|
الصياد دولي والسنارة أفريقية.. فمن سيكون الطعم؟ احمد قارديا خميس
|
المستنقع السوداني الذي يعيش حالة من المد والجزر بين التحول الي حرب أهلية أو مواجهة إقليمية مفتوحة علي أكثر من سيناريو واحتمال, يشهد في هذه الأيام محاولة دولية أفريقية ببعد أممي وغطاء أفريقي يقال إنها لإخراج السودانيين من بحيرة الدم والدموع التي اختلطت وتشابكت حوابلها بنوابلها, ولم نعد نعرف الرأس من العقب. كواليس الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي تقول إن طبخة تُسوّي علي نار هادئة تقدم باسم ثابو أمبيكي رئيس الآلية الافريقية رفيعة المستوي التابعة للاتحاد الافريقي, وتدعمها الوسطاء الدوليون في اديس ابابا, التي استضافت رموز المعارضة السودانية سواء المسلحة أو المدنية, الأسبوع الماضي, ويشكل مالك عقار اير رئيس الجبهة الثورية السودانية أحد أهم عناصرها, وتساندها دولة اثيوبيا التي ستشكل مركز الثقل في إقناع الرئيس السوداني عمر البشير بقبول هذه التسوية. طباخون كثر وأدوات الطبخ ومستلزماته باتت جاهزة, فكيف ستتعامل عواصم مثل واشنطن وباريس وجوبا والرياض والقاهرة مع مشروع تسوية من هذا النوع لا يعرف أحد تفاصيله, لكنه يُعرف بأنه معرض في كل لحظة للتحول الي انتكاسة قوية للجبهة الثورية السودانية وجهودها المبذولة منذ سنوات لإنجاز عملية التغيير في السودان.
الخرطوم نجحت حتي الساعة في لعب ورقة الوقت والفرص, واللجوء الي المناورة والخداع واستخدام العنف عند اللزوم, وهي صامدة لا تريد الاستسلام, فهل ينجح الصياد الدولي والسنارة الأفريقية والطعم اما اثيوبي أو نيجيري أو فرنسي أو امريكي أو مصري... مع الأسف في جلب السفاح عمر البشير نحو المصيدة, أم أنه هو الذي سيلتف علي الجميع و "يتغدي بهم قبل أن يتعشوا به"؟! التسوية كما يبدو ستتم في اديس ابابا, لكن الغطاء سيكون أفريقيا مدعوما من قبل المجتمع الدولي بواسطة الأمم المتحدة. ومن حق الأمم المتحدة أن تكون براغماتية الي أبعد الحدود. رأس السلطة السياسية في المنظمة الدولية من حقه أن يقول عكس ما قاله قبل أعوام مثلا في خطابه الي العالم عن حالة الأمة, حيث يردد أنه لابد من حركات مسلحة وقف الحرب في السودان, فبات اليوم يدعم مشروع الحل السياسي الشامل الذي تم اعلانه في اديس ابابا برعاية الاتحاد الافريقي بالتنسيق مع المجتمع الدولي. من حقنا أن نسأل السيد بان كي مون أمين العام الأمم المتحدة ومنظمته طبعا عن أسباب دعم المشروع السياسي قبل أن يدعم في مشروع قبض مجرمي الحرب في السودان, وهو ما لم يفعله حتي الساعة في الساحة العراقية أو في دولة جنوب السودان أو في ليبيا أو في الصومال أو سوريا مثلا! أديس ابابا حليف الخرطوم الأول في الحرب علي الشعب السوداني الثائر يطلب إليها أن تكون حيادية. رموز المعارضة وأعوان النظام في الخرطوم ليتحاوروا بغطاء أممي أفريقي, ثم يتم تقديم المشروع المستحيل ولادته في مثل هذه الظروف وتحت هذه الشروط, وكأنه مشروع الحل الذي يطرحه ثابو أمبيكي الوسيط الافريقي لحل الأزمة السودانية! لماذا علينا أن نثق بما تقوله أديس مثلا؟ هل لأنه لا خيار آخر أمامنا, أم لأننا حقا بأن المجلس السلم والأمن الافريقي سيتخلي عن البشير, ويلزمه بالانسحاب, علي الرغم من أنه لم يوقف للحظة واحدة جسره الدبلوماسي والمعنوي والدولي لدعم نظام البشير في إطار جرائم الحرب ، لا يعرف أحد موعد نهايتها؟ لماذا علينا أن نقبل بأن تجمع المحاربين فى اديس ابابا حول طاولة الحوار ستعرض فرضا علي القيادتين الايرانية والقطرية الحليفين الآخرين للخرطوم؟ وما الذي سيجنيانه هما من تنازل بهذا الشكل سوي طمأنة التنظيم العالمي للاخوان المسلمين بأن لا ضرورة للحرب, فالتسوية السودانية تعني أيضا تسوية لحل الكثير من مشكلاتهم الاقليمية العالقة.. كمشكلة دولة جنوب السودان أو ليبيا أو قطر أو مشكلة سد النهضة بين مصر واثيوبيا. المعارضة السودانية حذرت من خدعة بسيطة من هذا النوع, وقالت إنها لن تمر. لكن قيادة الجبهة الثورية السودانية هي التي أعلنت أنها لن تسمح لأي كان بالالتفاف علي انتصاراتها الميدانية, وتجاهل الأبرياء والضحايا الذين يدفعون حياتهم ثمنا لإنجاح حراك ثوري شعبي يبحث عن الحرية والكرامة في بلده. الشروط المسبقة لمالك عقار ليست مناورة سياسية, والجميع في الجبهة الثورية يتمسك بخيار لا بديل عنه, رحيل النظام, مهما كان الثمن, لكننا لا نعرف كيف سيسمح حزب المؤتمر الوطني للاتحاد الافريقي والأمم المتحدة بأن تدعما مشروع سحب الكرسي من تحت قدميه وحبل المشنقة يضيق حول الرقبة؟ الجبهة الثورية السودانية وقوي الاجماع الوطني وبقية الثوار بالداخل والخارج يشكلون المجتمع المدني في السودان الثائر منذ ربع قرن ويقودون المرحلة الانتقالية في البلاد, لكننا لا نعرف موقع ودور ومصير القيادة السياسية الحالية التي ما زالت تصدر قرارات الابادة الجماعية والتدمير والتشريد والتهجير والاعتقال والمحو علي كل الجبهات. السودان ومستقبل النظام ومصيره. عكس ذلك يعني رمي الكرة في ملعب المعارضة السودانية في محاولة لضربها وتفتيتها وإنهائها, وهذا ما تريده اديس لإنقاذ الحليف في الخرطوم وما قد تتغاضي عنه الأمم المتحدة لصالح التخلص من القوة التي تري فيها مليشيات متشددة "قوات الدعم السريع" تشكل خطرا علي المنطقة. الجميع عليه أن يكون مستعدا لدفع الثمن في حال ارتكاب الأخطاء, ودروس تطورات مراحل مابعد الثورات في المنطقة تعكس حجم القضية الدولية والاقليمية التي فشلت في تحقيق غاياتها حتي الساعة في تلك البلدان.
|
|
|
|
|
|