|
رحيل أهم قارئ/عثمان ميرغني
|
أعز وأهم قارئ لحديث المدينة.. واريناه الثرى عصر يوم السبت 30 أغسطس 2014 الماضي.. أغنى رجل في الدنيا لأنه لم يحسد إنساناً قط، ولم يتمنَ ما في يد غيره قط.. والدي العزيز ميرغني الحسين سعيد دياب وهذا اسمه الرباعي الذي انهى مشواراً تعدى المائة عام من الصبر الجميل في هذه الحياة. إلتحق محاسباً بوزارة المالية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي وعمل في جنوب السودان ثم جنوب كردفان ثم دارفور الكبرى ثم مصنع سكر الجنيد رئيساً للحسابات.. لينتقل بعده إلى مصنع سكر حلفا الجديدة مراقباً مالياً ويختتم مشوار الخدمة المدنية في هيئة توفير المياه بالخرطوم. في كل هذه المدن والقرى الشاسعة التي مر عليها ترك اعطر سيرة، كان دائماً مثالاً للأمانة وطهر اليد واللسان. عاش كل حياته في العمل العام ,عمل في اللجان الشعبية المحلية والمجالس الأعلى منها والجمعيات التعاونية. كان يتحدث اللغتين العربية والانجليزية، واهتم بتنشئة أبنائه وبنته.. فتفتحت أعيننا في البيت على مكتبة ضخمة كانت بها كل أنواع الكتب التي تصلح لنا في كل الأعمار, قرأتُ كتاب "كليلة ودِمنة" وأنا في الثالثة من المرحلة الابتدئية.. وقرأت (في ظلال القرآن) وأنا في المرحلة المتوسطة وقرأت كتب الإمام الغزالي في المرحلة الثانوية. كنا نتنافس في البيت في إصدار الصحف الحائطية التي نلقاها على بورد اشتراه لنا خصيصا لنشر صحفنا، ثم نتنافس فيها لننال الجائزة التي يقدمها لصاحب أفضل صحيفة حائطية . لم يكن يجبرنا على شئ كان يعول دائماً على الضمير الحُر لكنه كان يزرع فينا مبدأ (ماذا يفيد الإنسان لو كسب العالم وخسر نفسه). كان سعيدًا جداً بما اكتبه في حديث المدينة يردد لي دائماً إنما افعله بالكلمة والقلم اقوى من أي فعل آخر، لأن الكلمة المكتوبة تبقى حتى بعد أن تفنى الأجساد ويمضي الزمن والأجيال ويقول لي دائماً الكلمة هي دائما سلاح الأنبياء التي صنعوا بها حضارة الإنسان ولذلك كنت دائماً اكتب حديث المدينة وكأنما اقدمه على ورقة الإجابة ليصححه لي.. وكنت اعتز جداً برأيه وتصويبه أحياناً لبعض ما اكتبه. في صمت وهدوء رحل قبل ثلاثة أيام بعد أكثر من مائة عام كان يقرأ الصحيفة دون أن الحاجة إلى نظارة طبية.. في كامل عافيته النفسية والذهنية. يرقد الآن مرتاحاً في تراب القرية التي وُلد فيها وأحبها قرية الخليلة
|
|
|
|
|
|