|
الفوضى الخلاقة .... اوهام الحروب و التطرف الديني بقلم هيام المرضى
|
لو ان مستشارة الامن القومى الامريكى وضعت واحد بالمائة ان هنالك ثورات ربيعية عربية قد ينجم عنها انقلاب فى الحكم و الحكومات العربية بكل الموازين لما نبست ببنت شفة عن خطط الفوضى الخلاقة و المقصود بها الشرق الاوسط فى حينها و لتركت الطبيعة تجرى مجراها .. و لو ان المراد بالفوضى الخلاقة الصراع الدينى الشيعى السنى كمدخل لخلق الفوضى او محصلة للفوضى الخلاقة لما اسهمت الطبيعة بتلك البادرة الجزيلة للمستشارة الامريكية بهكذا سهولة , و لعل التخبط الامريكى فى مصر و تبعات التدخل السياسى اولا لتنصيب الحكم الاخوانى و من ثم الانقلاب عليه و التى عكست فى حينها التخبط السياسى الامريكى فى محاولة لاستدراك مجريات الاحداث المفاجئة و السريعة و الغير متوقعة .. فقد كان يبدوا على السطح دوما معارضة عربية و اهنة لطالما استخف بها الا ان الانفجار الشعبى الثورى لدول شمال افريقيا و خلعه للقيادات المكرس حكمها بدوافع المصلحة الغربية عموما كاد ان يعصف بحسابات نظرية الفوضى الخلاقة نفسها .. فالنظرية لاتقل عن سابقتها فى افغانسات و التى اسهمت فى ضعضعة القطب الاشتراكى السوفيتى على نار هادئة ابتدأ من الدعم اللوجستى انتهاء بالتدريب و الدعم النقدى الهائل .. و لعل قيام الثورة التونسية و اقتلاع زعيمها و سرعة التحول السياسى و انتقاله الى ليبيا و مصر و الشرق الاوسط و المشاركة الجماهيرية و الشعبية الهائلة التى يستحيل معها الترويج لفكرة الترتيب مسبقا كما يحلول للاستخبرات ترويجيها قد عصف كليا بنظرية الفوضى الخلاقة ..ذلك ان ضعضعة الحكم الملكى فى الشرق الاوسط او اشعال الصراع السنى الشيعى كان ليتطلب ربع قرن عن احداث تلك الفوضى الخلاقة ذلك ان الصراع السياسى فى المنطقة لا يمكن باى حال من الاحوال ان يشعل انظمة ضد بعضها بقدر ما كان يكرس العداء للعدو المشترك و هو الدولة الاسرائيلية فغالبية الدول تخشى على امنها خصوصا سورية و هضبة الجولان و الاردن بالاضافة الى نظرية المؤامرة للعاصمة الشيعية طهران و التى تنصب من اسرائيل سبب لكوارث المنطقة .. ان المحصلة النهائية للفوضى الخلاقة لما قبل الثورات العربية لا يمكن ان تنصب الا فى اطار تشجيع النعرات الدينية بدلا عن السياسية فى المنطقة الملتهبة بالعدو المشترك .و قد يبدوا للوهلة الاولى ان التدخل الامريكى البريطانى لتدمير اسلحة الدمار الشمال فى محور الشر دعاية جذابة تصلح كقاعدة لنظرية الفوضى الخلاقة ذلك ان تلك النظرية لم يعلن عنها الا بعيد اقتلاع الحكم فى العراق و حل الجيش العراقى و بدأ الفوضى تمهيدا لخلق الفوضى السياسية فى منطقة الفرات الا ان الثورة السورية غير المتوقعة كامتداد لثورات الربيع العربى قد جعل من امن اسرائيل و خطط الفوضى عواقب غير مدروسة و غير واضحة المعالم و كان لابد من اطالة امد الصراع السورى لمزيد من الوقت لاعادة ترتيب ودراسة المنطقة .
بيد ان تحويل منطقة الشرق الاوسط الى منطقة ايدولجية متصارعة لا يمكن ان ينصب كخيار سليم فى مصلحة غربية او شرقية خصوصا بعد ظهور قطبى الصراع العالميين الصين و موسكو اللتين تشكلا اتحاد قويا و امبراطورية تحالف تكاد ترقو الى القطب المنهار السابق الاتحاد السوفيتى كما و ان نظرية شرطى المنطقة كما يحلوا للولايات المتحدة الامريكية ان تقوم به بالتحكم فى واردات النفط لكتلة الاتحاد الاوروبى لا يمكن ان يصمد امام الخطر الصينى المتزايد كمنافس افريقى شرق اوسطى او ايدولوجيا الماركسية المتصاعدة من جديد فمثلا قد لا توثر حرب الجنوب فى جنوب السودان بين القبائل المتناحرة كثيرا امام التصميم الصينى للنقيب و استخراج النفط فى افريقيا ذلك ان عائدات الدخل الصينية تختلف عن نظيراتها الغربية التى تنقب و تستخرج النفط بدوافع يغلفها الطابع الاستعمارى القديم للمنطقة اما القطب الصينى فيبدوا انه اثرى الخزانات الافريقية كثيرا نقديا و يبدوا ان الخيار الصينى الاكثرا ربحا و امنا و حيادا من غيرها الغربية و لا خطر سياسى من النفوذ الصينى بافريقيا كما يحلوا للشركات النفطية العملاقة ان تلعبه فى افريقيا المستعمرة القديمة .
قد يؤدى تبعات التطرف الدينى فى منطقة الشرق الاوسط الى تفريخ الارهاب عالميا و قد وردت تقارير سابقة توضح ان غالبية المجاهدين فى العراق ضد الهجمة الامريكية هم من المتعصبين فى المملكة العربية السعودية و فى الوقت الذى اصبح فيه ملء الفراغ السياسى او ضعف ممارسة الحياة السياسية الطبيعية الى كبت يظهر فى شكل تعصب و ايدلوجيا دينية متعصبة .. و قد وضعت التقارير الاستخباراتية السابقة مثال اسامة بن لادن فى اطروحة استفهامية بغية ادراك كيف يمكن لحياة رغيدة ان لا تمثل مغنطيس جذب للرفاهية الاجتماعية و الانا المتطلبة للفرد ... و كيف يمكن لمغنطيس الحياة الزهيدة و الجهادية ان يحل محل المتعة و الانا ... و كيف يحول الفرد المجاهد نفسه الى قنبلة موقوته مقابل لا شئ دنيوى .. و فى الحقيقة ان محاربة ايدلوجيا دينية متطرفة لانسان خام اكثر امنا من استقطاب كوادر مدربة .. و يظهر ذلك جليا فى تنظيمات الدولة الاسلامية المتطرفة فى منطقة الشرق الاوسط الذى يعتبر رد فعل قوى و مدمر لحل كرومر للجيش العراقى كواحدة من ابلد القرارات السياسية العسكرية فى التاريخ الحديث .. ذلك ان تحويل كادر مدرب و فوضى سياسية و اقتصادية طاحنة و دعم تدفق نقدى هائل لابد ان يخلق ارهاب طموح و اكثر انتشار فى الدول الغربية و لعل الثورة السورية كان مسمار النعش الاخير فى بداية التطرف الدينى المطلق للمنطقة بشقيه السنى و الشيعى .
هيام المرضى
الخرطوم – السودان
|
|
|
|
|
|