لا تحاول ان تتجاهل الجسد.... يقول بأستاذية اعتدتها فيه: ستتحول الى قنبلة موقوتة اذا فعلت ذلك... كان يحب الاكل بالشوكة والسكين رغم انه من قرية فقيرة نائية. واصل: ان الجسد هو الثقب الاسود الذي يحتضر الزمان والمكان فيه ... قطع من فطيرة الجبن بالسكين وقضمها بالشوكة ؛ لاك اللقمة على فكه الأيمن وهو يقول ناظرا الى فطيرته: اذا تجاهلت الجسد تحول لثقب اسود ... يبتلع كل ذاتك .. احاسيسك .. اعصابك .. افراحك .. فتتحول الى كتلة من التعاسة المتحركة..هذا اذا تحركت أساسا ... قلت بيأس: هناك سلطة اكبر من رغباتنا .. سلطة تتحكم في الكون بأسره ... سلطة غير عادلة البتة ... هز رأسه ككلب ينفض الماء عن جسده معترضا: انت بالذات لا يحق لك الحديث عن اي سلطة .. غمغمت: ربما لا اعتقد في ذلك..لكن صدقني ان الكون كله يتجمع ليقف ضد جسدك .. انني لم امر بتجربة كثيفة التبادل في الأخذ والعطاء ... مسح فمه بمنديل ورقي ومصمص شفتيه وقال وهو ينظر لي من خلف نظارته: انت جبان .. هذه هي المشكلة... تبادلنا النظرات .. نظراته الثاقبة المتحدية ..ونظراتي الحائرة .. قلت بعد برهة من التفكير: لا لست جبانا... لكنني لا اميل لفوضى الجسد ... لأنني مقتنع بأن هناك روح تتكامل مع الجسد.... انني انتظر هذه اللحظة العبقرية في الزمان والمكان ..انتظر رفيف تلك الفراشة الساحرة بجناحيها لتهز كوني كله وتعيد ترتيب عناصر حياتي... زفر بعمق وقال: ستنتظر طويلا ... قلت: سأنتظر ... دمعت عيناه فجأة فمسحهما من خلف النظارة باصابعه وقال: -كلنا انتظرنا طويلا ... ثم اجهش بالبكاء ... علا صوت نحيبه فنظر نحونا جميع رواد المطعم ... حاول كبح بكائه ونظر الى الطاولة ساهما: -لقد خنت زوجتي كثيرا ... همست: اعرف ذلك .. هل انت نادم؟ هز رأسه نفيا : لست نادما ... على العكس انا مثلك تماما انتظر تلك اللحظة العبقرية ... لا زلت انتظر .... انني تجاوزت الخمسين ولكنني لم احظ حتى اليوم بتلك اللحظة العبقرية... انت تعرف قصصي الفاشلة فقد قصصتها لك من قبل ... ستنتظر طويلا يا بني ... تمالك نفسه ، وسألني دون ان ينتظر جوابا: هل نذهب ... نهضنا وخرجنا من المطعم ، ........ كان هذا منذ سنوات ... تذكرته اليوم عندما وصلني خبر وفاته ؛ تلقيت الخبر بهدوء .... وقررت ان اتناول الغداء في ذات المطعم ... وحملتني قدماي بتثاقل اليه ، صعدت الى الطابق العلوي ، وجلست على ذات الطاولة ... تذكرت انه عاش حياته ينتظر تلك اللحظة العبقرية ... وانه مات دون ان ينالها .... حزنت قليلا ... جاء النادل وطلبت منه فطيرة بالجبنة ومعها شوكة وسكين ... كان يبحث عن ذلك الانفجار الذي ينال من جميع خلايا الجسد ومن لهاء الروح ، انه كرسام سوريالي يبحث عن الحقيقة داخل ذاته المشوهة ... الحقيقة التي تحقق رضاه الكامل وهو يمرر فرشاه على الورق ... ذلك النزيف الذي يتكثف بين العقل والابداع ... لحظة اكتشاف شيء من خبايا الوجود .... بدا لي ذلك مستحيلا جدا ... نعم لقد صدق ، سأنتظر طويلا ... طويلا جدا ، ... غرست الشوكة في قطعة الفطيرة بالجبن ، ومزقتها بالسكين ... كانت القطعة كبيرة جدا وساخنة... ادخلتها في فمي فاحترق لساني ، لكنني اقحمتها باصرار ... دمعت عيناي ... غمغمت: فلتكن ثقبا اسودا ايها الجسد.... لكنني سأنتظر .... انه قدري ...
1
صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>
تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست