% من مياه النيل الأزرق تفيض خلال ثلاثة أشهر – من منتصف يونيو وحتى منتصف سبتمبر – بينما تنساب 25% فقط من مياه النيل الأزرق خلال الأشهر التسعة الباقية من السنة. وقد نجح السد العالي في تنظيم انسياب نهر النيل طوال العام في مصر، ونتج عن ذلك نجاح مصر في إقامة ثلاث دورات زراعية في العام، بينما ظل السودان يعتمد على دورةٍ زراعية واحدة في العام في أراضيه المرويّة من النيل بسبب موسمية انسياب النيل الأزرق. غير أن الوضع في السودان سوف يتغير حال اكتمال سد النهضة الذي سينظم انسياب النيل الأزرق طوال العام. وسوف تكون نتيجة انسياب النيل الأزرق طوال العام إمكانية تعدّد الدورات الزراعية في السودان وزيادتها من دورةٍ واحدة، كما هو الحال الآن، إلى ثلاث دورات كما هو الحال في مصر بعد قيام السد العالي. 12 إذا نجح السودان حال اكتمال سد النهضة في زيادة دوراته الزراعية المروية إلى ثلاث دورات (أو حتى دورتين) فإن هذا سوف يتطلّب مياهاً إضافية للسودان من نهر النيل. وهذا سوف يعني أن السودان سوف يتمكّن تدريجياً من استخدام نصيبه الكامل من مياه النيل والبالغ 18,5 مليار متر مكعب بمقتضى اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان. وهذا سوف يعني بدوره أن الـ 6,5 مليار التي فشل السودان في استخدامها منذ عام 1959، والتي تعبر الحدود إلى مصر كل عام، سوف يتم استخدامها في السودان في دوراته الزراعية الجديدة التي وفّرها له انتظام سريان النيل الأزرق بسبب قيام سد النهضة الإثيوبي، ولن تعبر هذه الكمية من المياه الحدود شمالاً إلى مصر كما فعلت خلال الخمسين عاماً الماضية. 13 من هنا حاء ويتواصل انزعاج مصر وارتباكها حيال سد النهضة، وذلك بسبب الفوائد الكبيرة التي ستعود للسودان، ويتوقّف بموجبها عبور 6,5 مليار متر مكعب سنوياً إلى مصر من نصيب السودان، ظلت مصر تتلقاها في غبطةٍ صامتة منذ ستينيات القرن الماضي. وهذا قد يفتح الباب بدوره واسعاً للسودان ليطالب مصر (إذا نجح في استخدام كافة نصيبه من مياه النيل والبالغ 18,5 مليار متر مكعب) بأن تعيد للسودان السلفة المائية التي أخذتها بمقتضى اتفاقية مياه النيل لعام 1959، والبالغة قرابة الثلاثين مليار متر مكعب. إذن لا غرابة في حالة الارتباك والتخبّط والإحباط تجاه سد النهضة الإثيوبي التي تسود الأوساط السياسية والفنية المعنية بمياه النيل في مصر. 14 هذه التشابكات والتعقيدات الغريبة، وأجندة دول النيل ومصالحها الخفية والمتضاربة، ومحاولات الهيمنة على النهر، وسيادة المشاريع الأحادية، مردها انعدام أبسط مقومات التعاون بين دول حوض النيل. وفي مثل هذه الأحوال فإنه لا بُدّ من التأكيد والتذكير أن التعاون الجاد وبحسن نية بين دول الحوض هو المكّون الوحيد والأساسي للإدارة الرشيدة والمشاركة العادلة والحماية الضرورية لأي نهرٍ مشتركٍ، خصوصاً نهر النيل. وهو الطريق الوحيد للخروج بشعوب النيل، والذين يزيد عدد من يعيشون على ضفافه على مائتي وخمسن مليون نسمة، من الجوع والعطش والظلام والفقر الذي يحاصرهم، ويزداد يوماً بعد يوم.
[email protected] http://http://www.salmanmasalman.comwww.salmanmasalman.com
|
|
|
|
|
|