|
الموردة والكلام كمل/شوقي بدرى
|
الموردة والكلام كمل
وان في الثانية عشر من عمري قبضت فلوس الفطور في الصباح . وبسبب الاجازة الصيفية ، فلم يكن عندنا الصبر لانتظار فطور البيت . وعلي بعد خطوات قابلت زميل مدرسة بيت الامانة وجاري الدب .وعرفت انه ذاهب الي الموردة لشراء سمك لفطوره . الدب كان يحب العضة ، وهو اول من عرفني بأكل ابو الدمام في سوق الزلعة ، الذي يقام في المولد النبوي الشريف . وساحة المولد كانت علي مرمي حجر من حينا السردارية .
الاغلبية يعرفون الدب ، انه العملاق وحارس مرمي السودان عندما فاز السودان بكأس الامم الافريقية ، عبد العزيز عبد الله امتاز بدماثة الخلق والادب . وكان علي عكسنا غير عدواني ؟
بعد ان انحرفنا قليلا الي اليمين عند محطة كاس كومري جنوب محطة الدايات ، مررنا بالقصر او ما عرف تاريخيا بدار فوز ، صرنا اغرابا في ضيافة اولاد الموردوة الذين نعرفهم . وكنت اقصد دكان العم عثمان السكي وابنه مصطفي كجل ، الرحمة علي الحيين والميتين . ولكن الدب اشار الي بالذهاب الي محل بشير للاسماك ومحله جنوب السكي ودكان الشايقي الذي كان يبيع الخيوط والسنارات . محل السكي كان يمتليء بالمشترين وكثير من شباب الموردة وبانت والعباسية واحياء بعيدة ولا يستطيع الشيخ والآخرين تلبية الطلبات بسبب الزحام .
يوم الجمعة كان فستفالا تعلو فيه الضحكات والقفشات . ويستعرض الجميع آخر صيحات الموضة . اهل الموردة والعباسية كانوا يرتدون ما عرف بملابس التحشيش . وكان توتو رحمة الله عليه يصنع قمصانا مميزة جدا ، يتعرف الانسان عليها مباشرة . وكان اخوه الباهي يخيط بدلا وملابس مميزة . تخصص في البدل السفاري وكان يخيط ملابس السفير الامريكي ، الذي احب بدل السفاري . وكان صديقي فيما بعد عبد القادر الجزولي وعم المخرج السينمائي في الخليج وعازف الكمان وزميل براغ ابراهيم الجزولي ، خياطا بمزاج خاص . وكانت جلاليبه مختلفة . ومحلات عبد المحمود ابو صالح تضم مجموعة من احسن الترزية تنافس اشهر المحلات في امدرمان في سوق الموية ترزي المؤتمر وصاحبه العم عبد الصمد من سكان الموردة .
لاعب الكرة الاسطورة منذ الاربعينات خليل ابو زيد كان ملك الشياكة في كل السودان . وفي زواجه المشهور غنيت الاغنية خليل يا خليل خليلك وين . ذكر لي الاخ مهدي رحمة الله علية انه بعد افتتاح فندق السودان اقيم حفل غنائي . وفي آخر لحظة اعلنوا عن جائزة لاكثر الحضور اناقة . وقال الجميع ان الجائزة ستكون من نصيب خليل الذي لم يكن قد حضر وعندما حضر خليل كان يرتدي قميصا اصفرا فاقع اللون وبنطلون كانه مرسوم وبلون اسود . وساعد جسمه الرياضي في اظهار كل ذالك ، وكانت الجائزة من نصيبه .
مهدي رافق بنات واولاد الاكرووبات الي الصين . وكان يقول ان المشاكل والتعب الذي وجده من تلك المجموعة يدخل الانسان الجنة . وعن تلك المشاكل كان ابن العباسية حامد موسي يحكي لي الكثير . وحامد هو ابن الحكم الدولي الخليفة موسي .
مهدي كان عازفا في فرقة الفنان شرحبيل احمد مع ابو داؤود و اخصائي القلب في مانشستر فيما بعد علي نور الجليل والطيوبة واخي الحبيب حسن السروجي وآخرين . ولاول مرة في السودان شاهد الناس فرقة موسيقية بملابس موحدة وقمصان خضراء اللون وبناطلين سوداء . وحتي سيدات وفتيات المنطقة كن يتفنن في الملابس الانيقة . والاغنية يا اللابس البمبي الفت في حفل لزوجة مهدي لانها كانت ترتدي اللون البمبي الذي لم يكن معروفا وصار يرتديه حتي الرجال .
عتدما كنت في تلك الرحلة الي الموردة مع الدب شاهدت لاول مرة الاخ المحينة ، ولم يكن امام دكان شقيقه بشير ، ولكن كان امام دكان العم السكي ، حيث يتجمع الجميع ويتعرضون لاقذع الشتائم من العم عثمان وبعضهم يخرم اليها . وكان المحينة يبدو قويا حتي بالمقارنة بشباب الموردة الاقوياء . وكانت له كاريزما عالية ويمتليء شعورا بالاعتداد بالنفس والثقة . وكانت اناقته تزري باناقة الآخرين .
ارسل لي الوجيه الصناعي يوسف بدر، قبل اسبوعين صورة المحينة وبكيت بالدمع . والآن وانا اكتب لااستطيع كبح دموعي , الصورة كانت تمثل احد المتشردين . تذكرت مجموعتي ورفاق دربي في الموردة . تذكرت الغالي مصطفي كتبا واناقته وسوالفه المميزة رحمة الله عليه . وتذكرت اولاد مسار الاربعة اكبرهم شمس الدين الذي كان ترزيا افرنجيا في الخرطوم وقائد مجموعتنا حسن ود مسار او حسن النمر والذي كان يشبه اللاعب الدولي المحينة . وتذكرت شقيق حسن النقاش برقودي واصغرهم ابراهيم بلالايكا . وتذكرت الحبيب اميقو باناقته وجسمه القوي ، رحمة الله علي الحيين والميتين . وتذكرت رفيق الدرب والدراسة والملاكم المرهوب عبد المنعم عبد الله حسن عقباوي ،والذي تزوج فيما بعد ابنة خاله العم عثمان السكي .
الحلاق والفنان عطي كوكو من فرقة اولاد الموردة . كان فنانا في الحلاقة . تذكرته وانا اشاهد صورة المحينة وهو اشعث اغبر . عندما اعجبنا من حلاقة عبد المنعم عقباوي ونحن في مدرسة الاحفاد واولاد الاحفاد اشتهروا بالاناقة ، اخذنا لعطي كوكو ، ودكانه بالقرب من الجزار المشهور مارقيط ، الذي ذكرته في كتاب حكاوي امدرمان كأحد مشاهير الموردة . وقد غادر عالمنا قبل شهور رحمة الله عليه . وكان من اشهر حراس المرمي في السودان .
بعد ان جلس شقيقي الشنقيطي ربط العم عطا كوكو الفوطه وسلم المكنة لتعلمجي . وفتح الجريدة . فقال له عقباوي . ديل اولاد ناس بدري جايين من آخر الدنيا يحلقوا عندك . لو ولدك ده ظعمتهم الا يلبسوا طواقي . فوضع العم عطا الجريدة . واتحفنا بحلاقة رائعة . اتمني الآن ان يحظي الامير المحينة بمثلها
عندما بدأ بناء استاد الموردة لم يكن عند الموردة الموارد التي توفرت للهلال والمريخ . وذهبنا لحفر ساس الاستاد كنوع من التضامن ولكي يحس الجميع انهم اصحاب النادي . واذكر ان كثيرا من الشباب قد مجلت اياديهم . ولكن واصلوا الحفر بطريقة عقائدية . المحينة كان يطوف علي الناس ويرفع معنوياتهم ويحفذهم ويمازحهم .
الموردة كانت اسما وهوية . انا كنت مريخابيا ولقد اعطيت دمي للمريخ فلقد شاركت في ماتشات الملاكمة باسم المريخ . وتحصلت علي احد ثلاثة كؤوس حازتها امدرمان عندما احتكرت الخرطوم الملاكمة . فذكي الحاج الذي سيطر سيطرة كاملة علي الاتحاد كان يكره ملاكمي امدرمان . ولكني كنت احب الهلال ولا ازال احب الهلال كثيرا ,, كله بتاعنا ,, ولكن عندما تلعب الموردة مع الهلال او المريخ ، الكلام كمل . كنت اشجع الموردة . لقد قال سليمان فارس اوالسد العالي كما اسمته الصحف المصرية . وهو من اول اللعيبة المغتربين ، بعد عبد الخير حمدتو ودالجراح وكلول . السد قال عندما سألوة عن الهلال والمريخ ,, الموردة بتلعب ,, قالها باللهجة المصرية وصارت مثلا يردد في كل المناسبات حتي في لعب الورق او التجارة . والآن تهدد الموردة بالهبوط . ويتحاوم المحينة امير الموردة كالمتشرد . انها والله المحن السودانية .
قناطة كان من شخصيات الموردة المميزة . كان لا يتكلم الا باللغة العربية الفصحي . حكم عليه بالسجن بتهمة اسائة المحكمة لانه وصف القاضي بالجهل .كان شاهدا في معركة دموية في جنينة برمبل او الرفيرا لاحقا . وعندما سؤل قال ,, عندما كنت مستلقيا في الحديقة استنشق الهواء العليل مستمتعا بشقشقة العصافي ، فاذا بضربة عكاز تدوي في الفضاء ,, وعندما قال له القاضي مجلس القضاء الاوسط ، وهم من اعيان امدرمان والتجار يازول اتكلم كويس ، قال ,, يا للعار يا للعار القاضي لا يفهم اللغة العربية ,,
ارتباط المحينة وقناطة كان بسبب قصة سارت بها الركبان . فلقد ضاق المحينة بحذلقة قناطة فاخذ شيئا من تربيزة احد الجزارين وقذف به قتاطة . وذهب قناطة الي بشير قائلا ,, بينما كنت سائرا في شارع المحدقات فاذا باخيك الذي اصغر من سنا واكبر منك حجما يرميني بحلقوم بقر ، فاذي كان يقصد شرا فالسجن نحن من اربابه ,, واهل الموردة والعباسية كانوا يرددون .اذا كنت تقصد شرا ..... الخ
الرياضة كانت شيئا جميلا ونظيفا ، فالامير صديق منزول اسطورة الكرة العالمية سكن كل حياته في الموردة . في نهاية الخمسينات اختير احسن 22 لاعبا في العالم اولهم كان ياشينوف حارس المرمي الروسي . احدهم كان صديق منزول الذي كان كابتن الهلال . وكل لعيبة الموردة من اصدقائه , وعندما تخاشن بكري عثمان مع الامير قام شقيقه الاكبر عمر عثمان بصفعه في الهافتايم في غرفة الملابس . وطلب منه الاعتذار للامير . ووقف بكري رحمة الله علي الجميع انتباه وقال حاضر .
الشاويش جمعة كان يعمل في مدرسة وادي سيدنا الثانوية . كان يحضر بالعجلة ويتكلها ويلعب الماتش في دار الرياضة . وبعد الماتش يرمي الدينمو ويرجع لوادي سيدنا . هذا التفاني والروح القتالية هو ما جعل الموردة تفوز بالدوري وتبهدل الزمالك لدرجة ان لعيبة الزمالك فشوا غبنهم في عفش الهوتيل .
الاخ الصوفي كان غاضبا في 1963 لانه رجع البيت في الهاشماب ووجد ان مسئولا من فريق الموردة قد ترك له ثلاثين جنيها بعد توقيعه . وكان يقول لنا في دكان قايد اليمني ,, انا لو كنت عاوز امضا بي قروس كنت مضيت للمريخ ادوني ستين جنيه . وقتها قطعة الارض في الثورة ب 30 جنيه .صديقي عمر حاج وقع للموردة بالرغم من ان والده كان هلالابيا ولكن شقيقه القائم مقام والحاكم العسكري الزين حسن كان موردابيا متشددا . والهلال والمريخ كانا يريدان تسجيله فلقد كان ساحرا منذ ايام كرة الشراب .
. السني الماظ لاعب والذي ذهب الي ليبيا والدنمارك فيما بعد ، كان ابن اخ صديقي الجاك الماظ او الجاك طرزان فردة حسن النمر والذي كان كذالك من الرعيل الاول في فريق الموردة . وهم من اسرة البطل عبد الفضيل الماظ . ختم وعمر عثما ومحمود الزبير وكل تلك المجموعة الرائعة كانوا لا يكلفون النادي فلوسا .
ظابط شرطة في مطار عمان مررني بسرعة في الثمانينات عندما عرف بانني سوداني . كان يقول لي انه اندهش من براعة الفريق السوداني ويذكر ولدي الزبير كما سماه ، و الذي بهدلهم ومشي علي الكرة كالساحر . وتعبير طلع في الكفر ظهر في بداية الستينات عندما هزمت الموردة المريخ ومشي محمود الزبير علي الكرة . عندما رجع ود الزبير من رحلة الي عدن احضر راديو ترانزيستر لجاره وصديقي الحميم مصطفي كتبا رحمة الله عليه . كان الترانزيستر يعني الكثير ولم اشاهده عند احد وقتها . وكنا ناخذه معنا في العصر ويتحلق حوله الكثيرون امام الريفيرا .
سمعت احد السعوديين يتحدث عن الكدارة والكدايس . وعرفت ان الكبتن ترنه او محمد عبد المجيد هو من ادخل اليهم تلك الكلمات فهو اول مدرب سوداني مارس التدريب كمحترف في السعودية . ترنه كان كابتن فريق الموردة . وفي حالة التسمية في الدافوري ، نأتي في شكل ازواج ونقدم انفسنا حتي يختار الكباتن احد اللاعبين . ونقول من اللنقليزي ابو شنب للطيارة ام ضنب . او من ترنا الحاور الباكات لي صديق منزول القدد الشبكات . وترنة كان صنوا للامير صديق منزول . ترنا وقرعم لاعب المريخ ذهبوا الي انجلترة لكورسات تدريب . ولقد سبقهمالاستاذ العظيم هاشم ضيف الله ، والذي لعب لفريق ليدز الانجليزي في الثلاثينات عندما كان طالبا في جامعة ليدز . وهو من مؤسسي فريق الهلال بعد ان انفصلوا عن المريخ ، وان كان مولودا في الموردة .
السعوديون كانوا يتنافسون في ركل الكرة عاليا تحت تصفيق المشجعين . وبعد ارشادات ترنه تعلموا ان يضعوا الكرة ,,واطا ,, الدكتورالفاضل عباس ذكر لي انهم عندما كانو في مدرسة حنتوب ، ان الطالب رجب من ابناء اعالي النيل شات الكرة عاليا ضد تعليمات الاستاذ حمد النيل ، فصفر الاستاذ وترك الميدان وعندما لحقوا به وترجوه للرجوع ، سأل مستفسرا ,, هي الكورة جات من السما ؟ ,,
مع بداية الخمسينات تعرض فريف الترسانةالمصري لما تتعرض له الموردة الآن . وكان امامهم اربعة ماتشات ، وعليهم الفوز في جميع الماتشات . حضروا للسودان واخذوا اسطورة الكرة وقتها عبد الخير وامه عجوبة البائعة المحبوبة في سوق شدرة آدم بالقرب من ابروف . ومعه كان ود الجراح الذي لعب في الوطن وميدان الوطن كان الفضاء في حي الملازمين والذي صار نادي العمال . ومعهم كان حمدتو وكلول . واعطت القرعة الكرة للترسانة . وتبادل الاربعة الكرة وكانت اصابة في دقائق . ووضع الاهلي الكرة واختطفها عبد الخير وفي دقائق كانت النتيجة اتنين صفر . وفازت الترسانة بالاربعة ماتشات وثبتت .
انها قصة رائعة وكنت اشاهد عبد الخير كثيرا في قهوة مكي في سوق الموية . ولكن في 1987 مات الكابتن في غرفة عبارة عن خربة في فريق حفرة كولودو شمال غرب فريق السيد المكي . وذهبت زوجته تبحث عن من يدفنه في الليل البهيم . حمدتو ضاقت به الدنيا وصار حارس بوابة الترسانة .
الاستاذ المعلم برعي احمد البشير كابتن المريخ والمشهور باسم القانون عانا من الفقر في الزمن الكالح . الامير صديق منزول تخرج من مدرسة التجارة وعمل محاسبا وهذه وظيفة كبيرة وقتها ، سكن مع عائلته في شارع الاربعين في منزل بالايجار اضطروا لاخلائه بعد عقود عديدة . والسد العالي الذي مارس التدريب فيما بعد وسكن بحري واجه شظف العيش .
من القصص المشهورة ان المحينة سجل اصابة من ضربة جزاء ضد فريق اوربي . احتج حارس المرمي بانه لم يثبت . واعاد الحكم الكرة فرجع المحينة واشار للحكم بيده اكثر من مرة لكي يؤكد ثبات حارس المرمي . ثم وضع مسافة بينه وبين الكرة ، واطلقها ولها هدير ومرت امام وجه الحارس الذي اضطرب ، وسكنت الشباك . واشار الحارس باصبعه الي رأسه وكانه يقول ,, انت ما عاقل؟؟ , المحينة اشتهر بقوته الجسدية وشوتاته المرعبة .
المشكلة ان الكرة قد خرجت من النبل واللعب النظيف الذي عرفت به . وصار يسيطر عليها من يحسبون ان رئاسة الفرق هي نوع من القشرة والنفخة . رحم الله اللاعب عوض الله الذي تصدي لضربة قوية وقضي نحبه في الميدان ، كانت هنالك يافطة في دار الرياضة امدرمان تشير الي ذالك الحادث .
المحينة ذهب الي اثيوبيا ممثلا السودان واصيب اصابة بالغة منعته من لعب الكرة .ولكن اين اهل الموردة ؟؟
|
|
|
|
|
|