|
تناقضات ومغالطات سيد الخطيب وحسين خوجلي تؤكد جهلها بالشعب السوداني..!!. خالد ابواحمد
|
يمارسا تغبيش الوعي وليّ عنق الحقيقة بجدارة يُحسدا عليها..!!.
تناقضات ومغالطات سيد الخطيب وحسين خوجلي تؤكد جهلها بالشعب السوداني..!!.
خالد ابواحمد
لا يشك أحد من غير عضوية الحزب الحاكم وهم الغالبية العظمى من الشعب السوداني بأن منظري وقادة، وخُبراء حزب (المؤتمر الوطني) يمارسون علينا الكذب والدجل والشعوذة السياسية، يحسبون بأنهم يحسنون صنعا، لذا انهارت مقومات بلادنا الاقتصادية الانتاجية والثقافية وانهارت قيم المجتمع السوداني، وبعد أن أصبح الحال ماثلا للجميع، وتعرت العصابة الحاكمة أيقن قادتها بأن السودان أصبح قاب قوسين أو أدنى من الأنهيار الكامل.. ولكن..!!.
شهدت نهاية الاسبوع المنصرم عودتي لمشاهدة القنوات السودانية بعد انقطاع دام أكثر من 18 شهرا متواصلة، وقبلها كانت هناك مقاطعة طويلة لقناعتي بأنها تمارس الكذب والتدليس والغش، فضلا عن تجهيل المواطنين في كافة مناحي الحياة بدلا عن الارتقاء بهم، ورجعت للمشاهدة لأسباب موضوعية تمر بها البلاد، لمعرفة الكثير من الآراء التي تهمني كصحفي وكاتب، وكنت ولا زلت أعتقد بأن قنوات السودان الفضائية ومن خلال أخبارها وتقاريرها وبرامجها السياسية مبنية على الكذب والتلفيق وعداوة الذين يختلفون مع الحزب الحاكم في الرأي والمعتقد، وبعد هذه الفترة من الانقطاع شاهدت قناة (أمدرمان) وتحديدا برنامج الزميل حسين خوجلي، وحسينا تربطني به الكثير من العلاقات الأخوية وعلاقة الزمالة، وودنوباوي العزيزة، وربطتني بحسين خوجلي محبة لهذه الأسرة التي انجبت الفقيد عبدالإله خوجلي، ولكل آل خوجلي المحبة والتقدير من لدن د. حيدر، وشيخ العرب الاخ العزيز عبدالله خوجلي وحسين، ثم آخر العنقود طه خوجلي.
وفي انتخابات 1986م كنت ضمن الفريق الانتخابي للاخ حسين خوجلي الذي ترشح في هذه الدائرة التي فاز فيها محمد عثمان صالح، ثم عملت فترات متقطعة في صحيفة (ألوان) وكنت الصحفي الوحيد الذي غطى أحداث المفاصلة بين (المنشية و(القصر) و مرافقا للدكتور الترابي في الزيارة التاريخية لبورسودان التي صادفت يوم المفاصلة التاريخي عندما تم الاعلان عن حل الامانة العامة للمؤتمر الوطني، ثم كنت مرافقا للدكتور علي الحاج محمد لعدد 10 ولايات لشرح أسباب المفاصلة للقيادات القاعدية في الولايات والمُدن، وكنت انقل ما دار في كل هذه اللقاءات السرية منها والعلنية لصحيفة (ألوان)، فعلاقتي بصاحبها معروفة لعدد كبير من الزملاء الصحفيين لكن هذا لا يمنعني بأي حال من الأحوال من قول الحقيقة.
مع حسين خوجلي..!!
شاهدت حلقتي (الاربعاء والخميس) من برنامج (مع حسين خوجلي) و كانت دهشتي كبيرة لأن الاخ حسين مارس نوعا من التجهيل وتغيش الوعي على المشاهدين هو ما اعتبره عيبا كبيرا من صحفي كبير، هذا التجهيل يمارسه عادة سياسيو الحزب الحاكم، وكل قيادات الأنظمة الشمولية التعسفية لكن كونه يأتي من صحفي وصاحب مؤسسات اعلامية وصحفية..لم أتوقعه البتة، لأن حسينا قد اعتقل كثيرا بسبب جهره بالحقيقة، وأستدل بحديثي هذا بنقطتين:
الأولى- ان حسين خوجلي في الحلقتين المشار إليهما ساوى بين الضحية والقاتل، عندما وضع النظام الحاكم والاحزاب والحركات المسلحة في كفة واحدة، إذ حمّل خوجلي كثيرا على حركات التمرد في دارفور، والحقيقة التي يعلمها الجميع أن الحركات المسلحة لم تحمل السلاح إلا بعد أن قال الرئيس عمر البشير قولته التاريخية المشهورة والمؤثقة "لا نفاوض إلا حاملي السلاح" وعلى أثر ذلك خرج أبناء دارفور من الحكومة التي كانوا فيها وزراء ومسؤولين، وأسسوا معسكرات التدريب لأنهم أدركوا من دعوة الرئيس أن حامل السلاح بالفعل هو الذي تتفاوض معه الحكومة.. حدث ما حدث والجميع يعلم بذلك، ولفائدة القراء أنشر في نهاية هذا المقال المذكرة التاريخية التي رفعها أبناء دارفور للرئيس عمر البشير بعد أن رفض الجلوس معهم، ونشرتها صحيفة (الخليج) الاماراتية بواسطة مراسلها في الخرطوم الزميل محمد الأسباط.
وحسين خوجلي تعمّد بشكل واضح أن يضع الحركات المسلحة في موقف الخطأ دائما، وفي حلقة الخميس 6 فبراير كرّر ذات الفعل مناديا قادة الحركات الدارفورية واحدا تلو الآخر د. جبريل، عبدالواحد، ومناوي، مستعطفا اياهم بأن دارفور لم يعد فيها ما يقاتلون من أجله، وتعمد خوجلي أن لا ينادي النظام الحاكم بوقف الحرب في دارفور، والحقيقة الساطعة مثل الشمس أن النظام في الخرطوم هو الذي بدأ الحرب في دارفور وهو الذي قتل الناس في إبادة جماعية تاريخية أصبحت وصمة عار في جبين الانسانية، حسين خوجلي عندما يمارس ها النوع من ليّ عنق الحقيقة يزيد من مشاعر الكراهية تجاه الحاكمين والمؤيدين والمتعاطفين معه والمتكسبين منه، والمنطق يقول أن الدولة إذا أوقفت الحرب تلقائيا أن المقاتلين المتمردين سيضعون سلاحهم أرضا، ومن الغريب جدا أن حسين خوجلي أثناء قراءته لما جاء في الصحف قراء بأن "الحركات المسلحة في دارفور أعلنت وقف اطلاق النار من جانب واحد"، وهذا يؤكد بأن الحركات المتمردة لم تتمرد إلا أن أبواب الانصات قد اغلقت أمامهم.
ويأتي تناقض حسين خوجلي الواضح أنه عندما سرد قصة الرجل الذي تعرض للظلم بسبب الأرض خاصته، وقد انصفه القضاء السوداني إلا أن مسؤول متنفذ قد استولى عليها، قال خوجلي "إلا أحمل كلاشنكوفي حتى أحصل على حقي"؟؟!!!؟
وأقول لحسين خوجلي ..نعم ولذلك الناس في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق تمردوا لأنهم شعروا بمثل ما شعرت به انت، بأن الحق المغتصب لا يرجع إلا بحمل (الكلاشنكوف)، لذلك يا حسين خوجلي ليس من العدل أن تطالب الحركات المتمردة بوضع سلاحها، بينما طائرات الجيش السوداني تحلق في السماء تمطر المواطنين العُزل بحمم النيران، والتي يموت بسببها كل يوم العشرات من المواطنين من النساء والأطفال والعجزة.
سيد الخطيب..وكتابة الخطاب الرئاسي..!!.
في حديث للإمام على - رضى الله عنه وكرّم الله وجهه – قال " تكلّموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه"،وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمه العباس - رضى الله عنه - يعجبنى جمالك ياعم، فقال "وما جمال الرجل يارسول الله ؟ قال - صلى الله عليه وسلم "جمال الرجل لسانه".
القيادي بالحزب الحاكم سيد الخطيب تحدث في برنامج الزميل الطاهر حسن التوم..كذبا وتدليسا وتجهيلا للمشاهدين عبر قناة (النيل الأزرق) كذب عندما أبعد مسؤولية قادة الحزب من حديث (المفاجأة) التي بشروا بها المواطنين، ورمي حديث المفاجأة في ملعب المواطنين والصحافة بينما لفظة (المفاجأة) جاءت من قيادات الحزب الحاكم، فالصحافة لا يمكنها ألبتة أن تؤلف شيئا من عندها، ولا حتى المواطنين المغلوب على أمرهم، لأن ذلك لا يستقيم عقلا، فإن الثابت للجميع أن الحزب الحاكم عندما شعر بالإحباط العام وسط السودانيين سرب للصحافة خبرا مفاده بأن الرئيس عمر البشير لديه مفاجأة..!!.
التدليس والتجهيل الذي مارسه سيد الخطيب في قوله الممجوج والسمج ينفي فيه كتابته للخطاب الرئاسي ثم يؤكد في مكان آخر بأنه من كتب الخطاب مع مجموعة كبيرة من المشاركين في لجنة إعداد الوثيقة، فيقول "لم توكل إليَّ صياغة الخطاب والخطاب أعقبه إحباط لأن الناس توقعوا تحولاً كبيراً لكنه خطاب تاريخي وملابسات كتابة الخطاب تخللتها مراحل والمؤتمر الوطني كان عاكفاً على إعداد وثيقة متكاملة. والخطاب أشار إلى ذلك وقال إن المرحلة كان مؤمناً عليه في العام 2005 لكن نسبة لاتفاقية السلام الشامل والرئيس تحدث عن أسباب التأخير وتوقعات الناس للخطاب حدث تأثير كانت هنالك تصريحات وصار الإعلام يتحدث عن مفاجأة، وكالعادة في التناول الصحفي ذهبت التخمينات الحديث عن حكومة انتقالية وأسعار الوقود وتنحي الرئيس لكن أعتقد أن محتوى الخطاب أهم.. أنا أعتقد أن محتوى الخطاب مهم جدًا لكن التخمينات ذهبت إلى غير ذلك، وغندور نفى ذلك ونفى وجود مفاجأة ومع ذلك الناس انتظروا المفاجأة وقلت لأحد الأصدقاء (إذا كانوا ينظرون شرقًا لن يروا الهلال كان هناك عدم تصويب لترقب المفاجأة)".
ويرى القارئ عبارات سيد الخطيب:
-أعتقد أن محتوى الخطاب أهم.
-أعتقد أن محتوى الخطاب مهم جدًا.
والغريب أن سيد الخطيب قد فضح حزبه المفضوح دائما عندما أكد بأن جيش عرمرم كان قد كتب الوثيقة من لجان متعددة وشخصيات كثيرة قامت على كتابة الوثيقة التي ولدت من رحمها الخطاب الرئاسي..ويقول في هذا الصدد:
"هناك جهد كبير لم يحدث في تاريخ المؤتمر الوطني أن عكف على هذا العدد من اللجان واتخاذ إجراءات إصلاحية وهذا ورد في خطاب الرئيس ودعوة الأحزاب ليس هناك تعجب هناك عمل ضخم وراء الخطاب من شارك في إعداد الجوهر عدد كبير وأنا أحدهم وطبيعي".
وسأل الزميل الطاهر التوم سيد الخطيب عن المضامين الجديدة في الخطاب الرئاسي أجاب الخطيب بالآتي:
"لغة غير معقدة، ونحن في المؤتمر الوطني نعتقد أنها عتبة مرحلة تاريخية والجهد الحزبي مسألة الصياغة إلا إذا كان الناس يريدون أن يقصروا المناسبات على أنها تفت في جلباب معين ضاق أو اتسع وهذا تحكم وأعتقد أن فيه شيئاً من إساءة الظن".
وحول الغموض في الرؤية التي تضمنها الخطاب قال الخطيب:
" أنا أنفي هذا الاتهام وما رمى إليه الرئيس واضح".
لكن حقيقة الأمر التي استبانت للجميع أن الكثير من الكلمات والعبارات والجمل في الخطاب الرئاسي كانت بلا معنى واضح يعتقد فيه المواطنين أمرا حسنا، لكن رأينا الدهشة وقد ارتسمت على وجوه الجميع، مثلا عندما يتحدث الخطاب عن (وثبة) ولم يوضح اتجاه هذه الوثبة ومضمونها، ومكان انطلاقها ونقطة الوثوب، الخطاب كان عبارة عن حشو من الكلمات الكبيرة ذات الصوت العالي فارغة المضمون، وفي اعتقادي هذه نتيجة طبيعية فإن كل الذين يعتاشون من نظام القتل اليومي والظلم والاغتصاب والسرقة والنهب لا يمكن أن يوفقهم الله في شئ، وهذا مبدأ عقدي (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، لذا نجد التضارب في الأقوال والنفي والتأكيد، وتأكيد النفي، وتصريحات تضاربة مرة من غندور ومرة من أحمد ابراهيم الطاهر..إلخ.
وإذا قدمنا نموذج من الكلام غير ذي معنى وللاستهلاك السياسي والاعلامي يقول سيد الخطيب ومن واقع الخطاب الرئاسي "....والخطوة التانية مسألة النهوض بالوطن دعوة كبيرة يجب أن يكون الوطني حزبًا ناهضاً في وطن ناهض عشان كده من هذه الوثيقة ومن التحولات الإيجابية ويجب الربط بشكل وثيق بين طموحاتنا كحزب وطموحات الشعب السودان"..!!.
والقارئ العزيز قد استمع وشاهد الخطاب الذي لم يخلو من عبارات جوفاء كهذه، لذلك خرجت القوى السياسية وهي لا تعرف إن كان الخطاب موجها لها أم موجها للجماهير..!؟.
مركز الدراسات الاستراتيجية
المهم قوله في هذه السانحة أن قناة (النيل الأزرق) في برنامج (حتى تكتمل الصورة) كتبت تعريفا للمتحدث سيد الخطيب – رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، وحقيقة وقفت كثيرا عند هذا التعريف، وتذكرت أيام كان هذا المركز يعج بالحركة بداية التسعينات منذ أيام د. سيف الدين احمد محمد وبهاء الدين حنفي ود. هاشم التني، كان يعقد الجلسات ويصدر التقارير السنوية في المجالات المختلفة، والسودان يكاد يكون الدولة الوحيدة في محيطه لا يعرف لها الخبراء والاعلاميون والمختصون مراكزا للدراسات، للأسف الشديد..!!.
لكن مركز الدراسات الاستراتيجية في الخرطوم الذي أصبح مصدر عيش لسيد الخطيب ولعدد من العطالة لا يُعرف له نتاج، حتى وإن كان له نتاج لم نجد تأثيره على أرض الواقع ويمكننا ضرب أمثلة كثيرة لذلك مثلا وزارة خارجيتنا يقودها تاجر أسمنت وحديد ومواد بناء، ويحتكر السوق لسنوات طويلة وعندما كشفت ذات مرة في هذا الموقع عن تجارته التي يمارسها وهو على رأس الوزارة في أول لقاء صحفي معه لم ينفي بل أثبت المعلومات التي نشرناها بل طلب من الله ان يزيده وان يبارك له..!!.
لذلك أضمحلت دبلوماسية السودان كثيرا وأصبحت تتقاذفها أمواج العشوائية في اتخاذ القرارات تتحالف مع عدو البلاد والمنطقة، وفي ذات الوقت تغازل أهل المحور الآخر، وتحلف بالله ان قلبها معهم، وبينما سواحل بلادنا تحمل سفن حربية مسلحة للمحور المقابل المعادي...!!.
التجارة الخارجية، والتعاون الدولي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، كلها أمور (استراتيجية ) لكنها في يد شخص واحد ليس له علاقة بالاستراتيجيات ولا بالدبلوماسية، ومركز الدراسات الاستراتيجية في الخرطوم مثله وباقي الكثير من المؤسسات في السودان أصبحت دُور رعاية اجتماعية توفر (المعاش) للكثير من كوادر النظام، الذين يُخاف من طولة لسانهم مثل سيد الخطيب الذي عندما أولي مسؤولية رئاسة تحرير صحيفة (الانقاذ الوطني) في بداية التسعينات استنكر قرار توليه هذا المنصب اذ رآه تقليلا من شأنه، وما كان يخشى أحدا من الناس صغارا او كبارا يشعل سيجارته غير عابئ بأحد، وكان حديث مجتمع الصحافة والاعلام، في (شجاعته) وعدم خوفه من كبير، لذا بقي في منصبه مديرا لهذا المركز لسنوات طويلة.
شتان بين هذا وذلك..!!.
المتابع للجهد الكبير والعظيم الذي يقوم به الدكتور حيدر ابراهيم مدير مركز الدراسات السودانية من جهد علمي وبحثي وسياسي واجتماعي يقف المرء عنده بالفخر والاعتزاز، ومنذ تعرفي على هذا المركز قرأت له العديد من الدراسات وفي مكتبي في المنزل نسخة من التقرير السنوي الذي أصدره المركز عام 2008م، وهو عبارة عن عمل ضخم يستحق الشكر والثناء من كل السودانيين لما فيه من دراسات تزخر بالمعلومات والأرقام الاحصائيات، هذا فضلا عن الكتب والمقالات البحثية والعديد من الفعاليات التي قام ويقوم بها، هذا برغم محاربته من قبل النظام في السودان، وتوجيه الاحقاد عليه من المرضى النفسيين ومرتزقة الكتابة، لكنها لم تفت في عضد الاستاذ حيدر ابراهيم، وشتان ما بين المركزين، وامكانيات كل مركز، وهنا تمكن المفارقات مركز تسخر له الدولة كل الامكانيات المالية واللوجستية والمعنوية والمعينات، وليس له أي نتاج ملموس أو محسوس، بينما المركز الآخر الذي يقف عليه الاخ الدكتور حيدر ابراهيم ملء السمع والفؤاد والبصر، لأن الرجل له قضية يعمل من أجلها سنوات عديدة، قضية آمن بها لأنها قضية شعب يعاني من الظلم والقهر والقتل والتنكيل.
بينما سيد الخطيب ليس له قضية غير أنه يعتاش من المركز، ويبرز وجوده الاعلامي في الحزب الحاكم ودوائر الرئاسة والدبلوماسية التي عرفت بالعشوائية و(رزق اليوم باليوم).
وخلاصة القول أن محاولات ليّ عنق الحقيقة والكذب على المشاهدين لخلق رأي عام في قضية معينة لا يخدم قضية السودان بل العكس تماما تزيد الأحوال سوءا وهذا ما تريده العصابة الحاكمة الكاذبة التي تملا الاجهزة الاعلامية ضجيجا بعبارة (الحوار) بينما الطائرات تضرب وتقتل في أماكن متعددة في البلاد، وأن محاولات تغبيش الوعي لا تنجح لأن الشعب السوداني شعب قارئ وواعي ومتفهم ومدرك تماما لكل ما يصدر عن اجهزة اعلام الحزب الحاكم، وأن الذين يفترضون بأن الشعب لا يفهم وأن البرامج التلفزيونية التي تضرب على وتر المناداة بوقف الحرب كذبا، لا يمكن أن تفوت على هذا الشعب المعلم.
7 فبراير 2014م
(وثيقة نادرة)
مذكرة أبناء دارفور للرئيس عمر البشير مارس 1999م
في يوم الخميس الموافق 18 مارس 1999م نشرت الصحف العربية ومن ضمنها (البيان) الاماراتية فحوى المذكرة التي رفعها ابناء دارفور المقيمين في الخرطوم نحو 1300 شخصية وقعوا عليها والتي رفعت الى رئيس الجمهورية بينهم دستوريون سابقون وطلاب ومهنيون واعيان ادارة اهلية ومثقفون، والمذكرة تلخص بكل وضوح وشفافية قضية أهل دارفور وهي كما يرى القاري شملت فأوعت، وقد اجتهد كاتبوها في تضمين همومهم ، ولم تكن المذكرة الأولى ولا الاخيرة التي يرفعها اهالي دارفور الي قادة الدولة، والامر الذي لا بد من الانتباه اليه ان تاريخ رفع المذكرة الاسبوع الاول من شهر مارس 1999م فهذا التاريخ سيقودنا الي تفنيد الكثير من ادعاءان النظام القائم في السودان عندما يرمي مسئولية الاحداث الي جهات اخرى والى ملابسات اخرى ليس لها اي صلة بالصراع في دارفور، وهذه المذكرة التي انشرها كاملة أشارت اليها صحيفة الخليج (الاماراتية) أما الصحافة السودانية ونسبة للحصار الأمني عليها لم تتمكن من نشر المذكرة كما نشرتها الصحافة الخليجية، ونشرتها وكالات الانباء ومن ضمنها وكالة أنباء الشرق الاوسط التي تابعت الاحداث أولا بأول.
وجاء في المذكرة الآتي:-
استشعارًا منا للمسئولية الوطنية للسودان الوطن الام الجامع وتجاه وطننا الصغير دارفور بمتطلبات واجبات المسؤولية الانسانية والتاريخية امام الأجيال اللاحقة باختلاف أصولنا العرقية وانتماءاتنا القبلية والسياسية وموروثاتنا المحلية المتعددة. رأينا نحن مواطنو دارفور الكبرى بالعاصمة الاتحادية (طلاب ومهنيون وبرلمانيون سابقون واعيان وزعماء ادارات اهلية) الموقعون على هذه المذكرة ان نرفع لسيادتكم ما فيها من مطالب بواجب الدين الحنيف في قوله تعالى (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله عليكم رقيبا). صدق الله العظيم
السيد / رئيس الجمهورية:
هذه المذكرة تحتوي على الموضوعات الآتية:
أولا: المشكلات القبلية بدار فور من حيث: أ- تاريخ وأسباب هذه المشكلات ب- الصراع القبلي بمنطقة الجنينة بولاية غرب دار فور ج- جدوى التدابير الاستثنائية بدار فور ثانيا التنمية بدار فور من حيث: أ- تصفية مشاريع التنمية وتعطيل الخدمات بسوء تصريف المال العام وإساءة استخدام السلطة. ب- طريق الإنقاذ الغربي ج- النهب المسلح ثالثا: التعايش السلمي بدار فور المشكلات القبلية بدار فور أ- تاريخ وأسباب هذه المشكلات:
في عام 1981 تطور قانون الحكم الشعبي المحلي بالسودان بخلاصة ماحدده دستور عام 1974م وفي اهم مبادئه هيكلة الحكم والإدارة على المستويات الثلاثة:
1- المستوى القومي.
2- المستوى الإقليمي.
3- المستوى المحلي، وانه ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ظل نظام الحكم الشعبي المحلي من المسلمات الدستورية في شرع الحكم وسماته الأساسية بالدعوة للتوسع في تطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية وتدعيم مبدأ الديمقراطية الشعبية والمشاركة الجماهيرية.
والمؤسف حقا أن قوانين الحكم المحلي بدار فور لم تجد التطبيق الفعلي أسوة بالمناطق الأخرى حيث كان ولا يزال المركز يضع العراقيل بما لا يتفق مع السمات العامة للقوانين السارية وكأن ذلك بمثابة تعطيل لتطبيقه بدار فور. ثم أن إهمال الحكومة للتنمية وسياستها هي التي أوجدت الخلل الأمني وكرست المشكلات القبلية، فهيأت الظروف السيئة بين القبائل وكانت نتائجها العنف والاقتتال القبلي والتمزق الاجتماعي فلم تسلم الموروثات المحلية التي ظلت لمئات السنين مفخرة جامعه لأهل دار فور ومتوافقة مع الدولة المدنية الحديثة ومواكبة للتطوير.
والمؤسف أكثر أن الدولة قد بذلت الجهد الأكبر في إعادة القبلية وتعطيل المؤسسات المدنية بجانب إعطاء المشروعية والمسؤولية للقبيلة بدار فور وأوكلت إليها المهام الإدارية والأمنية وباركت تحت إشرافها تسابق القبائل في تجميع شتاتها استعدادا للمناطحة في الحق على الأرض والمكتسبات السياسية وحماية ذاتها من أخطار الأخريات. وقد انتظمت هذه القبائل في مؤسسات عرقية بتشجيع السلطة وإشرافها، فأسست أماناتها المتخصصة وهيآتها الاستشارية وتنظيماتها التي أوجدت لها التمويل واستقطبت لها الاشتراكات وإلى جوارها مضت الدولة في تقليص دور المؤسسات المدنية وتشريد كفاءاتها. وقامت بإعادة تقسيم وترسيم الأرض حواكيرا للقبائل ولم تراع في ذلك خصوصيات الإدارة الأهلية بدار فور بما يتطلب مراعاة الحدود القبلية والإدارية للعشائر والمتعارف عليها منذ استقلال السودان. فنظرت القبائل للأرض من حيث نطاق حقها التاريخي والمكتسب خاصة وان الدولة قد أظهرت القبيلة والعشيرة جسما سياسيا متماسكا فيها مصلحة مشتركة لأفرادها أقوى من روابط العقيدة وغيرها من العلاقات الإنسانية الأخرى حتى بدأ المواطن البسيط يعطي أعمال العنف والنهب المسلح والاعتداء القبلي صبغة من المشروعية طالما تم ذلك في إطار الغطاء والعطاء القبلي.
ورغم ان الفيدرالية ظلت مطلب كل السودان إلا أن تطبيقها دون مراعاة لخصوصية دار فور وموروثاتها الإدارية والقبلية ونقل تجارب المناطق الأخرى مع الإصرار عليها رغم ما نتج عنها من سلبيات عمقت الشقة بين القبائل ومن خلالها نظرت القبائل بدارفور للتنظيمات التي تمت في اطار الحكم الفيدرالي من ولايات ومحافظات ومحليات من حيث سلطتها الإدارية وثقلها الاقتصادي والاجتماعي وتواجدها الكمي، فأذكى ذلك الثغرات الضيقة فباتت تنظر للسلطة ممثلة في شاغليها على أساس انهم يمثلون أصولهم العرقية في مواقع اتخاذ القرار السياسي حيث وضح ان روابطها أقوى بكثير من روابط العقيدة فهي على الأقل الشيء الوحيد الذي يستطيع فيه الجميع تناسي كل شيء والاحتراب من أجل اللاشيء بما يمكن أن يفضي لحروب قبلية طاحنة تطال الجميع وتقضي عليهم. ولعدم وجود أكثر من طرح سياسي يستوعب طموح وتطلعات السياسيين في ظل سلطة الانقاذ بخاصة في المناطق التي يتواجد فيها خليطا من القبائل بدارفور، كان العامل الأكبر في اذكاء نعرة القبائل بنظرتها لمعظم الدوائر الانتخابية التي جرت فيها الانتخابات للمرشح على انه يمثل مرشح القبيلة والقبائل المتحالفة معها.
وكشفت الدائرة (90) أبو كارنكا ـ الضعين لعضوية المجلس الوطني 1996م فداحة ما خلفتها سياسة الانقاذ بدارفور حيث قام بعض المواطنين بالاعتداء على مراكز الفرز وأخذ صناديق الاقتراع عنوة واقتدارا، ولولا قدرة الله ولطفه لحدث مالا يحمد عقباه كل ذلك لم يجد التقييم السليم حيث تعاملت السلطة مع تلك الأحداث المؤسفة ببساطة متناهية بالغاء نتيجة الدائرة على أساس حدوث شغب على ان يعاد بها الاقتراع لاحقا. وذلك ما لم يحدث حتى الآن، فوقفت السلطة شاهدة على ذاتها بخطورة الظروف السيئة التي أوجدتها سياستها بين القبائل بدارفور. أما السكوت الجماعي فكان عملا اجراميا بحق مواطني الدوائر المسكوت فيها بدارفور إذ تضمن السكوت ترضيات وتوفيق لمصالح ضيقة واطماع عنصرية واسكاتا لأصوات في اطار توزيع الغنائم، حيث لم تكن الكفاءة والمزايا والصفات المطلوبة في النائب البرلماني من ضمنها بأي حال من الأحوال، وحيث لا نظم مؤسسية تضبط الترقي السياسي في الانقاذ وجد بعض المثقفين وحملة الشهادات من أبناء دارفور في هذا الفهم المغلوط واستجابة السلطة الآنية بمكافأة من يتصدرون المواقف وتعلوا أصواتهم بالمطالبة لمناطقهم المهمشة بالتنمية والثروة والسلطة بالمنصب الرفيع ما شجع الطامحين بدوافع ذاتية المكاسب فتولدت من المشكلات المصائب والويلات.
ب/ الصراع القبلي بمنطقة الجنينة (بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية) من سياسة اعادة ترسيم الأرض بين القبائل وانشاء الادارات الأهلية الجديدة (الأمراء) خرجت الفتنة بغرب دارفور من حيث لا يحتسب أحد وستفضي إذا لم تدرك لتشمل الجميع، ثم ان ما يجري الآن بالجنينة من تقتيل وتشريد هي مسؤولية السلطة الاتحادية أسبابا ونتائج حيث افرز نقل تجارب المناطق الأخرى (الأمراء) والتي جاء بها والي غرب دارفور الأسبق/ محمد أحمد الفضل في عام 1995م من كردفان لمنطقة الجنينة بالمسطرة الكارثة المشهودة الآن (شبيهة بالجرة التي وضعت بين جماعة من الصيادين ليتنافسوا على ما في داخلها من كنز فتقاتلوا فيها حتى ماتوا جميعًا إلا واحدا منهم وبقي حيا ليظفر بها ويدخل يداه داخل الجرة ليجد فيها حية سامة لدغته ومات في الحال) يا الجنينة بؤرة الفتنة والتمزق والقتل الجماعي في اللاشيئية الحقيقية وعظمة الأوهام.
ثم جاءت القرارات الكثيرة والمتلاحقة دون الوقوف على خبايا وحقيقة الملابسات ودراستها وتقييمها بالعلم والمعرفة ثم علاجها فأخذت القرارات تخرج مجافية للمصلحة العامة وكان بعضها قرارات تخض على الفتنة بين أهل دارفور وتدفع بالحركات المعاكسة التي أخذت تطل برأسها. وكان لتكريس الجهل والأمية والتخلف والاحتراب القبلي بتسييس القبائل ونظرتها للادارات الأهلية في مظهرها الجديد بأن فيها مكاسب سياسية وسلطوية الدور الأكبر ما دفع تلك القبائل لتناسي تعاليم دينها الحنيف وقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير) صدق الله العظيم. فلم تلتفت لتنظر لتسابق الأمم والشعوب نحو الرفاهية والازدهار بروابط العلاقات الفكرية والانسانية والتكتلات الاقتصادية. فاحرقت القرى والفرقان وازهقت الأرواح ودمرت الحياة البريئة ومزقت الوشائج وقطعت العهود، فتخلخل النسيج الاجتماعي المتماسك بما سيؤدي قطعا في المستقبل إذا لم يتم تدارك الأمر بايقاف اندماج عناصر دارفور العرقية المتباينة مما ينعكس بعد ذلك سلبا على وحدة السودان وقد تهيأ الجميع قوة وعتادًا.
ج/ جدوى التدابير الاستثنائية بدارفور: ومنذ مجيء الانقاذ للسلطة في 1989م وحتى الآن لم ترفع حالة الطوارئ من دارفور حيث يد السلطة طليقة في دخول الأماكن العامة والخاصة والتفتيش دون إذن أو أمر، وتحديد اقامة وحركة تجوال المواطن، والاستيلاء على الأموال والممتلكات الخاصة بحجة اغراض الطوارئ وملاحقة جناة عصابات النهب المسلح، حيث تم استخدام سلطة الطوارئ بأبشع صور الاستخدام ووجدت السلطة عندما تحتاج لمزيد من القمع وبأشرس الوسائل دون ضابط أو حسب ضآلتها في ذلك (الطوارئ)، فكان اعلان الطوارئ مع تعيين العقيد/ الطيب ابراهيم محمد خير حاكما على دارفور الكبرى في أوائل التسعينات، فاستبيح حرمة الأماكن الخاصة وتم انتهاك حقوق المواطنين وملاحقة الأفراد بواسطة أصحاب الأغراض المريضة بحجة الاشراف والمحافظة على شؤون العقيدة الإسلامية، ونورد من تلك التجاوزات المتعددة مقتطفات من أمثلة متنوعة:
1 ــ تم تسور منزل مواطن بالفاشر يعمل في خدمة العدالة والقانون ودعا من قاموا بذلك لمسيرة كبرى باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاطبها الحاكم بالقول بعد التعريض بالمهنة التي يعمل بها الضحية (بانه تم القبض على ذلك المواطن عاريا كما ولدته أمه) وبث الخطاب عبر أجهزة الإعلام المحلية المسموعة والمرئية.
2 ــ تم ايقاف حركة المواطنين بالسيارات (عرف بصمت الحركة) كل أسبوع ابتداء من ليلة الأحد وحتى صبيحة الثلاثاء فتعطل مصالح الناس وكان ذلك بحجة توفير الوقود استعدادا لتحمل المشاق ومحاربة أمريكا، ثم أصبح السماح للمواطنين باستخدام السيارات يوم الصمت (الاثنين) كل أسبوع عن طريق تصديق برسم مالي.
3 ــ تم ازالة بعض منازل المواطنين لأغراض بيع الأرض في خطط استثمارية دون سابق ترتيب وعندما أوقفت المحكمة المختصة تلك الاجراءات لم تعترف بذلك سلطة الطوارئ.
4 ــ تدخل أصحاب النفوس المريضة باسم الاصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أخص خصوصيات المواطنين وكادت أن تحدث الفتنة الدينية عندما لاحق هؤلاء مواطنا بجنوب دارفور (اسمه يوسف) من أم عربية مسلمة وأب مسيحي قبطي بالحبس والجلد لعلاقته بفتاة مسلمة أفضت بالزواج. هذه الأمثلة لكثير مما يحدث بدارفور اكدت أن الطوارئ يؤتى بها لاطلاق يد السلطة دون قيود القانون، فكانت الطوارئ بدارفور في أواخر عام 1997عند نهاية مؤتمر الأمن الشامل بنيالا، ثم الإعلان الثالث في عام 1998م عقب السطو على بنك السودان فرع نيالا وأخيرا وليس آخرا مع أحداث تياريك بولاية غرب دارفور حيث تم تعليق سلطات والي غرب دارفور الأمنية واسناد مهامه لحفظ الأمن والنظام لممثل رئيس الجمهورية.
السيد رئيس الجمهورية
لعل كل الذين تابعوا واستمعوا لتصريحات السيد ممثل رئيس الجمهورية لشؤون الأمن والنظام العام بولاية غرب دارفور (الفريق الدابي) وجدوا في كل تصريحاته وبياناته مع تقديرنا الشديد له ما يمكن ان يقال عنه صب الزيت على النار، حيث لم تشتمل على الجوانب المطلوب بيانها، حيث سار وبكل أسف في ذات الاجراءات والحلول السابقة التي أخذت ذات الوتيرة القديمة (تسابق في الادلاء بالتصريحات والبيانات حول الحدث وسط حظ من التغطية الصحفية والإعلامية الكثيفة فتكوين لجان المساعي الحميدة مصحوبة بالدعوة لعقد مؤتمر صلح جامع بين الأطراف لحضور كبار المسؤولين بالدولة فحضر العلاج في تجميع الديات، والتعويضات لتوزيعها على المتضررين. وحيث شكك بعض أهل دارفور في الظروف والاجراءات التي جاءت بالفريق الدابي ممثلا لرئيس الجمهور لشؤون الأمن والنظام العام بولاية غرب دارفور وبأن فيها تكريس لنظرة الوصاية المعروفة والمرفوضة عند انسان دارفور يدعمون رؤيتهم تلك بما صحب وصول الفريق الدابي لولاية غرب دارفور من امكانيات ضخمة لم تتوفر لمن سبقوه وفي ذات الوقت تم حبس منسق ولاية غرب دارفور بالخرطوم بحراسة الخرطوم شمال لارتداد شيك من حساب الولاية لعدم وجود رصيد. نجد في اعلان الفريق الدابي عن تشكيل محاكم طوارئ خاصة بأحداث الجنينة الأخيرة لملاحقة المشتبه في تورطهم جنائيا ما سيؤدي احكامها إذا قدر لهذه المحاكم ان تنعقد وتصدر أحكاما بشأن هذه الأحداث ما سيؤدي لزيادة الاحقاد واثارة روح النقمة والانتقام، حيث لا تتوفر لهذه المحاكم سوى بيئة الخصومة التي يتطوع أطراف النزاع في تقديمها ضد الآخر.
3/ التنمية بدارفور أــ
تصفية مشاريع التنمية وتعطيل الخدمات بسوء تصريف المال العام واساءة استخدام السلطة. دارفور بولاياتها الثلاث تغطي الجزء الغربي من السودان وتمثل مساحتها (خمس) 1/5 مساحة السودان، أرض بكرة صالحة للزراعة، أما تعداد سكانها حسب آخر احصائية سنة 1999 قد بلغ أكثر من أربعة مليون مواطن يعيشون على الزراعة والرعي في الريف وسكان المدن يعيشون على التجارة والتوظيف الحكومي والمهني. ان أكثر ما تعاني منه ولايات دارفور النقص الحاد في خدمات التنمية وأدوات التعليم والصحة في حالة احتضار تام وتلفظ أنفاسها الأخيرة حيث وضح ان ولاة الأمر بدارفور مهمومون ومشغولون بكل شيء إلا شؤون مواطن دارفور وحقه في التنمية والحياة الكريمة. وطوال عشر سنوات عمر سلطة الانقاذ لم تجتهد السلطة لاقامة ولو مشروع تنموي أو خدمي واحد على الأقل، بل قامت السلطة بتصفية المشروعات القائمة مثل غزالة جاوزت وخزان جديد وساق النعام ومشروع جبل مرة وهيئة تنمية غرب السافنا وخصخصت البعض الآخر مثل المدبغة الحكومية بنيالا.
اما المعلمون بدارفور فيشكون من عدم صرف مرتباتهم لشهور وشهور متعددة وبذلك أصبحت كل السنوات الدراسية مهزوزة والمدارس متوقفة وتمددت المشكلة لتشمل عمال الشؤون الصحية بالاضرابات. هناك تجاوزات مالية واضحة استغل فيها المسؤولون بدارفور مواقعهم السلطوية بالشكل الذي أضر بالمصلحة العامة فأثرت هذه التجاوزات في تعطيل التنمية في دارفور حيث تعطلت برامج التنمية والخدمات لعدم وجود نظم آلية ومحاسبية تضبط مصداقية الجهات المستفيدة حيث يتم الصرف لأشخاص وجهات لا علاقة لها باستهداف المال العام وبسبب تلك الممارسات التي تخالف اللوائح والنظم المالية والمحاسبية، حرمت دارفور من التنمية والتطور، فأثر ذلك على قطاع التعليم والصحة والأمومة والطفولة والشباب والمرأة، وأبلغ دليل على ذلك ما تشهدها ولاية جنوب دارفور من أوبئة وأمراض وتدهور في صحة البيئة والانسان واضرابات لعمال الشؤون الصحية وقطاع التعليم وفي ذات الوقت يتسابق والي ولاية جنوب دارفور في التبرع لمصنع الشفاء الذي دمر بالقصف الأمريكي بمبلغ خمسمائة مليون جنيه، ويقود حملة التبرعات بالولاية رغم رفض مالك المصنع لهذه التبرعات وكان ذات الوالي قد حمل مواطن جنوب دارفور المغلوب على أمره نفقات الصرف البزخي فيما عرف بمهرجان الفروسية والهجن والذي جرى بنيالا في نوفمبر 1997م.
ب/ طريق الانقاذ الغربي:
هذا (الحلم الذي يظل يراود أهل السودان وأهل دارفور خاصة) انكشفت حقيقته الآن، في عام 1995م صدر قانون طريق الانقاذ الغربي بمرسوم مؤقت من المجلس الوطني الانتقالي بموجب ذلك تم تكوين الهيئة العليا لطريق الانقاذ الغربي مسؤولة عن الطريق تحت اشراف رئاسة الجمهورية وترأس أماناتها المتخصصة الوزراء الاتحاديون. وكان ينتظر من تلك الهيئة أن تحقق ذلك الحلم الكبير خاصة وقد قطع رئيس الجمهورية وعدا على نفسه بانجاز الطريق خلال مدة عامين فقط، فتنازل المواطن عن سكره لمصلحة الطريق وفرضت عليه الرسوم في كل خدماته المحلية والخارجية. ولكن وعقب انقضاء أكثر من ثلاث سنوات اتضح ان أموال الطريق تذهب في غير قنواتها المعلنة والمحددة والعمل متوقفا بالميدان ولكن ومن خلال الصحف يكاد يظن المرء ان الطريق قد أوشك على الاكتمال. ان الهيئة العليا لطريق الانقاذ الغربي استخدمت أموال الطريق دون متطلبات الاستخدام الصحيح والمبرمج له فضلت أموال الطريق سبيلها ومن ذلك نورد هذه الواقعة المضحكة والمؤلمة: قامت الهيئة بتقديم شيك على بياض لاسرة المرحوم الزبير محمد صالح عقب وفاته لتكتب ما شاءت من مبلغ ولكن أسرة المرحوم كانت أكبر من أغراضها).
ان الهيئة العليا لطريق الانقاذ الغربي لا تظهر ولا تنشط إلا من خلال اعلانات الصحف في الافراح والاتراح. ولايقاف ما يحدث يتطلب تصحيح مسار طريق الانقاذ الغربي وقيام شركة باسم طريق الانقاذ الغربي أسوة بشركة شريان الشمال للطرق والجسور تضمن وجود جمعية عمومية حقيقية بأطر فعلية محاسبية تصون مال المواطن المهدر وتحقق حلمه الكبير.
ج/ النهب المسلح: مكافحة النهب المسلح مسؤولية السلطة الاتحادية والولائية والمحلية بالتضامن مع الافراد يجب أن لا تترك ليتحمل تبعاتها المواطن خاصة وقد استفحل أمرها بما يتطلب التعامل معها بجدية وحسم شديدين.
3/ التعايش السلمي بدارفور: إن التعايش السلمي بدارفور لا يتم ولا يتحقق الا عند ايقاف اهمال مؤسسات الدولة المدنية وقواتها النظامية ودعمها بالكفاءات والامكانيات التي تؤهلها للقيام بدورها في حفظ الأمن والنظام العام واظهار هيبة الدولة بالقانون وايقاف السياسة الرامية إلى تسييس القبائل.
التوصيات:
ان معالجات الدولة لقضية الأمن والتنمية والتعايش السلمي بين القبائل بدارفور كانت تأتي من باب المظاهرة السياسية والمؤتمرات ولجان ووفود الصلح وتهدئة الخواطر فضلت المسار ولونت الحقائق وعظمت الازمات ففقد المواطن فيها الثقة التامة حيث لم يجني منها سوى فواتير الاحتفالات والولائم الباهظة علما بأن كل مقررات مؤتمرات الصلح والتعايش السلمي بين القبائل التي عقدت بدارفور أصبحت حبرا على ورق حيث لم تجد توصياتها طريقا للتنفيذ فزاد ذلك من تعميق المشكلات. ولما تقدم سيادة الرئيس وللأسباب الواردة في هذه المذكرة نلتمس الاستجابة لهذه التوصيات كمدخل لابد منه لايقاف الاقتتال الحاد بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية وكفالة الأمن والنظام والسلام العام لكافة أرجاء دارفور الآن وفي المستقبل بخاصة قد بلغت الأحوال مبلغا يهدد وحدة الوطن بما يتطلب مشاركة أبناء دارفور في وضع برنامج استراتيجي يخدم تطبيع الوحدة والعدالة الوطنية سياسيا واجتماعيا وتنمويا وأن تكون هناك توصيات أخرى ضرورية لبدء المعالجة، تنطلق من الحقائق التالية:
1 ــ دارفور استراتيجيا تمثل صمام أمن وأمان السودان ووحدته بما يتطلب ذلك اعتراف الدولة بخصوصية الوضع في دارفور واعادة النظر في سياستها المطبقة حاليا بما يتفق ومراعاة تلك الخصوصية بالآتي:
أ ــ تمثل دارفور بوابة السودان الغربية للتواصل الاقتصادي والسياسي والثقافي ومع الغرب الافريقي.
ب ــ تمثل دارفور حالة ايجابية من التداخل الاثني والانصهار القبلي والثقافي، ضمانا للاستقرار وايجاد صيغ جديدة لادارة الحوار السياسي الوطني. يتطلب ذلك تكييف الأوضاع في الدولة لصالح المواطنة الحقة وعلى ذلك يتعين الأخذ في الاعتبار بالتوصيات التالية:
1 ــ اعادة النظر في الأوضاع السياسية بدارفور بما يتفق ومراعاة خصوصيتها عبر مؤتمر تداولي وطني وسياسي وقانوني في أقرب مدة ممكنة.
2 ــ وضع الخطط العملية اللازمة للاستفادة الجادة من الخبرات السابقة لمعالجة قضايا الانتماء والمشاركة السياسية والاقتصادية، تشارك فيها مؤسسات الدولة وأهل دارفور والمستنيرون من أهل السودان.
3 ــ تصحيح مفهوم الفيدرالية ومراجعتها بما يتفق مع المتطلبات الوطنية الآنية لتضمن تواصل وحدة السودان في المستقبل وحتى لا تبدو الفيدرالية وكأنها عودة للقهر المركزي بوسائل أشرس بجانب التنصل من المسؤوليات.
4 ــ تمكين أبناء دارفور الأكفاء من الإدارة السياسية والتنموية لمناطقهم في اطار الدعوة لحل مشاكل السودان بالتراضي وسلميا وعلى الحكومة ان تستجيب وتتعاون مع أبناء دارفور المستنيرين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية حتى يتمكنوا من تقديم أطروحاتهم لاعادة تأهيل دارفور سياسيا وتنمويا وفكريا، ورفع الظلم والغبن عن الأفراد والمجموعات بفتح الطريق بالاتفاق والحوار ومحاكمة روح الفتنة والتشرذم.
وختاما: ان أهمال مؤسسات الدولة المدنية وقواتها النظامية بدارفور بجانب تسييس القبائل يتطلب من أبناء دارفور وهم المعنيون أكثر من غيرهم بتأهيل مناطقهم في اطار الوطن الواعد، لذا فإن الدعوة إلى اعادة قراءة ونقد تاريخهم وتكييف أوضاعه باستعادة المبادرة بالنضج السياسي والنصح الرشيد، والتنمية هي أهم أسس التطور الوطني في السودان.
|
|
|
|
|
|