|
جهل.. أم تجاهل؟؟ حديث المدينة....عثمان ميرغني
|
حديث المدينة الثلاثاء 4 نوفمبر 2014
ألجمتني الدهشة وأنا أطالع بعض الأخبار التي وردت في بعض صحف أمس.. بالتحديد خبر إيداع مشروع تعديل الدستور منضدة المجلس الوطني (البرلمان)؛ تمهيداً للنظر في إجازة التعديلات.. حتى هنا الخبر عادي.. لكن المثير للدهشة – بل وللشفقة أيضاً- بقية الخبر. يقول بقية الخبر: "إن نواب البرلمان سيبدأون التداول في مشروع تعديل الدستور لإجازته خلال الأيام القادمة"!!، ما هذا؟؟ أكاد لا أصدق..!!. الجهات القانونية في البرلمان.. هل اطّلعت على المادة (224) في الدستور.. وبالتحديد الفقرة الأولى منها، التي أتت تحت عنوان (تعديل الدستور)، وتنص بالحرف: (224ـ (1) لا يجوز تعديل هذا الدستور إلا بموافقة ثلاثة أرباع جميع الأعضاء لكل مجلس من مجلسي الهيئة التشريعية في اجتماع منفصل لكل منهما، وبشرط أن يُقدم مشروع التعديل قبل فترة شهرين على الأقل من المداولات). الشرط واضح لا يحتاج إلى اجتهاد أو تأويل.. يجب إيداع مشروع تعديل الدستور قبل شهرين على الأقل من بدء المداولات حوله.. كيف سيبدأ السيدات والسادة النواب مداولاتهم بعد أيام قليلة من إيداع مشروع تعديل الدستور؟!!- على حد ما ورد في الخبر. بكل يقين عندما أدخل المشرع هذا الشرط لتعديل الدستور يقصد أن يمنع استعجال النظر في مشاريع تعديل الدستور.. ويجعل أي تعديل للدستور محاط بتروس تهدئة وتروٍ لتنضج التعديلات الدستورية على نار هادئة.. فالدستور وثيقة (ثابتة نسبياً) محاطة بكثير من الأسوار التي تحافظ على ثباتها أطول فترة.. وإلا فما الفرق بين الدستور وأي قانون أو لائحة؟. إذا أودع مشروع تعديل الدستور فإن المجلس الوطني لن يكون متاحاً له النظر والتداول في مشروع التعديلات قبل بداية العام الجديد (2015).. أي بعد شهرين.. خلال هذه المدة تنشر نصوص التعديلات المقترحة في الهواء الطلق، وتتعرض لأكبر قدر من النقاش والرأي والرأي الآخر.. وتنضج الأفكار على مهل وبكل ثقة. إذا كانت الحكومة مستعجلة على هذه التعديلا فلماذا لم تقدمها في الدورة الماضية قبل عطلة البرلمان.. أم أن الأمر كله طرأ فجأة وثار في الخاطر دفعة واحدة؟. من الحكمة ألّا يكون البرلمان- ذات نفسه- أول حارق خارق للدستور.. وإلا فما فائدة الدستور والاجتهاد في تعديله.. إذا كان البرلمان غير قادر على رهق إطاعة الدستور فلماذا أصلاً يعدله؟.. أليس الأفضل إنفاذ التعديلات دون تعديل الدستور؟.. بل ما الفائدة من وجود دستور من الأصل؟. المدخل الأرحب لبناء دولة مستقرة سياسياً هو التعويل على مبدأ (سيادة القانون)، وأول قانون يستوجب أن يسود على أي اعتبارات أخرى هو (أبو القوانين) الدستور.. فإذا أصبح الدستور- نفسه- يعاني من (عدم دستوريته) فإن فاقد الشيء لا يعطيه، لن يمنح الدستور شرعية بينما يفتقدها هو نفسه.. ويستطيع أصغر محامي تقديم طعن دستوري في دستورية الدستور ويطيح به من أول نظرة.. إذا أجيزت تعديلات الدستور رغم أنف المادة (224-1).. والله أعلم
|
|
|
|
|
|