|
ثورة الإلحاد د.أمل الكردفاني
|
أصدقاء كثر اتخذوا قناعاتهم بالالحاد في حين بقيت أنا متردداً بين العقل والحاجة إلى إله يستنقذنا من بأس الطبيعة والإنسان. مطالبا بالمعجزة. الآن ثورة إلإلحاد بكل ما تعنيه هذه الكلمة ؛ وهناك ملايين كل عام يدخلون في الإلحاد أفواجا. المملكة السعودية تتصدر موجة الإلحاد ، كازخستان تتصاعد فيها موجة الإلحاد ، السودان ؛ لم يعد الملحدون يخفون أسماءهم وهم يتكاثرون ، أما في مصر فقد أصبحوا قوة لا يستهان بها وأصواتهم تعلوا واتحاداتهم لم تعد خفية . في ليبيا ، الجزائر ، تونس ، المغرب ، يتساقط الإسلام كحبات الرطب . لماذا؟ أعتقد بأن تشويه الإسلام كان صاحب الدور الأساسي ، وهو تشويه جاء من الداخل وليس من الخارج ؛ الحركات المتطرفة ، إتجار الحكومات بالدين ، الظلم وانتهاك حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والأهم من هذا كله جمود الفكر الإسلامي على مستويات الفقه وأصوله ، وتحول الإسلام إلى دين بيروقراطي يهتم فيه المسلمون بالشكل أكثر من المضمون ، دين أفقدوه الروحانيات فاقترب من اليهودية اقترابا شديدا. ثورة الإلحاد ليست ثورة عشوائية ؛ بل هي منظمة ؛ لها أسسها الفكرية وتنظيماتها ولها فوق ذلك قيادات من كبار المثقفين والعلماء . وهي تمتلك القدرة على الاستقطاب الواعي . ويمكننا أن نستعين من التراث الإسلامي بكلمة فسطاط . فهناك اليوم فسطاطان رئيسيان. فسطاط من الدينيين وأشباه الدينيين ، الدينيون متشرذمون ومعاييرهم متفاوتة تأتي في أعلاها الفكر الراديكالي وفي أسفلها أشباه الدينيين وهم أقلية مثقفة تعمل على فكرة وسطية الدين -رغم أن الوسطية كلمة مطاطة من حيث المضمون تتسع وتضيق هي نفسها- وأشباه الدينيين يقفون موقفا صعبا لأنهم مرفوضون تماما من قبل الدينيين ومن قبل اللادينيين . والفسطاط الثاني هم اللادينيون وهم أقلية بدأت تتكاثر وبدات كالمعتزلة تنتظر المناخ الملائم للإنسلال إلى العلن بدون خوف . تمدها الأوضاع الراهنة والبائسة للإسلام بقوة أكبر ، كما أن أن تصرفات وسلوكيات الدينيين أصبحت جامحة بحيث لا تتناسب مع الحضارة الإنسانية لا سيما عند المقارنة بالحريات التي يتمتع بها الإنسان الأوروبي أو في بعض دول شرق آسيا كاليابان وتايوان وكوريا الجنوبية ناهيك عنه في القارتين الأمريكية والاسترالية . يبدو الإسلام اليوم في وضع صعب للغاية والمشكلة الأكبر أن الخطر يكمن في داخل بيئته لا من خارجها كما كان يشاع في السابق. في المقابل لا تعمل المؤسسات الإسلامية على تطوير مفاهيمها بل وتقف عاجزة عجزا شديدا في مواجهة تراث ضخم أحيطت به قدسية زائفة . بالإضافة إلى أن التربية الدينية المنغلقة خلقت عقول منغلقة هي أيضا ومهما منحت من إمكانيات مادية فلن تستطيع أن تنتج مفكرين إسلاميين مؤثرين فكريا كما يطمح له . يقبع الدين الآن في منطقة دنيا هي منطقة الغالبية المسحوقة وغير المفكرة . في حين يقبع الإلحاد في منطقة البرجوازيين والانتلجنسيا . وهذا يؤدي إلى أمرين ؛ الأمر الأول هو أن الحرب غير متكافئة إذا نظرنا لها على المستوى الفكري لأن قيادات الإلحاد أكثر معرفة ومرونة وقدرة على تأكيد وجهة نظرهم وزعزعة ثقة الدينيين في معتقداتهم بل وأن الكثير من الدينيين سيحاولون التشبه بتلك القيادات لتأكيد تحولهم من جهلاء إلى مفكرين وهكذا تتسع دائرة الاستقطاب الإلحادي (مع ضرورة التمييز بين الإلحاد واللا دينية) وتضيق دائرة الدين. ولكن من جهة أخرى لا يمكننا أن نهمل أن تموضع الدين في الطبقة المسحوقة يمنحه دعما للثبات لأنها الأغلبية ولأن هذه الطبقة تحتاج إلى وجود الله ليعينها على قسوة الحياة . وهذا يفسر لنا لماذا ينتشر الفساد عند الدينيين عندما يصلوا إلى السلطة . فهنا يفقد الله الحاجة إليه في نظرهم في مقابل السلطة التي تلعب الدور الإلهي في إنتشال الشخص من الفاقة والعوز إلى الغنى والصيت ويتحول الدين إلى هوية سياسية فقط. (يتبع)
mailto:[email protected]@hotmail.com
|
|
|
|
|
|