|
زكية شموط .. رائدة النضال الفلسطيني بقلم : عادل أبو هاشم
|
برحيل رائدة النضال الفلسطيني المناضلة زكية شموط " أم مسعود " تكون
صفحة من أطهر وأسمى صفحات نضال المرأة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني قد انطوت .
وجاء رحيل " أم مسعود " ليلقي مزيداً من الضوء على دور المرأة الفلسطينية في مواجهة العدو على مدار قرن من الزمان .
فقد وقفت المرأة الفلسطينية مائة عام وهي شامخة كحد السيف صامدة في وجه الظلم والقهر والتعنت .
مائة عام وهي تتجرع الألم والمهانة لكنها أبدًا ما كلت برسالتها النضالية .
تعرضت للذل وللاعتداءات الجسدية داخل سجون التعذيب الإسرائيلية ، ولكنها أبدًا لم ترضخ ولم تستكين من أجل أن تشرق شمس الحرية على أرض وطننا الحبيب .
مائة عام وهي تستصرخ الكرامة العربية ، وتناشد "معتصم هذا الزمان" أن يثأر لكرامتها، لتكتشف أن "المعتصم الجديد" لا هم له سوى الشرب في نخب الشهداء ، والوقوف حدادًا وخطابة في مآثر وبطولات الشهداء ..!!
وأن "السكون" الذي يتميز به العرب ما هو إلا الحل الوحيد لتفريغ الآذان من المقولات التي لم تتوقف عن الدوي كالطبول الفارغة منذ عشرات السنين..!!
فكان لابد من الاغتسال من أدران الزمن الصوتي الممتلئ بالادعاء والورم والوهم والانتفاخ..!!
من أجل فلسطين جادت بالزوج والابن والحبيب ثم ضحت بالروح !.
إنهن نساء فلسطين اللاتي جسدن بارواحهن الطاهرة ودمائهن الزكية نضال وجهاد المرأة الفلسطينية في التاريخ بحروف من نور ، وأعدن للأذهان دور المرأة المميز في مقاومة المحتل .
لقد احتلت المرأة الفلسطينية مكانـًا بارزًا ومميزًا في النضال الوطني بكافة أشكاله ، وبدأ نشاطها في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين ، فشكلت مجموعة من النساء لجان إسعاف ، ولجانـًا لجمع التبرعات للوفود الفلسطينية التي كانت ترسلها الهيئات القومية آنذاك للدفاع عن الوطن ومواجهة الخطر الناجم عن وعد بلفور عام 1917م ، وكانت ( ثورة البراق ) عام 1929م نقطة تحول وبداية عهد جديد ، وذات أثر عميق في حياة المرأة الفلسطينية التي وجدت نفسها أمام المسؤولية الملقاة على عاتقها ، فقد اعتقلت سلطات الانتداب البريطاني المئات من الرجال ، وهدمت المئات من البيوت ، ويتمت الآلاف من الأطفال الذين أصبحوا بلا معيل ، ولم تستطع المرأة الفلسطينية أن تقف مكتوفة الأيدي وأن تظل صامتة أمام الظلم الفادح الذي حل بأبناء شعبها الفلسطيني ، فقامت ولأول مرة في تاريخ فلسطين بعقد مؤتمر نسائي في مدينة القدس بتاريخ 26 أكتوبر عام 1929م حضرته ثلاثمائة إمراة فلسطينية من القدس ويافا وحيفا وعكا وصفد ونابلس ورام الله و جنين وغيرها ، فكان هذا المؤتمر بؤرة الحركة النسائية في فلسطين، حيث الهدف منه تنظيم الحركة النسائية في فلسطين للعمل على إنقاذ الوطن ومساعدة العائلات المنكوبة ، وكان هذا المؤتمر نقطة تحول للمرأة الفلسطينية في النضال من أجل تحرير الوطن ، حيث تم تشكيل وفد من 14 سيدة لمقابلة المندوب السامي البريطاني لإلغاء وعد بلفور .
وفي الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م إثر الإضراب العام الذي شمل جميع مدن وقرى فلسطين، عقدت 600 طالبة فلسطينية اجتماعـًا هامـًا في 4 مايو "أيار" قررن فيه الاستمرار في الإضراب حتى تستجيب سلطات الانتداب البريطاني لمطالب الشعب الفلسطيني، كما قررن اتخاذ الوسائل الضرورية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والأجنبية ، وأرسلت لجنة السيدات العربيات في القدس كتابـًا إلى مؤتمر السلم العالمي في بروكسل في 3 أيلول "سبتمبر" 1936م طالبن فيه بوقف الهجرة اليهودية وإقامة حكومة وطنية في فلسطين .
لقد أسهمت المرأة الفلسطينية في جمع الأموال لعائلات الشهداء وعائلات الثوار التي خرج أبناؤها للجبال للاشتراك في الثورة على الاحتلال البريطاني ، وشاركت في نقل الطعام والماء والسلاح إلى الثوار في الجبال بالإضافة إلى تزويدهم بالضمادات والأدوية لإسعاف الجرحى ، وقد جاهدت بعض النساء جنبـًا إلى جنب مع الرجال في المعارك، وفي خضم مشاركتها بالكفاح المسلح من أجل التحرير ومقاومة الاحتلال البريطاني لفلسطين قدمت أولي الشهيدات في عام 1936م . كانت المرأة الفلسطينية تودع الثوار بالزغاريد لتلهب حماسهم وتحثهم على التضحية والاستماتة في الدفاع عن الوطن ، وحين يعود الثوار وهم يحملون الشهداء تستقبلهم بالزغاريد لتعلن اعتزازها وفخرها بأبنائها .
لم تخف المرأة الفلسطينية ولم تجبن، ولم تتردد في التضحية من أجل الوطن ، فقدمت مالها وحليها من أجل شراء السلاح للدفاع عن الوطن، وكانت بعض النسوة يشترطن أن يكون مهرها بندقية .
وبعد نكبة عام 1948م ضاعفت المرأة الفلسطينية جهودها لتخفيف آلام العائلات الفلسطينية المنكوبة التي أضطرت بسبب الإرهاب الصهيوني إلى الرحيل عن مدنها وقراها ، ففقدت رزقها وأصبحت بلا مأوى ، فأسهمت الهيئات النسائية في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية لأبناء اللاجئين الفلسطينيين بالإضافة إلى افتتاح مراكز لمحو الأمية وتعليم مبادئ الخياطة والتفصيل وحياكة الصوف والاقتصاد المنزلي .
ومع أتساع نطاق مشاركتها في النضال الوطني وتعاظم فعاليتها ، ازداد حجم تضحياتها وهي بذلك أثبتت قدرتها علي التفاعل مع مسيرة الشعب الفلسطيني النضالية مما أكسبها مكانه مميزة في تاريخ نضال المرأة العربية والعالمية في النضال ضد الاستعمار والاحتلال والاضطهاد .
وفي زمن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م وصلت المرأة الفلسطينية إلى درجة من النضج الفكري والوعي السياسي أدت إلى إدراكها لأهمية النضال من أجل الوطن ، وبروز صورة المرأة الفلسطينية القوية الشجاعة ، الذكية الواعية ، الموْمنة بعدالة قضيتها وبحتمية انتصار شعبها في استرداد حقوقه المغتصبة ، فنشطت الحركة النسائية وتشكلت في بعض المدن مثل نابلس ورام الله لجان من النساء لإغاثة المتضررين .
لقد تعاظم كفاح المرأة الفلسطينية ، وأصبح تحرير فلسطين هاجس جميع فئات الشعب ، فحملت المرأة السلاح لتدافع عن وطنها ، واشتركت في الكفاح المسلح ضد الاحتلال رغم علمها أن ذلك قد يسبب في هدم منزلها وتشتيت عائلتها وتعرض أفرادها للتعذيب ، بالإضافة إلى تعرضها للسجن مما يؤدي إلى حرمانها من رعاية أطفالها ، ولم تستطع أن تتصف بالسلبية واللامبالاة إزاء ما يجرى حولها ، فقد شعرت أن الاحتلال يهدد كيان شعبها ووجوده علي أرضة لذلك ناضلت لأجل تحرير وطنها من الاحتلال .
وقد أصيبت بعض النساء أثناء قيامهن بعمليات المقاومة فمنهن من فقدت عينـًا أو يدًا أو كلتيهما ، ومنهن من أصيبت إصابات بليغة بشظايا المواد المتفجرة ، ومنهن من استشهدت أثناء تنفيذ العملية أو الإعداد لها .
وتحملت المرأة الفلسطينية صنوف العذاب في المعتقلات الإسرائيلية من أجل نيل الحرية والاستقلال .
وفي زمن الانتفاضة الشعبية المباركة الأولى والتي اندلعت في التاسع من ديسمبر 1987م أصبح لدى المرأة الفلسطينية قناعة ذاتية بدورها النضالي وبضرورة ممارسته بكل ثقة ووعي ودون خوف ، حيث اتسع نشاطها العسكري والسياسي والاجتماعي .
إن العصر الذهبي للمرآة الفلسطينية كان عام 1987م حيت لعبت المرآة الفلسطينية دورًا شعبيـًا- نضاليـًا ضد الاحتلال ودورًا بارزًا في مقاطعة البضائع الأجنبية والإسرائيلية ، كما إنها استطاعت انتزاع الأسرى من بين أيدي الجيش الصهيوني ، كما ساهمت في التعليم الشعبي عندما أغلقت المدارس لعدة أيام بل شهور .
لقد أحدثت الانتفاضة تأثيرًا بالغـًا على صعيد تكوين الشخصية النسائية الفلسطينية ، فكان للمرأة المشاركة الفعالة على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والسياسية والنضالية ، وقدمت العديد من التضحيات في سبيل الحفاظ على هويتها الوطنية ، وقد اختفت المعوقات التي تعيق المرأة عن العمل السياسي .
لقد ظهرت المرأة الفلسطينية كأنها الجدار الواقي لصد رياح الاحتلال، ودفعت الانتفاضة بالمرأة في الأراضي المحتلة للصفوف الأولى ، فمنذ اللحظة التي خرج فيها الأطفال والشبان إلى الشوارع يرجمون جنود الاحتلال لحقت بهم النساء يلقين الحجارة علي القوات الإسرائيلية بحقد مزدوج ، وأحيانا تجاوز حقدهن ثنائيته ، فهن يرجمن الاحتلال وما يمثله عندما يرجمن جنود الاحتلال بحجارتهن ويدفعن رصاص الصهاينة الموجة إلى صدور الصبية والمتظاهرين أو يدافعن عن أخ أو أب أو زوج في زنازين الاحتلال ومعتقلاته وكان أداؤهن مذهلا باستمرار .
كثيرات من النساء ممن قمن علي درجة كبيرة من الأهمية ، فمنهن من يساندن القوات الضاربة ويخلصن الشباب من بين أنياب الجنود ، وأخريات يواجهن النقص في المواد الغذائية الناتج عن الإضرابات وحظر التجوال ، والقيام بمساعدة عائلات الشهداء والجرحى ونقل المياه لإطفاء القنابل المسيلة للدموع التي يطلقها جنود الاحتلال ، ونقل الحجارة والزجاجات الفارغة إلى الشبان في المواقع الأمامية أي من هم في حالة مواجهة مع جنود الاحتلال .
وشاركت المرأة في المهمات الأكثر خطورة مما يتجاوز وظائف ومهمات المرأة التقليدية مثل اختراق حظر التجوال والحصار العسكري المفروض علي منطقة معينة ، والخروج في المسيرات والمظاهرات ، وتنظيم الإعتصامات وتشكيل اللجان التي تنبع من طبيعة المهمات النضالية مثل لجان العمل النسائي ولجان الدفاع عن الأسرى والمعتقلين ولجان تقديم المساعدات للأسر المنكوبة المتضررة من سياسات الاحتلال وغيرها .
وفي مرحلة طعن جنود الاحتلال والمستوطنين بالسكاكين كان للمرأة الفلسطينية دور بارز في هذه المرحلة ، فعشرات من هذه العمليات قامت بها نساء وفتيات.
لقد دفعت المرأة الفلسطينية ضريبة الدم التي دفعها الشعب الفلسطيني ، وتعرضت لما يزيد على سبعة آلاف حالة إجهاض في زمن الانتفاضة بسبب استنشاقهم للغاز السام الذي يطلقه جنود الاحتلال الإسرائيلي ضد شباب الانتفاضة و في المنازل الآمنة .
ومع بدء الانتفاضة الثانية " إنتفاضة الأقصى " في 28 / 9 / 2000 م ، ونتيجة لقصور في الرؤيا لدى الفريق الذي راهن على اتفاق أوسلو وما ترتب من سلبيات على هذا الرهان وهذا النهج الاستسلامي ، بدأ التوجه من قبل المرآة الفلسطينية ميدانيا بدعم " خيار المقاومة " ، فالاحتلال ما زال جاثمـًا ، وأن النضال الوطني وتحرر المرآة يجب إن يتم برفقة الرجل وجنبـًا إلى جنب والذي حتى اللحظة يفتقر إلى الدعم المادي والمعنوي وتمارس علية الضغوط وسياسة الإبعاد عن موقع القرار الفلسطيني .
لقد جاءت انتفاضة الأقصى لتضيف المرأة الفلسطينية سفرًا جديدًا إلى سجلها الخالد من خلال تصديها البطولي لقوات الاحتلال جنبـًا إلى جنب مع الرجل مضحية بالزوج والولد والروح فداءً للوطن وحريته وكرامته .
لقد قدمت المرأة الفلسطينية حتى اليوم أكثر من " 500 " شهيدة ، فيما اعتقلت قوات الاحتلال الأسرائيلي" 15 " ألف امرأة منذ العام 1967م بينهن " 900 "امرأة خلال انتفاضة الأقصى .
عشرات النساء الفلسطينيات اللواتي تحكي كل واحدة منهن حكايات وملاحم بطولية وبتضحيات لا مثيل لها في تاريخ المرأة .
الراحلة العظيمة " أم مسعود " :
كم كنت عظيمة كما كانت جميع نساء فلسطين ، وكم زرعت الأمل في نفوس القاعدين الخاملين ، ومن كلماتك رسمت خيوط الانتصار والهمم العالية التي تعبد الطريق له .
نحن بحاجة إلى مدرستك لنتعلم منها دروس التضحية والثبات وقوة الإيمان ونستخلص منها العبر بان الآجال مقدرة من عند الله وأن الفوز بالشهادة هو الانتصار الحقيقي والمنتظر .
كنت مثال الأم الحنونة ، وكنت نموذج الأم المعطاء والمحسوس والمجبول بدم فلذات الأكباد .
وستبقي أيها الراحلة العظيمة مثالاً للمرأة العربية المسلمة المجاهدة التي يحتذى بها.. وبقوتها وصبرها وحبها للجهاد .
mailto:[email protected][email protected]
|
|
|
|
|
|