|
الليلة يا موت يا حياة/ جعفر خضر
|
الليلة يا موت يا حياة
نهبت عصابة الأمن والمخابرات جهاز اللابتوب الذي يخصني أول أمس الثلاثاء بعد منعها لفعالية منتدى شروق حول قضية الشرق ، بالإضافة إلى الموبايل الذي أهداه لي صديقي عبد الله عبد القيوم عوضا عن موبايلي الذي استولت عليه عصابة الأمن من قبل ، فإذا بالعِوض ينتهي به المطاف مع الذي جاء عِوضا له ، ومع ساوند سيستم شروق والكاميرات ، ومع كل الوطن المنهوب في زنازين الأمن .. لذا لا تفكروا في تعويض من سُلبت ممتلكاتهم ، فالحلول الجزئية لا تسمن ولا تُغني من جوع ، وإنما ركّزوا على إسقاط نظام السلب والنهب .
دخلت في اعتصام جلوسا على الأرض في سوق ديم النور بالقضارف ليلة الثلاثاء ، وشاركتني أمي جلوسا على الأرض وخالتي وأخي وعدد من الإصدقاء وأقمت 3 مخاطبات متفرقة معلنا اعتصامي وقد عزمت على المبيت هنالك ، ولكن بسبب مرض أمي التي سافرت أمس إلى الخرطوم لتلقي العلاج ـ شفاها الله ـ قطعت الاعتصام عند حوالي 12:30 ليلا . وعليّ الآن أن استأنف.
كم أشعر بأني أناني ، بل أناني جدا ـ إذ أنني أدخل في هذا الاعتصام بعد فقدي المباشر لحاجاتي الشخصية .. وقد أُزهقت أنفس ، وأُغلقت منابر ، وهُدمت بيع وصلوات ومساجد ، ونُهب وطن .. ولم أعتصم .. ولتقليل هذا الشعور بالأنانية الذي لن أستطيع محوه تماما فسأجعل لممتلكاتي دلالات رمزية لعذابات المواطنين وأعتصم .
يوجد بجهاز اللابتوب الذي هو أغلى ما أملك ـ بالمعني الحرفي لهذه الجملة ـ يوجد به كل المقررات التي أُدرّسها لطلاب الأساس والثانوي ، فهو عدة شغلي وبالتالي فإنّ الاستيلاء عليه إنما هو منع لي من مزاولة عملي التعليمي الخاص الذي لا تدفع لي فيه حكومتهم مليما أحمرا.. هو منعٌ لي من الاقتيات من خشاش الأرض ـ فسأتخذ من ذلك رمزا لعذابات المحالين للصالح العام الذين شُردوا وشُردت أسرهم ولم أقف معهم كما ينبغي .. وأعتصم .
ويوجد باللابتوب رسالتي للماجستير التي لن تكتمل وسأتخذ من ذلك رمزا لضياع حرية البحث العلمي وخراب الجامعات ، وسأتخذ من نهب ممتلكاتي رمزا لنهبهم للمال العام طوال ربع قرن من الزمان .. وأعتصم .
وأتخذ من استيلائهم على مقر شروق رمزا لإغلاق المراكز الثقافية ، ورمزا لنهبهم للمنتزهات والأراضي وحرمانهم للمواطنين من حقهم في السكن ، ورمزا لتفريطهم في أراضي الفشقة وحلايب .. وأعتصم . وأتخذ من منع ندوة (تنمية الشرق) رمزا للفقراء والجوعى والمصابين بالسل في شرق السودان وكل أقاليم السودان التي تعاني من الظلم المقيم .. وأعتصم .
للأسف لم تسل مني قطرة دم واحدة لأتخذها رمزا لدماء حجاج القضارف التي انسكبت ، لم تسل مني قطرة دم واحدة لأتخذها رمزا لشهداء هبة سبتمبر وشهداء بورسودان وكجبار . لم تسل مني قطرة دم واحدة لأتخذها رمزا لدماء أبرياء جنوب كردفان التي لا زالت تسيل وشهداء دارفور والنيل الأزرق وأعتصم .
سأعتصم
أعتصم في منتصف سوق ديم النور جلوسا على الأرض وإلى ما شاء الله .
سأصل إلى سوق ديم النور طيرانا في الهواء ، أو مشيا على الأقدام ، أو سيرا على الكرسي المتحرك ، أو زحفا على الأرض ، وأعتصم .
الليلة يا موت يا حياة .. خاتي لو أخترت الوسط
جعفر خضر
|
|
|
|
|
|