|
بل القانون أصغر يا عز الدين بقلم يوسف الجلال
|
عجيب أمر المؤتمر الوطني، فهو يصر على استصغار عقول الناس، بعد أن يتوسّم فيهم الغباء، وعدم القدرة على استبانة الأشياء والحقائق. وعجيب لأنه يخرج إلى الناس شاهراً لساناً غير الذي يتحدث به في أضابيره التنظيمية، وعكس الذي يتكلم به في باطن ممارسته الحزبية. والأدهى أنه يتعشّم في إقناع الشعب - من خلال ذاك اللسان المستعار الكذوب - بأنه ضد الفساد، وأنه سيكون حرباً على المفسدين، فتعجب يا صاحِ..!
فما إن أنهى المراجع العام تلاوة فاصل المواجع التي حواها تقريره عن فساد الزمرة الحاكمة، حتى خرج البرلمان، ممثلاً في لسان رئيسه الدكتور الفاتح عز الدين، ليقول للناس – كل الناس، إنهم سيتخذون إجراءات قانونية قاسية ضد المخالفين، ممن وردت أسماؤهم في تقرير المراجع العام، وإنه ليس هناك كبير على القانون. وللغرابة فإن هذا، عين ما قاله المتحدث باسم المؤتمر الوطني هشام القصاص، الذي قطع بأن يد العدالة ستطال كل من يثبت تورطه في قضية فساد، صغُرت أم كبُرت..!
لكن الناظر إلى واقع الممارسة، ستصفعه الحقائق الصادمة التي تُكذّب حديث البرلمان والحزب الحاكم. أما من يتفحّص سيرة ومسيرة نظام الإنقاذ، فإنه سيحار من عدم وجود مفسدين بين الإنقاذيين، برغم تطاول سنوات حكمهم. لأن رصد النهابين وسُراق المال العام في هذه البلاد، يحتاج – بحسب الحكومة - إلى منظار يتسم بخاصية تكبير الصورة مئات المرات. ولأن عمليات الفساد هنا تبدو – بحسب الحكومة أيضاً - مثل جرثومة لا تُرى بالعين المجردة، ولا حتى بالعين المتجردة من الانتماء للحزب الحاكم.
أما المتتبع لهذه المسيرة القاصدة – كما يزعم أهلها - سيحار من فلتان المفسدين من يد العدالة. لجهة أنه نادرًا ما يتم تقديم مفسد الى القضاء. أما إذا حدث هذا، فإنه ينبع من صراع المفسدين على الكيكة، أو من استئثار أحدهم بالنصيب الأكبر، وهو ما يُغضب النهابين الآخرين، فتتحرك غريزتهم التآمرية لتلقي بصاحبهم في جب المحاسبة. طبعاً ليس حبًا في صون المال العام، وإنما طمعاً في تصفية الحسابات. فتأمل يا هذا..!
اللافت أن وجه المؤتمر الوطني لا تصله طائلة الخجل، أو الحياء السياسي، على الرغم من تصاعد "عفونة" الفساد التي أزكمت الأنوف. وعلى الرغم من المواجع المبكية، والحقائق المفزعة والمحزنة التي يحفل بها تقرير المراجع الذي كلفوه بتفتيش مؤسسات الدولة. طبعًا حملات المراجع العام التفتيشية لا تتم خلسة أو من دون إخطار، ومع ذلك فبعض المؤسسات الحكومية تقع تحت طائلة الإدانة، بالولوغ في المال العام.
أما أُس الكارثة، فيتمثل في أنه حتى لو تم ضبط أحدهم، متلبساً بتهمة نهب المال العام، فإنه نادراً ما يُحال إلى المحكمة المختصة، وإنما يتم التحقيق معه وفقاً للقانون العجيب المسمى بقانون الثراء الحرام والمشبوه، على نحو ما جرى مع بعض ناهبي المال العام من خلال منصة مكتب والي الخرطوم، في القضية التي تعرف في الأوساط السياسية بفضيحة "غسان قيت". والمدهش هنا أن الأموال التي قيل إن المتهميْن قاما بالتحلل منها والبالغة (17,835) مليون جنيه، لم ترد في تقرير المراجع العام. فهل كانت "المحاكمة" مجرد تمثيلية لذر الرماد في العيون، أم إن الأموال المستردة طالتها يد ناهبة جديدة، أم إن المتهمين لم يقوما بإرجاع الأموال المنهوبة أصلاً..!".
|
|
|
|
|
|