|
خطاب الرئيس البشير أمنيات و إرادة مكسورة زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
خطاب الرئيس البشير أمنيات و إرادة مكسورة زين العابدين صالح عبد الرحمن كل من استمع أو قرأ بحس سياسي, خطاب السيد رئيس الجمهورية عمر البشير, في افتتاح الدور الثامنة للبرلمان, يتأكد إن الأزمة السياسية في البلاد سوف تستمر, و ليس هناك مخرجا غير التغيير الشامل, و الخطاب لا يختلف عن كل خطابات الرئيس, تحمل ذات الموضوعات, و ذات المشاكل, و ذات التوجهات, و حتى المفردات لا تختلف كثيرا في كل خطاباته, أنما تتغير فقط التواريخ, مما يدل إن النخبة الحاكمة تعيش أسوأ أزماتها, يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو و يجب الحذر منهم. الخطاب هو هروب عن المشاكل و البحث عن شماعات, إن كانت داخلية أو خارجية, في إن البلاد مستهدفة من أجانب غير معروفين, و هو ما فعلته أياديهم, دون الوقوف عند الأسباب الرئيسية, و البحث عن كيفية معالجتها. و عليه تعالوا نقرأ خطاب الرئيس في الجانب السياسي, و تصوره للحل. يتحدث الرئيس عن السلام و يقول ( من أجل أن يعم السلام السودان و تتوقف الحروب التي فرضت عليه, استنزافا لموارده, و تمزيقا لوحدته) و هذا حديث مخالفا للحقيقة, باعتبار أية خطوة من قبل أية سلطة جادة لديها إرادة قوية للحل و المعالجة للمشكلة, يجب أن ترجع للأسباب الرئيسية التي أدت للمشكلة, فالنظام منذ بداية الانقلاب هو الذي استهدف القوي السياسية, و يدفعها دفعا لحمل السلاح, و أيضا هو استعدى الخارج, و ظل يحمل ذات مضامين الاستعداء حتى الآن, و آخرها خطاب الرئيس في ولاية شمال كردفان, الذي ردد فيه أنهم يتبنون خطة القضاء علي المعارضة بالبندقية, و خطاب الرئيس لا يقرأ بمعزل عن خطاباته الأخرى و السياسة العامة للنظام, فكلها أشياء مترابطة ب بعضها البعض, تشكل بمجموعها السياسة العامة للنخبة الحاكمة. لذلك جاء خطاب الرئيس يبرر الأشياء و لا يقدم مبادرة أو حلول, مثل كل الخطابات التي مضت تنتهي بنهاية الخطاب و تكبير من القاعة, لعضوية لا تعرف من الممارسة السياسية غير إتباع سبابة رئيس كتلتها, إنا كنا نتبع سادتنا. يواصل الرئيس حديثه و يقول حول دارفور ( نجدد الدعوة للحركات التي تحمل السلاح للانضمام لمسيرة السلام, وفق وثيقة الدوحة) و هؤلاء الذين يدعوهم الرئيس كانوا معه في القصر الجمهورية وفقا لاتفاقية "أبوجا" و لكنهم رجعوا للسلاح مرة أخري, بعد ما تم تجاهلهم, لآن السلطة ليس لديها إرادة في معالجة المشاكل, و إنما تريد البعض يأتي ليركب في ذات القاطرة التي فيها الكثير من الخلل, و هناك أيضا فيهم من ذهبوا إلي الدوحة و وجدوا إن النظام غير جاد في أطروحاته, و لا يمتلك أية رغبة في تنفيذ متطلبات السلام. و حول الحرب في ولايتي النيل الأزرق و جنوب كردفان يقول الرئيس في خطابه ( و بشأن منطقتي جنوب كردفان و النيل الأزرق و برغم الاستقرار الواسع الذي تشهده الولايتين, و ما يجري تنفيذه من مشروعات خدمية و تنموية كبري, إلا إن حرصنا علي السلام الشامل يدفعنا لتجديد الدعوة لاستئناف الحوار مع من يحملون السلاح لاستكمال مطلوبات البروتكولات الخاصة بالمنطقتين مما يسهم في إفساح الفرصة لهم للمساهمة في الحوار الوطني الجامع حول البناء الدستوري للبلاد) و الرئيس يعلم إنه السبب المباشر في تلك الحرب, عندما ألقي اتفاقية أديس أبابا, الموقعة بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية " قطاع الشمال" الأمر الذي جعل خصومه يتأكدون ليس هناك ضمان للاتفاقيات التي يوقعها المؤتمر الوطني, الذي ينكث بتعهداته, و نجده في ذات الخطاب يهرب من التسمية الحقيقية للجهة التي تقود الحرب في المنطقتين و يجب التحاور معها " الحركة الشعبية قطاع الشمال" و يرجع ذلك للخلاف الدائر في السلطة بين مراكز القوة حول كيفية التعامل مع الحركة الشعبية, و هي خلافات قائمة علي المصالح الذاتية, و ليست لها أية علاقة بقضية السلام و الاستقرار و الوطن, و الرئيس نفسه جزء من هذه الآلة لا يملك فيها القول الفصل, و هذه معضلة النظام, غياب الإرادة بسبب عدم مركزية القرار, ليس نتيجة للمؤسسية القائمة علي الديمقراطية, إنما نتيجة لتعدد مراكز القوة المتصارعة داخل السلطة, و كل مجموعة تتخندق وراء قوة تعتقد تشكل لها الحماية و القوة, و جميعها أمام حركة الجماهير أوهن من بيت العنكبوت, لذلك لا تستطيع مجموعة أخذ الرأي دون الآخرين, و تظل تراوح مكانها دون أن يكون لها قول فصل في القضايا المطروحة, و إن كان جميعهم يتكتلون حول الدفاع عن المصالح الخاصة التي تحميها السلطة التي يقبضون عليها. واحدة من الأشياء التي تؤكد للمراقبين الداخليين و الخارجيين, أن حديث رئيس الجمهورية أصبح حديث للمناسبات, و لا فائدة ترجى منه, لأنه تنقصه الإرادة, و دلالة علي ذلك تكرار حديث الرئيس حول قضية الحوار السياسي و الحوار حول الدستور في كل خطاباته, دون أن تتقدم خطوة واحدة إلي الأمام, بل تتراجع خطواته إلي الوراء, لذلك تعتبر خطابات الرئيس لا تحمل أية قيمة سياسية, أنما هو حديث للاستهلاك الوقتي فقط, ليس لديه مردودات أو مطلوبات, باعتباره حديثا خاليا من الفعل. و يواصل الرئيس حديثه و يقول ( إن استدامة السلام, يتطلب إرادة سياسية نافذة تحرسه, و قوة أمنية رادعة تحميه, مما يستوجب الحرص و اليقظة و الإعداد الجيد للقوات المسلحة و قوات الشرطة و الأمن) و هنا نخالف الرئيس جملة و تفصيلا, لآن هذه المقولة تكشف الحس الديكتاتوري المستوطن لدي الرئيس, الذي لا يملك أية علم بالثقافة الديمقراطية, و التي تقوم علي التوافق الوطني و الرضي, و تستند علي احترام الجميع للدستور و القوانين التي يتفق عليها الجميع, و هي التي تحميه لأنه محمي بالإرادة الجماهيرية, أما الذين يبحثون عن الردع و القوة من قبل المؤسسات القمعية " الجيش – و الشرطة و الأمن" هؤلاء الذين يؤمنون بنظام الحزب الواحد, و قوي سياسية صورية تشكل ديكورا, ليس لها أية فاعلية غير التصفيق و الموافقة كما تفعل الآن " أحزاب التوالي - أطفال الأنابيب " أما قضية الإرادة التي يتحدث عنها الرئيس يجب أن يسأل نفسه, لماذا لا تتحول خطاباته إلي أفعال؟ " يا أيها الذين أمنوا لما تقولون ما لا تفعلون" لآن الرئيس لا يملك القناعة بقضية الديمقراطية و التبادل السلمي للسلطة و هذه ناتجة من ثلاثة أسباب رئيسية. السبب الأول إن الرئيس غير مؤمن بقضية الديمقراطية حسب تربيته العسكرية إضافة لضعفه في عملية الإطلاع علي أنواع النظم السياسية, و تطور المجتمعات, السبب الثاني المرجعية السياسية للذين يقفون بجانبه أيضا لها دور في ذلك بل هي السبب الرئيسي الذي يوقف أية فعل تجاه عملية حوار حقيقي, كما إن الصراع الدائر داخل التنظيم و تباين موازين القوة يجعل كل مجموعة تتخوف أن تتخذ موقفا منفردا, السبب الثالث قضية المحكمة الجنائية التي تشكل أرقا ليس للرئيس وحده, أنما لأغلبية القيادات الإنقاذية, و بالتي أصبحت السلطة هي خط الدفاع الوحيد لهم, و هم يعلمون أية تغيير في السلطة, ليس أمامهم غير تقديم هؤلاء للعدالة, و بالتالي تجعل حديثهم حول الحوار و التفاهم لتبادل السلطة هو حديث فارغ من أية معنى. حول قضية الدستور قال الرئيس ( أننا أطلقنا مبادرة وطنية, لجميع الأحزاب السياسية, و أتبعناها بحوار سياسي, جاءت نتائجه إيجابية, تشجع في المضي قدما لاستكمالها عبر منبر قومي يحدد موضوعات و آليات اعتمادها انتهاء باستفتاء شعبي جامع, و سيوفر ذلك المنبر مجالا واسعا للآراء و المساهمات الفكرية للجميع, بما فيهم من يحملون السلاح, متى استجابوا لنداء السلام, بديلا للقتل و الدمار, و الغاية من ذلك كله التوافق علي ميثاق اجتماعي سياسي جامع, يعزز الاستقرار و السلام و تنتقل به البلاد إلي آفاق جديدة من النهضة و التقدم) لا اعتقد, إن الرئيس كما ذكرت يملك هذه الإرادة, و حتى إذا ملكها سوف يكون مصيره مثل مصير الدكتور التربي و الدكتور غازي صلاح الدين, و الرئيس يعلم ذلك, لآن مراكز القوة رغم اختلافها داخل الحزب و السلطة, و لكنها تتفق جميعا عندما تتهدد مصالحها الذاتية, فهؤلاء لا يملكون أية مشروع سياسي, و الشعارات التي يرفعونها هي شعارات جوفاء, خالية من أية قيمة جوهرية, إن كان دينية أو غيرها, و بالتالي سيظلون يراوغون في قضية الحوار و التبادل السلمي للسلطة, و لا يهمهم إذا جاع الشعب أو مات نصفه, فمهمتهم الأساسية هي كيفية البقاء علي السلطة حماية للمصالح الذاتية و خوفا من الحساب, و لكن للأسف لديهم القدرة و من خلال إمكانيات الدولة, أن يشققوا أحزاب المعارضة, و حتى الحركات المسلحة, و هذا يعود لضعف النخبة السياسية في المعارضة التي عجزت أن تقدم مشروعا وطنيا تستطيع جمع الناس حوله. حول الانتخابات يقول الرئيس البشير ( إننا نعلن عن قيام الانتخابات القادمة في مطلع 2015, و من هنا أدعو مخلصا كل القوي السياسية للإعداد الجيد و المبكر لتلك الانتخابات, التي سنعمل علي أن تجري بالنزاهة و الشفافية المطلوبة, و توفير الأجواء المواتية لطرح الأفكار) ينتقل الرئيس من الحوار السياسي و قبل الشروع فيه, إلي قضية الانتخابات, و التي من المفترض أن تكون النتيجة النهائية لعملية التوافق الوطني, و الحوار حول الدستور و صناعته, و بموجب ما تصل إليه القوى السياسية من اتفاقيات وطنية تجري عملية الانتخابات, و لكن لآن الرئيس يعلم إن خطابه خطاب مناسبة, و لا يؤخذ بما جاء فيه, لذلك أعلن عن الانتخابات, و يؤكد نزاهتها, و كيف تكون الانتخابات نزيهة و ليس هناك فاصل بين الحزب و الدولة, و كيف تكون الانتخابات نزيهة و المعارضة ممنوعة من التظاهر و إقامة الندوات في الهواء الطلق, و كيف تكون نزيهة و سيف الأمن مسلط علي الصحافة و المهددة بالمصادرة و التوقف, و ممنوع علي المحللين أن يتناولوا خطابات الرئيس و نائبه بالنقد, و لكن يسمح لهم إذا مالوا إلي الإطراء و المدح و غيره من مسح الجوخ للسلطان, فلا اعتقد إن هناك قوي سياسية سوف تقبل إن تدخل العملية الانتخابية, إلا القوي التي فضلت أن تدور في فلك المؤتمر الوطني, و هي قوي لا تستطيع أن توقف حالة الانهيار التي يتعرض إليها النظام, و مظاهرات سبتمبر علمت الشباب و النخبة الصاعدة كيف تستطيعون أن يصنعوا قياداتهم متجاوزين كل البناءات المهترئة المائلة للسقوط, و دلالة علي هذا الانهيار, نجد إن أحد حلفاء المؤتمر الوطني الجدد " السيد محمد عثمان الميرغني" أمر أبناءه جميعا عدم التواجد في السودان, و إذا أرادوا المشاركة في العمل السياسي, إن يديروا المعركة من الخارج, و إن الله سوف يسخر لهم من النخب من يساعدوهم في ذلك. و حول قضية الإصلاح, و التي طرح فيها الرئيس كثير من الإنشاء, و لكنه لخصها في قضية تعتبر محورية لحزب المؤتمر الوطني و هي القيادة المتحكمة في الحزب و الدولة حيث قال ( فيما يتعلق بالأشخاص و القيادات, و هو وحده ما يتبادر إلي ذهن البعض عند الحديث عن الإصلاح و التغيير, فإن ذلك مما تتباين فيه الموازين, و تختلف فيه الأحكام حول تقويم الأداء و الكفاءة و مهما يكن, يظل للأشخاص و القيادات دور مؤثر في توجيه المؤسسات و نجاحها) إن قضية الإصلاح تفهمها قيادات المؤتمر الوطني و من ضمنهم رئيس الجمهورية هي قضية تتركز فقط في تغيير القيادات, رغم إن القضية التي جاءت في مذكرة 31 عضو أشمل من ذلك, فهي تتحدث عن إصلاح في النظام السياسي, حيث طالبت بفك الارتباط بين الحزب و الدولة, و محاسبة المفسدين, و مشاركة القوي السياسية الأخرى عبر حكومة انتقالية, و قضية الديمقراطية و الحرية و غيرها, و معلوم أية إصلاح في الدولة يؤدي إلي تغيير ديمقراطي حتما سوف يقدم القيادات المؤمنة بهذا التوجه الجديد, و يبعد القيادات التي لا تؤمن بذلك, و لآن نخبة الإنقاذ تحصر قضيتها فقط في الدفاع عن مصالحها الذاتية, لذلك حصرت قضية الإصلاح فقط حول تغيير بعض القيادات, و المقصود بالإصلاح هو تغيير شامل للثقافة القائمة في الدولة, الأمر الذي لا يقبله الرئيس و الذين يلتفون حوله. إذن خطاب الرئيس في افتتاح دورة البرلمان الثامنة, هو خطاب خالي من أية قيمة سياسية, مثله مثل غيره, لذلك لم يجد أية صدي بل تجاهلته القوي السياسية, حتى المحللين السياسيين التابعين للمؤتمر الوطني, و المنتشرين في أغلبية الصحف قد تجاهلوه, و المشكلة عندما يتحول خطاب الرئيس لمناسبة, مثله مثل أية خطاب لرئيس جمعية خيرية ينتهي مفعوله بنهاية الحدث الذي قيل فيه, الأمر الذي يعكس مشكلة السودان و الأزمة التي يعيش فيها, و نسال الله أن يرشدنا للحل القويم.
|
|
|
|
|
|