|
حتى لا نصبح كلنا داعشيون الجهاد ليس أصل قى الاسلام بقلم عصام جزولي
|
02:13 PM Jul, 01 2015 سودانيز اون لاين عصام جزولي- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لأصل في الإسلام أن كل انسان حر ، الى أن يظهر ، عمليا ، عجزه عن التزام واجب الحرية ، ذلك بأن الحرية حق طبيعي ، يقابله واجب واجب الأداء ، وهو حسن التصرف في الحرية ، فإذا ظهر عجز الحر عن التزام واجب الحرية صودرت حريته ، عندئذ، بقانون دستوري ، والقانون الدستوري ، كما سلفت إلى ذلك الإشارة ، هو القانون الذي يوفق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة ، وقد قررنا آنفا أن ذلك هو قانون المعاوضة . هذا الأصل هو أصل الأصول ، وللوفاء به بدئت الدعوة إلى الإسلام بآيات الاسماح ، وذلك في مكة ، حيث نزلت (( ادع الى سبيل ربك بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، وهو أعلم بالمهتدين )) وأخواتها ، وهن كثيرات ، وقد ظل أمر الدعوة على ذلك ثلاث عشرة سنة ، نزل أثناءها كثير من القرآن المعجز ، وتخرج أثناءها من المدرسة الجديدة ، كثير من النماذج الصالحة ، من الرجال والنساء والصبيان . وكان المسلمون الأولون يكفون أذاهم عن المشركين ، ويحتملون الأذى ، ويضحون ، في صدق ومروءة ، في سبيل نشر الدين ، بكل أطايب العيش ، لا يضعفون ولا يستكينون .. يبينون بالقول البليغ ، وبالنموذج الصادق ، واجب الناس ، في هذه الحياة ، نحو ربهم ، بإخلاص عبادته ، ونحو بعضهم ، بصلة الرحم ، وإصلاح ذات البين . والله سبحانه وتعالى يقول (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ولقد أعطانا من نعم العقل ، والجسد ، وأطايب العيش ، ما يمكننـا من عبادته وعرفان فضله . ويقول (( إن الله يأمر بالعدل ، والاحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء ، والمنكر ، والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون )) ويقول (( ولا تقتلوا أولادكم من املاق ، نحن نرزقكم وإياهم ، ولا تقربوا الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ذلكم وصاكم به ، لعلكم تعقلون )).. كل ذلك جاء به القرآن في الدين الجديد ، وبلغه النبي وأصحابه ، بالقول ، وبالسيرة ، وفيه لأمر الناس صلاح وفلاح ، فإذا أصر الناس، بعد ذلك ، على عبادة الحجر الذي ينحتون ، وعلى قطع الرحم ، وقتل النفس ، ووأد البنت ، فقد أساءوا التصرف في حريتهم ، وعرضوها للمصادرة ، ولم يكن هناك قانون لمصادرتها ، فلم يبق إلا السيف ، وكذلك صودرت . وبعد أن كان العمل بقوله تعالى (( فذكر انما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر )) انتقل الى قوله تعالى (( الا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر )) فكأنه قال أما من تولى وكفر فقد جعلنا لك عليه السيطرة ، فيعذبه الله بيدك العذاب الأصغر بالقتال ، ثم يعذبه العذاب الأكبر بالنار. (( إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم )) واعتبرت الآيتان السابقتان منسوختين بالآيتين التاليتين ، وكذلك نسخت جميع آيات الاسماح ، وهن الأصل ، بآية السيف وأخواتها ، وهن فرع أملته الملابسة الزمانية ، وقصور الطاقة البشرية ، يومئذ ، عن النهوض بواجب الحرية . ومن ههنا جاء حديث المعصوم حين قال (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله . فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وأمرهم الى الله )) . وقد ظن بعض علماء المسلمين أن حروب الإسلام لم تكن إلا دفاعية ، وهذا خطأ قادهم اليه حرصهم على دفع فرية بعض المستشرقين الذين زعموا أن الإسلام إنما استعمل السيف لينتشر . والحق أن السيف إنما استعمل لمصادرة حرية أسئ استعمالها ، وقد تلبث بذلك ثلاثة عشر عاما يدعو الى واضحة من أمر الفرد ، وأمر الجماعة ، فلما لم ينهضوا بأعباء حريتهم ، ولما لم يحسنوا التصرف فيها ، نزع من أيديهم قيامهم بأمر أنفسهم ، وجعل النبي وصيا عليهم ، حتى يبلغوا سن الرشد . فإذا دخلوا في الدين الجديد ، فحرموا من دمائهم وأموالهم ما حرم ، ووصلوا من رحمهم ما أمر به أن يوصل ، رفع عنهم السيف ، وجعلت مصادرة حرية المسئ إلى القانون الجديد ، وكذلك جاء التشريع الإسلامي ، ونشأت الحكومة الجديدة . وكل ما يقال عن تبرير استعمال الإسلام للسيف هو أنه لم يستعمله كمدية الجزار ، وإنما استعمله كمبضع الطبيب . وكانت عنده الحكمة الكافية ، والرحمة الكافية ، والمعرفة الكافية ، التي تجعله طبيبا لأدواء القلوب . ولقد قال تعالى في ذلك (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب ، والميزان ، ليقوم الناس بالقسط ، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ، ومنافع للناس ، وليـعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ، إن الله قوي عزيز )) قوله (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات )) يعني بالدلائل القواطع على صدق دعواهم ، (( وأنزلنا معهم الكتاب)) يعني (( لا إله إلا الله )) و (( الميزان )) يعني الشريعة لوزن ما بين العبد والرب ، وما بين العبد والعبد ، و (( ليقوم الناس بالقسط )) يعني ليعدلوا في المعاملة ، وقوله (( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ، ومنافع للناس )) يعني وشرعنا القتال بالسيف في مصادرة حرية من لا يحسن التصرف في الحرية ، حتى يرده بأس السيف إلى صوابه ، فيـحرز يومئذ حريته ، وينتـفع بحياته .. هذا بالطبع إلى ما للحديد من منافع أخرى لا تحتاج منا الى إشارة . وقوله (( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب )) يعلم علم تجربة لكم ، لأن القتال كره للنفوس .. ليعلم من يحتمل مكروه الحرب في سبيل الله لنصرة المستضعفين ، بإقامة القسط بين كل فرد وبين نفسه ، وبينه وبين الآخرين ، وقـوله (( إن الله قوي عزيز )) يعني بالقوي الذي لا يحتاج لنصرة ناصر ، و (( عزيز )) يعني لا ينال ما عنده إلا به ، وما عنده في هذا المقام هو النصر ، فكأنه يشير إشارة لطيفة إلى قوله تعالى (( إن تنصروا الله ينصركم ، ويثبت أقدامكم )) إن تنصروا الله بنصرة أنبيائه لإقامة القسط ، ينصركم الله على أنفسكم ، وهذا يعني ، بعبارة أخرى ، إن تنصروا الله في الجهاد الأصغر ، ينصركم في الجهاد الأكبر ، حيث لا قوة لكم إلا به ، ولا ناصر لكم إلا هو . (( ويثبت أقدامكم )) يعني يطمئن قلوبكم . وتثبيت الأقدام الحسية غير مجحود في مقام النصرة . ومن الحكمة في طب أدواء القلوب أن تبدأ الدعوة باللين ، وألا يلجأ الى الشدة إلا حين لا يكون منها بد ، فإن الكي آخر الدواء . وما العذاب بالقتل بالسيف في الدنيا إلا طرف من عذاب الآخرة بالنار ، وليس لعذاب الآخرة موجب إلا الكفر ، وكذلك الأمر في القتال .. فإن هو أضاف الى الكفر دعوة إلى الكفر ، وصداً عن سبيل الله ، فقد أصبح قتاله وقتله أوجب ، وإلا فهو مقاتل بكفره لا محالة ، قال تعالى (( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ، ثم تكون عليهم حسرة ، ثم يغلبون ، والذين كفروا الى جهنم يحشرون * ليميز الله الخبيث من الطيب ، ويجعل الخبيث بعضه على بعض ، فيركمه جميعا ، فيجعله في جهنم ، أولئك هـم الخاسرون * قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ، وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، ويكون الدين كله لله ، فإن انتهوا فان الله بما يعملون بصير )) تأمل قوله تعالى (( والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب )) تجد أن موجب العذاب هو الكفر (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ؟ وكان الله شاكرا عليما )) . وقـولـه (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة )) يعني حتى لا يكون شرك ، ودعوة إلى الشرك ، وصد عن سبيل الإيمان . وقوله (( ويكون الدين كله لله )) هو غرض القتال الأصلي (( وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه )) ذلك أمر الله . والله بالغ أمره ولو كره الكافرون . وقال تعالى في موضع آخر (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، ويكون الدين لله ، فإن انتهوا فلا عدوا إلا على الظالمين )) والظالمون على مستويين : مستـوى من يجعل الدين لغير الله ، ويصر على ذلك ، ومستوى من يذعن لله بالطاعة ولكنه يتعدى على حقوق الناس ، ويحيف عليهم . وفي الآية أمر بمصادرة حرية من يسئ التصرف في الحرية ، وإنما تكون المصادرة على مستوى الاساءة . فللجاحدين قانون الحرب ، وبأس الحديد . وللمعتدين على حقوق الناس قانون السلام ، وفصل الحقوق . وهذا معنى قوله تعالى (( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين )) . والنزول من المعنى الأصلي الى المعنى الفرعي يعني النزول من مستوى الإسلام الى مستوى الإيمان ، ومن ههنا يجب أن يفهم قوله تعالى (( وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، ولعلهم يتفكرون )) قوله (( وأنزلنا اليك الذكر )) يعني القرآن كله ، مشتملا على الأصل - الإسلام- والفرع – الإيمان . وقوله (( لتبين للناس ما نزل إليهم )) يعني لتفصل بالتشريع ، وألوان التبيين ، للمؤمنين ما نزل إلى مستواهم . قوله (( ولعلهم يتفكرون )) يعني لعل الفكر ، أثناء العمل بالفروع ، يقودهم الى الأصل الذي لم يطيقوه أول أمرهم . وفي ذلك إشارة بالغة اللطف إلى السير في مراقي الإسلام المختلفة ، مبتدئا بالإسلام الأول ، صاعدا بوسائل الفكر الصافي ، والقول المسدد ، والعمل المخلص . فإنه (( إليه يصعد الكلم الطيب ، والعمل الصالح يرفعه )) . نخلص مما تقدم الى تقرير أمر هام جدا ، وهو أن كثيرا من صور التشريع الذي بين أيدينا الآن ليست مراد الإسلام بالأصالة . وإنما هي تنزل لملابسة الوقت والطاقة البشرية .
Copyright (c) 1998-2011 Desi
أحدث المقالات
- ربع قرن.. بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين 07-01-15, 11:28 AM, نور الدين محمد عثمان نور الدين
- جرائِمْ الكراهِيّة والعُنف المُعرقنْ – الجُرح الغائِر فِى قلُوب الملايين – الطُغيان والإضْطهاد والقه 07-01-15, 11:25 AM, حماد سند الكرتى
- دعوة بنسودا باعتقال البشير وآخرين تضع مصداقية مجلس الأمن على المحك بقلم الصادق حمدين 07-01-15, 11:23 AM, الصادق حمدين
- ... حديث الترابى حياة مابعد الموت ... وجدلية الروح والجسد ( 2 ) بقلم ياسر قطيه 07-01-15, 11:21 AM, ياسر قطيه
- د.الترابي انها بلادنا وليست ارض (شفتة )!! بقلم حيدر احمد خيرالله 07-01-15, 11:19 AM, حيدر احمد خيرالله
- الإعلان هو الذى يقتل أوّلاً، أمّا الرصاصات، ففيما بعد !. بقلم فيصل الباقر 07-01-15, 01:31 AM, فيصل الباقر
- للوصول بسفينة السودان إلى بر الحل الديمقراطي بقلم نورالدين مدني 07-01-15, 01:21 AM, نور الدين مدني
- اِنهيار الدبلوماسية في السودان بين .. الهروب والدموع بقلم عبدو حماد 07-01-15, 01:18 AM, مقالات سودانيزاونلاين
|
|
|
|
|
|