|
حمار.. للبيع!! بقلم عثمان ميرغني
|
حديث المدينة الثلاثاء 2 ديسمبر 2014
بصراحة.. أحياناً بعض الأخبار تحتاج إلى إعادة فرز واستخدام (الفهامة!).. فهي تبدو غير معقولة.. مثلاً راجت في الأيام الماضية حكاية ذبح الحمير، وبيع لحومها في المحلات.. دعونا نمارس بعض النشاط العقلي. الجزار صاحب الحمار هذا.. كم يربح من ذبح وبيع الحمار لحماً.. وكم يكسب إذا باعه حياً؟. الفرق كبير.. بل وكبير جداً.. الحمار الحي ودون مشقة ودماء و(عتالة) لحوم، وانتظار يوم كامل لبيعها.. سعره أعلى كثيراً من كيلوجرامات اللحمة التي يبيعها الجزار.. الواضح.. وللدقة أن المقصود بتلك الأخبار هي الحمير النافقة (الميتة).. فالحمار النافق يصبح سعره صفراً كبيراً.. ولو باع صاحبه منه كيلوجراماً واحداً فهو في حساب الأرباح.. لكن الأمر- طبعاً- لا يتوقف عند الحمير.. فالكلاب والضأن والأغنام بل وحتى الدجاج تلقى في النفايات عند نفوقها.. وتصبح قيمتها صفراً.. وتتحرك هذه القيمة إذا تحولت إلى وجبة لحوم للبيع. وصورت لنا هذه الممارسة صحفيتنا الشابة أسماء ميكائيل في صحيفة (التيار) في تحقيقها الصحفي الذي لفت أنظار الناس كلّهم.. إلى سوق– هنا في ولاية الخرطوم- يطلق عليه العامة سوق (الله كتلا).. تباع فيه كل المخلوقات التي (الله كتلا) أي ماتت موتاً طبيعياً.. فيحولها أصحابها إلى مكسب مالي (زهيد) الثمن.. طالما أنه (صفر) التكلفة.. ويعيش عدد مقدر من سكان العاصمة على ما تجود به أسواق (الله كتلا) بعد أن تيبست البطون، وتعودت على المخلوقات غير المذبوحة.. قبل عدة سنوات امتلكتُ حماراً لاستخدامه في جلب الماء عند تشييد البيت.. حيث لم يكن هناك إمداد مائي في الموقع.. ولكن بعد استغنائي عن خدماته، فوجئت بحارس الموقع يخبرني بأن الحمار مات!!، طالبته بالدليل فوصف لي مكاناً بعيداً، قال: إن جثته ملقية فيه.. طبعاً لم أكلف نفسي عناء البحث عن (الجثة!) ولكن يساورني شعور كبير أن بعض محلات (الشاورما) في بعض الأحياء المهمشة كسبت منه كثيراً.. فالحمار في حجمه يساوي عجلاً بل ثوراً له خوار. على كل حال.. وعلى رأي أستاذنا محجوب عروة في عموده أمس.. الفاسدة هي الأخلاق، وليست لحوم الحمير.. فمثل هذه الظواهر ساذج من ينظر إليها في شكلها ووزنها (الجنائي).. هي منظار متقدم في أحشاء المجتمع السوداني يكشف إلى أين وصل السوء.. فالحكومة مهما فعلت حتى ولو وفرت رجل شرطة لكل مواطن لن تستطيع كبح جماح مثل هذه المخالفات.. المجتمع وحده هو الذي يحمي نفسه بحمايته لحرمات الأخلاق (العامة!! بالتحديد).. والقرآن شدد على ذلك وقال: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم). لم يقل (يعملون!) بل (يحبون أن تشيع!!) فالذي يعمل إنما يعمل لصالح أو ضدّ نفسه.. لكن الخطورة في الذي (يشيع!!) وهو العمل العام الذي يكرِّس ضرراً عاماً.. المجتمع الرشيد يمنع بكل قوة (شيوع) المخالفات حتى لا تصبح (ظاهرة).. إنها مهمتنا جميعاً.. ومسؤوليتنا
|
|
|
|
|
|