|
الي جنات الخلد باذن الله المناضل عبد الفتاح فرح حسين الزبير
|
برحيله نفتقد قائدا من قيادات قبيلة الانسان الانسان ، و انا لا امل من تقسيم الناس الي قبيلتين: قبيلة الانسان الانسان و قبيلة الانسان الحيوان. بينما الفئة الاولي تقنع باليسير في اشباع حاجاتها و تظل مهمومة بامر الطبقات الكادحة، الفئة الثانية تغلب عليها شهوتها ، و تعمي ابصارها حب الانا ، فتبذل حياتها من اجل اشباع شهواتها، حتي وصل الامر ان يجنب يافع لم يبلغ السن القانونية للترشح لرئاسة الوزراء، ما قيمته مركز صحي و مدرستين!! فقيدنا المهندس عبد الفتاح فرح اعلن انتماءه لقبيلة الانسان الانسان و هو طالب في بداية المرحلة الثانوية ، و ظل لآخر بوم في حياته يعيش كما غمار الناس وسط اهله بالكلاكلة، رغم انه ذاك المهندس الذي تأهل في هندسة الطاقة في المانيا مع عدد يعد علي اصابع اليد في ذاك الزمن. عندما عاد للسودان في عام 1969، عين في وزارة المواصلات و خصصوا له مكتب انيقا في رئاسة الوزارة ، و انتظر اسبوعا كاملا ليأتي احدهم و يدله علي مكان عمله الهندسي!! و عندما سأل رئيسه المباشر: انا حاشتغل وين؟ رد عليه رئيسه : في مكتبك!! فرد عليه قائلا : انا باشكاتب و لا مهندس ؟ مكان عمل المهندس مصنع ، Plant، او موقع مشروع!! و بينما رجال الوزارة في حيرة من امره ، قبض علي اليهودي تشاينر ، و كان لا بد من مترجم ضليع في اللغة الالمانية ، فاقنعوه بالتعاون مع اجهزة الامن في مهمة "قومية". و كنا نداعبه بانه بدل ان يعود من المانيا الشرقيه شيوعيا علي السكين، عاد باتجاهات برجوازية و اصبح يلبس "الفل سوت" و كان يقول لنا: "الواحد بعدما عاش في اوروبا سنين يجي تاني يكتب في الحيطة و يوزع المنشورات و يدخل المعتقلات؟ تلقوها عند الغافل!!" رحمك الله يا من كنت مصدرا للفرح في مجالسنا. ولما تعاون مع جهاز الامن وظف فرصة عمله معهم لصالح المناضلين و الشرفاء، و هذا امر يعلمه رفاقه من قبيلة الانسان الانسان. رغم تميزه في عمله المهني ، و دوره النضالي في الحزب، عاش بسيطا بين اهله و صحابه و رفاقه، دون ان يمن علي احد ، او علي الوطن ، و دون ان ينتظر جزاءا او شكورا. كان يريد لدوره في الحزب ان يكون سرا لا يعرفه كل الاهل ، بل و لا زملائه في العمل. في ميتم الاخ سيد احمد ، كنا نحكي عن المرحوم ، و ذكرت له ان سيد احمد قال للمهندس الذي استدعي من الامارات ليتولي مهام وزارة الكهرباء : "اوع تمشي تفصل ابن عمنا الشيوعي عبد الفتاح!" فقال مازحا انا لو عارفه كشفني للوزير ما كنت جيت عزيت فيه!! امثال هذا الرجل هم الذين يكونون قدوة للشباب المخلص، و يعلمون الاجيال الجديدة صفات الايثار، و الشفافية، و الامانة و الشرف ، و قيمة النضال اليومي في مجابهة صعوباتها ، و اهمية مثل هذا النضال من اجل مجتمع يغلب فيه الخير علي الشر، حتي تتحرك فيه قبيلة الانسان الحيوان في الظلام و في جنح الليل ! و النقص كبير في قيادات مثل المرحوم عبد الفتاح، و تناسل و تكاثر آكلوا السحت و الحرام ، و انتشار طاعون الفساد فاصيب بالوباء من هم في مقام الطبيب المداوي: اساتذة الجامعات ، و رجال القانون، وقوفا و جلوسا، كان نتيجة للبيئة التي وفرت تقنين الفساد، الا و هي ديكتاتورية الشمولية الثالثة! و لو تأملنا قلة قيادات الانسان الانسان ، و تكاثر فئة الانسان الحيوان، نجد ان الامر في نهاية الامر متصل اتصالا مباشرا بالسلطة و الثروة، و ما كان لهذا التردي في اخلاق و قيم الانسان في السودان ، لو لا وجود سلطة زينت الشهوات و الفساد للناس ، فانتقل جميع الذين كانوا في منتصف خط (continuum)"الانسان الانسن و الانسان الحيوان" الي الجانب الايسر حيث انوار الفساد الجهيرة ، و مغريات بيئة الفساد التي تعمي الابصار!! و لامجال لتكاثر قبيلة الانسان الانسان ، الا بسلطة شعبية ديمقراطية، كانت حلما لفقيدنا العزيز. ظللنا نزين له الاغتراب فكان يسخر منا سخريات لاذعة ، لكن اهم سخرياته انه كان يقول لنا ان اولادنا في خطر لغربتهم عن الثقافة السودانية و استخدامهم لكلمات مثل"ايشلون و وايد"!! اعزي فيك صديقي العزيز الشعب السوداني كله، و اخص بالعزاء اسرتك الصغيرة الاستاذة فريال و اولادها و بناتها و الاسرة الكبيرة آل فرح صالح في دلقو و آل فقير صالح في فقيركي. اللهم تقبل عبدك عبد الفتاح مع الصديقين و الشهداء و اجزه عن الشعب السوداني و عنا خير الجزاء، رب اغسله من خطاياه بالماء و الثلج و البرد. و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.
|
|
|
|
|
|