شكلت انتخابات نقابة المحلميين السودانيين تحدي حقيقي للحزب الحاكم، عندما رفضت مجموعة من الحزب قائمة الحزب للمرشحين لقيادة النقابة، و قالوا إنهم لا يقبلون أن تتنزل عليهم قائمة من قيادة الحزب، و لا يعرفون من الذين قاموا بتذكية هؤلاء، و إن القائمة يجب أن يتوافق عليها أصحاب المهنة داخل المؤسسة الحزبية، هذا الانقسام في دوائر الحزب الحاكم، يؤكد إن السياسة التي تقوم بها حفنة من الأفرد دون الآخرين بعيدا عن المؤسسية أصبحت غير مقبولة، و الخلاف لم يبرز فقط في انتخابات نقابة المحاميين، إنما برز قبل ذلك في عدد من الولايات، و كان أبرزها في ولاية البحر الأحمر ثم الجزيرة، و الآخيرة قد تدخل فيها الرئيس شخصيا لكي يحسمها لصالح الوالي. هذا الصراع داخل المؤسسة الحزبية يؤكد إن الممارسة الديمقراطية داخل المؤسسة غير متوفرة، و هناك رأى واحد و الأغلبية يجب أن تنصاع لهذا الرآى، و علي الرافضين لهذه السياسة يجب أن يغادروا المؤسسة، كما حدث من قبل للدكتور غازي صلاح الدين و رفاقه، الذين كانوا يطالبون بالإصلاح و تطبيق لوائح الحزب، الأمر الذي لم تحتمله القيادة التي تصنع القرارات، لذلك كان لابد من خروج العناصر الرافضة لهذه السياسة خارج الإطار التنظيمي. و في الصورة الجانبية للمسرح السياسي، نجد إن المعارضة التي اتفقت علي قائمة واحدة للمرشحين في انتخابات نقابة المحاميين، و استعدت في فترة زمنية ضيقة للمعركة، و رغم إنها توحدت لكن الحملة التي قامت بها تؤكد لا توجد إستراتيجية واضحة للعمل السياسي المعارض، إنما هي تتفاعل مع الأحداث عندما تحدث، دون أن يكون لها تخطيطا لخلق الأحداث و تسوقها إلي أهدافها، و تجعل الحزب الحاكم هو الذي يلهث وراءها، بمعنى إن انتخابات النقابة محددة بأجل، و كان علي المعارضة أن تشتغل وسط المحاميين في فترة مريحة، و تحاول أن تستقرأ رغبة المحاميين الذين لديهم علاقات وطيدة و طيبة مع أعداد كبير من العاملين في حقل المحاماة، لآن الهدف في الأول هو كيف أن تحدث تحدي حقيقي للحزب الحاكم و تؤكد إن عضويته غير مستقرة، إذا لم تستطيع أن تنتصر بكل مقاعد النقابة، أن تكسر قائتها بدخول عناصر في المكتب التنفيذي من المعارضة، لكن أحزاب المعارضة نفسها لا تملك هذا التصور أن يكون في قائمتها عناصر غير منظمة سياسيا. كما إنها لا تعقرأ الواقع السياسي قراءة جيدة يجعلها تتنبأ بالمستقبل، فهي محدودة النظر، و هذا يؤكد إن هناك قصورا في العقليات التي تجاوزت عمرها الافتراضي في مواقعها، و كان من المفترض أن تفتح المجال للأجيال جديدة باعتبارها هي التي تنع المستقبل. و مادام إن القوي السياسي تتوقع أن الثورة و الانتفاضة أو أية آلية تسهم في تغيير جوهري، يحدثه الجيل الجديد، فكان يجب أن يأتي إقناع هذه الأجيال الجديدة من خلال اترابهم، و ليس من قبل أجيال تجاوزها التاريخ، و هي الإشكالية التي لا تريد أن تدركها قيادات المعارضة، التي تسد منافذ الهواء النقي. إذا انتقلنا إلي جانب أخر في المشهد السياسي الذي يعكس عمق الأزمة السياسية في البلاد، إن الذين شاركوا في الحوار الوطني و الذين انتقدوا السياسة الاقتصادية في البلاد، هؤلاء أنفسهم هم الذين وافقوا علي ميزانية 2018، و رفع الدعم الحكومة عن المحروقات و القمح، و رفع الدولار الجمركي و تعدد سعر الولار و غيرها، الأمر الذي يؤكد إن المشكل في البلاد ليس هي الأزمات المختلفة، أنما تكمن المشكلة في العقل السياسي السوداني الذي فشل علي تشخيص المرض، و معرفة الأسباب الحقيقة التي أدت لكل هذه الأزمات، و الذي فشل في تحقيق تنمية متوازنة، و أن يصل الي توافقات سياسية بين قواه السياسية، باعتبار إن حل الأزمات السياسية و الاقتصادية و غيرها يدفع المواطن فاتورتها، و الحزب الحاكم كرس كل عمله السياسي ليس لحل المشكلات، إنما عمل علي كيف تضمن نخب الحزب المسيطرة علي زمام الأمر مقاعدها في السلطة، و دون تغيير يحصل في جوهر المنظام، و ميزانية 2018 تعكس إن النخب السياسية و الاقتصادية المتحكمة في الدولة ليس لديها حلولا. و في الجانب الآخر إن المعارضة أنتظرت حتى أن تجيز السلطة ميزانيتها و ترفع الدعم عن السلع الأساسية ثم تبدأ معارضتها للسياسة الاقتصادية، و لم تتحرك إعلاميا و جماهيريا قبل إجازة الميزانية حتى تفكر السلطة ألف مرة قبل أن تتخذ هذه القرارات المهلكة للشعب. فإذا نظرت إلي البيانات التي صدرت عن بعض أحزاب المعارضة، نجدها تؤكد إن هؤلاء كانوا ينتظرون إجازة الميزانية، ثم تبدأ معارضتهم لها. حيث أصدرت قوي الاجماع الوطني بيانا تقول فيه " لا بديل سوى اسقاط النظام" و تضيف فيه " لن يدفع شعبنا فاتورة رفاهية لصوص الإنقاذ، التصدي لسياسة الفقر و التجويع أولوية شعبنا، رغم الكذب و التضليل الذي صاحب عرض الميزانية، إلا أن الحقيقة ماثلة أمام شعبنا، استمرار سياسات الرأسمالية الطفيلية الرامية لافقار و تجويع شعبنا، و تراكم ريعها، و رهن أراضي و مقدرات بلادنا لصالح التنظيم الدولي للأخوان المسلمين و أربابها العالميين، فبعد أكذوبة رفع الدعم الغير موجود أصلا، و رفع تعدد اسعار الدولار لعدد من السلع كزيادة للاسعار، فهاهو شعبنا يستيقظ علي سعر قطعة الخبز بجنيه، بعد رفع ارتفاع سعر جوال الدقيق، و البلاد تتحدث عن رفع اسعار الدواء و البنزين غير زيادات الكهرباء" لم يشير البيان أن قوي الاجماع قد حذرت في متابعتها لسياسة السلطة، و إنها قد حذرت الشعب أن السلطة تريد أن تتخذ من السياسات الاقتصادية ما لم يستطيع أن يتحمله المواطن. و أيضا يصدر حزب الأمة القومي. بيانا يرفض الميزانية، و التي يقول عنها إنها سوف ترهق كاهل المواطن، حيث يقول البيان " أجتمع المكتب السياسي لحزب الأمة اجتماعه العاجل بتاريخ 6/1/ 2018م و ناقش الأوضاع و المستجدات داخليا عقب تنفيذ السياسات الاقتصادية الأخيرة من قبل النظام و يود المكتب السياسي التأكيد علي الأتي: أولا أن الزيادات الأخيرة في اسعار الخبز و الكهرباء، قد جعلت الغالبية العظمى من الأسر السودانية لا تستطيع توفير قوت يومها، و أصبحت كل الأسر تجاهد مجاهدة عظيمة لكسب المزيد من المال من لقمة العيش الحلال" و يضيف البيان قائلا " درج حزب المؤتمر الوطني الممسك بالسلطة طوال السنوات السابقة علي فرض زيادات مضطردة في الجمارك و الضرائب، مما قاد إلي توقف معظم مشاريع القطاع الخاص المنتجة، و أدى أيضا إلي تعثر نجاح المشاريع الزراعية و الصناعية، مما فاقم من حالة البؤس السوداء التي عمت كل أرجاء الوطن" فالمكتب السياسي لحزب الأمة يجتمع علي عجل، مما يؤكد إن القوي السياسية كانت تنتظر إجازة الميزانية ثم تبدأ مشوار المعارضة، و كان أمام المعارضة فرصة كبيرة جدا، أن تشن حملة سياسية ضد توجهات السلطة لرفع الدعم عن العديد من السلع و تعدد سعر الدولار، لكنها لم تفعل، مما يؤكد إن المعارضة نفسها تعيش أزمتها السياسية. العقليات السياسية إن كانت حاكمة أو في المعارضة هي تتحمل مسؤولية هذه الأزمات السياسية و الاقتصادية. و نسأل الله حسن البصيرة.
إذا كان السادة المحامون لم يصلوا بعد إلى مرحلة الوعي و الفهم و هم بحاجة من المعارضة لتعمل في اوساطهم حتى يميزوا بين الحق و الباطل و هم أهل قانون فماذا سيفعل المواطن العادي البسيط إذا؟!!!،،، لماذا لا تقول أن إنتخابات المحامين مدغمسة من البداية و أن لجنتها المشرفة هي لجنة دغمسة و إجراءآتها و قوانينها و البيئة المحيطة بها هي كلها مدغمسة و حتى المصوتين جميعهم إما متواطئون أو تم شراؤهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة