|
جداريات رمضانية (6) بقلم عماد البليك
|
03:45 PM Jun, 24 2015 سودانيز اون لاين عماد البليك -مسقط-عمان مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لا يحكى
مع حلول العصر تصحو الطبيعة كما قال الشاعر الناصر قريب الله، لكن بعض العيون ما تزال ناعسة. يستيقظ النائمون يتجه البعض للصلاة في المسجد ويبقى آخرون يرتلون القران الكريم في البيوت، كأني بصوت أبي – رحمه الله – مرتلا من مصحفه العتيق الذي احتفظ به لسنوات طويلة. والمصاحف علامات رمضانية يطول الحكي عنها، الأحجام والأشكال والألوان والزخارف والخطوط، لعل لكل مصحف حكاية وقصة وذكرى خاصة به وفي رمضان بالذات. ومع العصر ودخول النسائم الباردة التي هي هبة من الله، يكون الحي قد غمر في روائح الأكل والأبري، ويبدو الناس أكثر إسراعا من ذي قبل في الشوارع لاسيما قبل الإفطار إذ يسابقون الوقت في سبيل الوصول إلى بيوتهم ليحصلوا الأذان مع أسرهم. إنه المعاش لا يترك بعض الناس إلا أن يعملوا طوال اليوم، لا هوادة باتجاه العيش ساعة يكون لابد منه للاستمرار إلى الغد. وما تمضي سوى أقل من نصف ساعة حتى يكون الكانون الكبير قد جهز بالبليلة التي تطهي أحيانا عند ركن من حوش البيت بروث الحيوانات (البعر) لأنه يجعل لها طعما خاصا وكذلك الفول المصري يطهي بالطريقة نفسها، وهذا يوفر كذلك الفحم. أما الغاز فليس إلا بدعة لم يكن الناس قد درجوا على استخدامها بعض ليعانوا ما يعانون اليوم من انتظار وأسعار متقلبة وتشاكس حول الاسطوانة متى وصلت ومتى تفرغ. كان للحياة طابعا ريفيا جميلا، بساطة الدنيا كما يقال. وكان بإمكان طرق الإنتاج التقليدية أن تتطور لتصنع حياة حديثة بناء على المتوارث، لكن فجأة خلت البيوت من كل ذلك، حتى حظائر الدجاج تم إفراغها وطرده والأغنام لم تعد تسكن المنازل والزرع الذي كان يهيج في الحيشان غاب عن الأعين لأن الحصول على الماء في حد ذاته بات معجزة ومكلفا. تتقدم عقارب الساعة، يكون الطعام المتنوع والكثير والمشروبات العديدة قد جهزت في ساحة البيت حيث تجلس الأسرة كلها رجالا ونساء، وربما كل لحالهم. وهناك من يذهب إلى الشارع ليكون مع الجيران وهذه في بعض الأحياء تكون في أيام معدودات مثل الجمعة الأخيرة من رمضان، وربما كلما تقدم الزمن تناثرت العادات الأصيلة وبقيت لمحة التحديث التي كانت تهزم وراءها الكرم والنخوة، وليس غريبا أن يكون للطابع المادي للحياة دوره في ذلك كما أن كل شيء بات مكلفا وصعب المنال. يكاد الشارع الآن يخلو من المارة إلا قليلا أو هيئة لوري يتهادى من بعيد في رحلة من مدينة لأخرى لكنه في الشارع البعيد القريب من الخلاء لهذا لن يتوقف وربما لن يستجيب للأيادي المرفوعة من قبل الصبية والكبار التي تدعوه لأن يقف، يرتفع صوته ثم ينخفض ليتلاشي مع انخفاض الشمس التي بدأت تتدلى باتجاه البحر ومن وراءه الجبل حيث يصنع المغيب حلته الرائعة التي ليس لأحد أن يتأملها مع الانشغال بتبريد الأجواف خاصة مع مرور نهار حار بكل المقاييس، وسوف نسمع من يقول إنه منذ سنين لم يأت نهار بهذا الشكل. وهذا كلام لعمري معاد ومكرر. ففي كل عام تسمع العبارات نفسها إذ لا جديد. والخير هذه السنة أن الثلج موجود لكن إن غاب فتلك مصيبة فالماء سيكون حارا وعصير الليمون المفضل للبعض سيكون سيئا جيدا وستضطر للارتواء دون تفكير، لتشعر بأن ببطنك قد انتفخت في الفراغ دون إحساس بالشبع الحقيقي أو الارتواء وإنما ستكسب الضيق بديلا عن الراحة، ويبدأ الصداع مفعوله لدى البعض مع التمباك والسيجارة ممن ظلوا ينتظرونها طوال النهار. ومفردة صداع سوف تصبح من أكثر المفردات استخداما ما بعض الإفطار في الأمسيات الرمضانية، وسوف تتنوع الحلول المبتكرة والمقترحة. مثل قولهم، لا تأكل وتناول أولا الشوربة. وهي تصنع من اللحم وفيما بعد صارت لها فنون وعرفت شوربات الخضار وغيرها من التقنيات الحديثة التي أنجبتها الفضائيات بحيث صار لكل امرأة قلم وورقة تسجل بها المقادير، وهناك من لجأت لاستخدام اليوتيوب في زماننا لكي تستعين بالسماع والرؤية المباشرة والعمل على التحضير، إنها التكنولوجيا تفعل ما لم يفعله جن سليمان. يرتفع الأذان بين السكون.. أذان المغرب من مسجد الحي.. وربما يتأخر قليلا، لكن لا أحد يتقدم نحو التمر إلا إذا كان يردد بأن تبكير الإفطار من السنن وهو يستعين بساعته ذات العقارب بديلا عن المؤذن، فالعبرة بالساعة وليس بالصوت الذي نسمعه هذا فقهه، ويمشي في شرح التأويل. ربما تأخر المؤذن في الصعود لأعلى المسجد لأن الكهرباء قاطعة ولهذا فقد مضت دقيقة دون أن يأتي صوته. وما ينحسم الكلام ولن يكون ذلك إلا ويكون الجميع قد انهمك في تسابق محموم باتجاه التمر والماء والأبري دون أن يكون قد سمع جيدا باقي الأذان. ومع ابتلال العروق وثبات الأجر بإذن الله، تبدأ العيون تفتح كبيرة لترى الهلال ومرات لا يسهل ذلك أو أنه يغيب ثم يصبح الأمر جدلا، هل كان صيامنا صحيحا أم لا؟ كل يدلي بدلوه، والأمر لا يتعلق بقدرات خارقة فإن كان موجودا فالغالب أن الجميع سوف يراه دون تعب، وسوف يكون الدعاء بأن يجعله الله هلال خير وبركة ويعوده بالأمان والسلام والنعمة. والعادة أن هناك من يأكل قليلا من التمر ويشرب الماء ثم يصلي ليعود إلى الأكل باستفاضة وهناك من يقوم بالأكل والشراب مرة واحدة، وهو الغالب عندنا، وإن كان ثمة من يشذ عن القاعدة بإعتبار أن الطعام سوف يثاقل جسده ليأتي إلى الصلاة وهو ثقيل البدن وهذا يجعله كسولا في أداء فرض الله، وفي الوقت الذي تكون فيه الصلوات والأدعية والابتهالات ترتفع رائحة القهوة التي لها حضور مميز في إفطار رمضان، صحيح أن هناك من اعتاد عليها طوال العام غير أن الأغلبية لا تشربها إلا في رمضان حيث تطمئن لها وأنها تساعد في ترتيب أمور الرأس وهزيمة الصداع وتشجع على النشاط بعد الأكل وإلا كان الخمول هو المسيطر على الأبدان، وما أحوج البدن للحركة فبعض قليل من الزمن سوف يستعد الجميع لصلاة العشاء والتراويح في المسجد ذلك الطقس الذي يجعل لليالي شهر رمضان من عبق خاص ولونية مميزة لا تتكرر في أمسيات الشهور الأخرى، وتبدأ الحركة تدب في الشوارع والناس يتضاعف عددها ليتوقف هذا مع ذاك وكل يسأل الآخر عن أحوال نهار قد انقضى.. تسمعه يقول: "الحمد لله اليوم مرّ.. ربنا يسهل باقي الأيام..".. mailto:[email protected]@gmail.com
أحدث المقالات
- فياض والعمل الانساني ولعبة الرئيس ...!! بقلم سميح خلف 06-24-15, 11:23 AM, سميح خلف
- دعنا من الدرس الأول ياوالى الخرطوم!! بقلم حيدر احمد خيرالله 06-24-15, 11:21 AM, حيدر احمد خيرالله
- جمعية حماية المستهلك صنيعة حكومية وأن سجن أمينها العام بقلم عصام جزولي 06-24-15, 11:19 AM, عصام جزولي
- جِبال النُوبة الماضِى الجرِيحْ- الحاضِر الألِيم الموت والعذاب المهين- المُستقبل المجهُول - جِبال الن 06-24-15, 11:17 AM, حماد سند الكرتى
- محن السياسة السودانية زوما متآمر ضد الحل السّلمي بقلم حامد بشري 06-24-15, 11:14 AM, حامد بشرى
- تايه بين القوم/ الشيخ الحسين/ من ذكريات الطفولة الباكرة 06-24-15, 10:25 AM, الشيخ الحسين
- والماء فوق ظهر أرضها محمول !! بقلم نورالدين مدني 06-24-15, 10:18 AM, نور الدين مدني
- فاطمة عبدالرحمن أولى المساق الفني ، بنت الابيض !! بقلم حيدر احمد خيرالله 06-24-15, 10:15 AM, حيدر احمد خيرالله
- الهروب الكبير بقلم خالد قمرالدين 06-24-15, 10:13 AM, خالد قمرالدين
- المرأة الايرانية ودورها القيادي في التغيير بقلم صافي الياسري 06-24-15, 10:11 AM, صافي الياسري
- هروب للجحيم بقلم منى سالم الجبوري 06-24-15, 10:10 AM, منى سالم الجبوري
- التغيرات الأقليمية والدولية وأثرها على قضية دارفور بقلم محمد بحرالدين ادريس كاتب وناشط سياسي 06-24-15, 09:20 AM, محمد بحر الدين ادريس
- هل حكت دموع غندور كل شيء عن هروب البشير من جنوب أفريقيا !؟ بقلم عبدالغني بريش فيوف 06-24-15, 09:17 AM, عبدالغني بريش فيوف
- والماء فوق ظهر أرضها محمول !! بقلم نورالدين مدني 06-24-15, 09:09 AM, نور الدين مدني
- رسوم النفايات عن طريق السداد الالكترونى بقلم عمرالشريف 06-24-15, 09:04 AM, عمر الشريف
- عبدالفتاح السيسي .. غدا القاك .. بقلم /طه أحمد أبوالقاسم.. 06-24-15, 09:02 AM, طه احمد أبوالقاسم
- الثورة المهدية الأخرى: او الإمام المهدى الذي مازال غائبا في رحاب الذكرى 130 لرحيل الإمام المهدي بقلم 06-24-15, 01:58 AM, ناصف بشير الأمين
- إعتذار علنى ... مع الإنتظار! بقلم فيصل الباقر 06-24-15, 01:49 AM, فيصل الباقر
- ماهر جعوان /يكتب/ شباب الأمة ماذا بعد؟؟؟ 06-24-15, 01:39 AM, ماهر إبراهيم جعوان
- حل الدولتين بالمنظور الوطني والتاريخي بقلم سميح خلف 06-24-15, 01:21 AM, سميح خلف
- العقل الأمني العربي العقيم بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي 06-24-15, 01:09 AM, مصطفى يوسف اللداوي
- السيسى وبابا الاقباط والاقباط :اشكرى يا انشراح بقلم جاك عطالله 06-24-15, 00:54 AM, جاك عطالله
- أزمة المياه في العاصمة المثلثة.. بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين 06-23-15, 11:07 PM, نور الدين محمد عثمان نور الدين
- جداريات رمضانية (5) بقلم عماد البليك 06-23-15, 10:28 PM, عماد البليك
- منصور من (الجزيرة)!! بقلم صلاح الدين عووضة 06-23-15, 10:15 PM, صلاح الدين عووضة
- دور جديد للبرلمان بقلم الطيب مصطفى 06-23-15, 10:10 PM, الطيب مصطفى
- المحكمة المفقودة ..!! بقلم الطاهر ساتي 06-23-15, 10:07 PM, الطاهر ساتي
|
|
|
|
|
|