|
الشيخ موسي هلال وشِيعَته يُنكِرونُ ضوء الشمس من رَمَدٍ (الأخير) بقلم/ عبد العزيز سام
|
– 8 أغسطس 2014م في الجزء الثالث والأخير من هذا المقال، أقدم مقترحي بخارطة طريق للشيخ موسي هلال وكل مكونات مليشيا الجنجويد بمختلف فصائلها وتسمياتها وتماهياتها، في محاولة متواضعة من شخصٍ غير متخصصٍ ولا مُحترف، للتصالح مع أهلهم والعودة إلي حضن مجتمعهم الأم الرؤوم دارفور، وذلك يتم بإرادة صادقة وقوية من الشيخ موسي هلال ومجلسه المسمي الصحوة، لأنه هو وحده من أسس هذه المليشيات، وهو الوحيد القادر علي إبطال مفعولها المدمِّر وتفكيكها وإعادة دمجها في المجتمع الدافوري والسوداني أجمع. ويجدر القول بأن المجتمع الدارفوري قد عاني ويلات فظائع الجنجويد، ولكن المجتمع السوداني بكامله صار أكثر خوفاً وتوجساً من ظاهرة الجنجويد وفظائعهم التي يشيب من هولِها الولدَان، ويقع علي عاتق الشيخ موسي هلال إعادة الحال إلي ما كان عليه، وأن يقضي بقية حياته في إصلاح ما أتلفته يداه، وجبر الكسور ورتق الفتوق التي فتحها داخل البيت الدارفوري، وإن أراد إصلاحاً سيوفق الله بينه وبين ضحاياه.. ويعلم الشيخ موسي هلال أن الدنيا كلها تنظر إليه بمقتٍ وإحتقار من ناحيه كونه قد فتكَ بأهل بيته ونكَّل بهم وشرَّدهم، وأهدر كرامتهم الإنسانية لسوء تصور وتصوير منه للأشياء، وأعتقدُ أنه نادم أشد الندم علي ما أقترفت يداه. أمّا وقد علِمَ أنه قد غررَ به شيطان الإنس قبل شيطان الجن، وصار كالذي فاق من حلمٍ مزعج يتمني أن ينساه فوراً، ويزيل ما سبب له من ضررٍ نفسي. ثم إلي المعالِم العامة لفكرة خارطة الطريق لعودة الجنجويد إلي حُضنِ دارفور، والوطن السودان: أولاً: المطلوب من الشيخ موسي هلال عرَّاب الجنجويد وزعيم مجلس صحوتهم: 1) الإعتراف للضحايا المدنيين من أهل دارفور بما إقترفت أيدي الجنجويد من موبقات، وإعلان التوبة النصوحة عنها، وإعلان الندم علي تلك الفظائع والموبقات، والتأكيد علي عدم العودة إليها مرة أخري مهما كان. 2) إعلان الخروج النهائى من كافة مؤسسات حكومة الإنقاذ، وكشف كل الأدوار والأسرار التى إرتبطت بإستخدامهم للفتك بالضحايا من مواطني دارفور العزّل، وإستعدادهم للتعاون مع المؤسسات الدولية والإقليمية لفضح عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية في دارفور خلال العقد الماضي 2002- 2013م. 3) إعلان الإستعداد التام لجبر الضرر الذي أحدثوه بأهل دارفور بالتضامن والإنفراد. 4) نزع، وجمع سلاح الجنجويد بكل تشكيلاته وفصائله، وتسليمه لجهة أممية دولية محايدة تنشأ خصيصاً لهذا الغرض، تتكون من الأمم المتحدة، وأعضاء مراقبين من الإتحادات الإقليمية (الإتحاد الإفريقي، الإتحاد الأوربي، جامعة الدول العربية، المنظمات المدنية الحقوقية). 5) أن تعمل الجهة الأممية المزكورة في الفقرة (4) أعلاه، دون إبطاء، للحصول علي ضمانات مكتوبة وموثقة من الحركات المسلحة وتحالفاتها (الجبهة الثورية) بعدم المساس أو التعرض لفصائل الجنجويد المختلفة بأي حال من الأحوال ولأي سببٍ كان. 6) أن يقوم زعيم الجنجويد ومجلس الصحوة الشيخ موسي هلال بتقديم طلب للصلح مع ضحايا دارفور وأسَرِهِم، يتم نشره في الوسائط الإعلامية المختلفة، وتسليمه كتابة للضحايا وأسرهم في مواقعهم بمعسكرات النزوح واللجوء عبر لجانهم وتنظيماتهم، كما يتم تسليم نسخة منه لوسيط الأمم المتحدة المشار إليه في الفقرة (4) أعلاه. ثانياً: مطلوب من ضحايا الجنجويد في إقليم دارفور الآتي: بعد أخذ العلم بطلب الصلح من قيادة الجنجويد في حدود الحقوق الخاصة للضحايا، دون المساس بالحق الجنائي الدولي العام الذي لا يملك الضحايا حق الصلح فيه، لأنه حق مملوك علي الشيوع للبشرية جمعاء (جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب كالإغتصاب والتعذيب) ومحل الفصل فيها المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، فيما عدا ذلك يقوم ضحايا الجنجويد بدارفور، عبر تكويناتهم ومواقعهم المختلفة، بالدعوة لقعد إجتماع عام للضحايا بعون ودعم وإسناد من الأمم المتحدة للنهوض بالمهام التالية: 1) تكوين مجلس لتمثيل ضحايا الجنجويد في دارفور، يتم تفويضه من الضحايا للموافقة من حيث المبدأ علي طلب الصلح المقدم من الجنجويد، ويقوم المجلس بحصر كافة الأضرار والفظائع التي إرتكبها الجنجويد ضد المدنيين العزّل في إقليم دارفور، ويتم تسليم كشوفات بالأضرار والخسائر للوسيط الأممي، ليقوم الوسيط بدوره بإبلاغ زعيم الجنجويد وممثليهم موافقة الضحايا بطلب الصلح، مرفقاً معه صورة من كشوفات الأضرار المراد جبرها وصولاً إلي الصلح المأمول. 2) يقوم مجلس الضحايا بجمع توكيلات شرعية، جماعية وفردية من الضحايا، يفوضون بموجبها المجلس لتمثيلهم في مواجهة الجنجويد أمام وسيط الأمم المتحدة لهذا الملف وصولاً إلي صلح نهائي ومُلزِم لأطرافِه. 3) يقوم مجلس الضحايا بمهام التحقق والرصد والمراقبة للتأكد من إلتزام الجنجويد بما إلتزموا به أعلاه، ويبلغ أية خروقات للوسيط الأممي. 4) يقوم مجلس الضحايا بإعداد الملف التفاوضي للصلح مع الجنجويد، وله في سبيل ذلك سلطات تقديرية Discretionary Powersفيما يلي مطالب الضحايا، من حيث السقوفات والحدود الدنيا، وإستخدام التجارب السابقة كتجربة جنوب إفريقيا (الحقيقة والمصالحة) إذا توفرت شرائطها. ثالثاً: مطلوب من الوسيط الأممي القيام بالمهام التالية: 1) إدارة منبر الصلح بين الطرفين بحنكةٍ وحكمةٍ وحيادٍ وأمانة، وتسريع الخطي للوصول إلي مصالحة عادلة ودائمة بين الطرفين وتنفيذ مقرراته ومخرجاته وفق قيد زمني يتم الاتفاق عليه. 2) تحصين المنبر من التدخلات السالبة للعناصر التي تسعي لتعويق هذا الصلح مثل الحكومة السودانية والجهات العنصرية الأخري. 3) إقتراح مشروعات الحلول والتوافق وعرضها علي الأطراف، مثل الديات والتعويض المادي والمعنوي، وأعادة الأموال المنهوبة والمغتصبة لأصحابها عينياً إن وجدت بحالة جيدة، وتحفيز إعمال فضيلة العفو وفق التجارب السابقة، مثل سابقة الحقيقة والمصالحة بدولة جنوب إفريقا، إذا توفرت شروطِها، إنتهاءَ إلي حل كافة الحالات، وتقديم مقترحات للأطراف للموافقة عليها وتوثيقها وإعلانها وتنفيذ بنودها. 4) تسهيل التوصل إلي حلول، وحشد الموارد البشرية من الخبراء والحكماء المحليين والدوليين المحايدين، لمعاونة الوساطة في المجالات المختلفة. 5) إستقطاب شركاء للمنبر من المنظمات والدول لحشد الدعم السياسي للمنبر، وتوفير الموارد المالية من خلال عقد مؤتمر مانحين دولي لتنمية دارفور، ولتنفيذ مخرجات هذا المنبر ورتق نسيج المجتمع، ومتابعة تنفيذ قراراته ومخرجاته. 6) مراقبة سلوك الأطراف والجهات السودانية الأخري لأطول فترة ممكنة حتي يكتمل التطبيع والإنصهار التام بين مكونات المجتمع الأهلي والمدني في إقليم دارفور. 7) الإشراف علي تنفيذ كافة مخرجات منبر الصلح، وفقَ سقف زمني محدد، وإيداع صور منها لدي الجمعية العامة للأمم المتحدة والإتحادات الإقليمية، ولدي المحكمة الجنائية الدولية صاحبة الإختصاص الجنائي الأصيل في جرائم دارفور. وإصدار وثيقة صلح وسلم إجتماعي لمجتمع دارفور يوقع عليه زعماء الكيانات القبلية والأهلية والمدنية، ويلتزموون بتنفيذ بنودها بإشراف الوسيط عبر عِقدٍ كامل من الزمان. 8) عقد مؤتمر أهلي للإدارات الأهلية بدارفور فور صدور وثيقة الصلح والسلم الإجتماعي أعلاه، يتواثق فيه زعماء الإدارات الأهلية في دارفور علي الإلتزام التام بمخرجات منبر الصلح والعمل علي تنفيذها والحفاظ علي السلم والأمن علي المستوي المحلي والقومي والإقليمي. 9) تكوين آلية أهلية دائمة لمراقبة تنفيذ مقررات الصلح وفض أية نزاعات أو خلافات تنشب، أو خروقات تقع في مرحلة التنفيذ. رابعاً: التحديات التي تعِيق الوصول إلي الصلح المزمع، أو تنفيذ بنوده بين مكونات المجتمع الدارفوري، وهي : 1- حكومة "الإنقاذ" السودانية: وهي شيطان الإنس رقم واحد، التي مزقت المجتمع الدارفوري وفرقت بين مكوناته عرقياً، عرب وزرقة، وسلح هؤلاء ضد أولئك، و وسوس لقابيل دارفور ليقتل هابيله الأعزل وهو يقول لقاتله وشقيقه قابيل: "إنِّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحابِ النار وذلك جزاءُ الظالِمين، فطوَّعت له نفسه قتلَ أخِيه فقتله، فأصبح من الخاسرين"(سورة المائدة).. وكان أن دفعت حكومة الكيزان الجنجويد للفتَكَ ببناتِهم وأخواتهم وأمهاتهم وجدَّاتِهم إغتصاباً وتعذيباً وهدراً لكرامتهن الإنسانية. ومن المهم جداً ملاحظة أن الحكومة السوداني قد نأت بنفسها ومكوناتها العرقية وتشكيلاتها النظامية من الوُلوغٍ في فظائع دارفور، فأوكلتها للجنجويد أبناء دارفور ليبوأوا بذنوب أهلهم وعشيرتهم نيابة عن عمر بشير وحزبه المجرم وشيعَتِه الفاسدة. 2- بعض الدول العربية والإسلامية: ومِنها إمارة قطر راعية الإسلام السياسي، ومالِكة مشروع وَهْم الكونكورد المسمي "وثيقة الدوحة" ومرات أخري "اتفاق الدوحة" وقد تم توقيعه بين الدكتور التجاني سيسي، ممثل المجتمع المدني الدارفوري والمؤتمر الوطني. ومشكلة إمارة قطر أنها دولة رغم غناها المادي إلا أنها تعاني تخلفاً فكرياً بتبنيها فكر سياسي وتنظيم بالى، يقوم عليه جماعة الأخوان المسلمين الذين تجمعت فلولهم مؤخراً في السودان، كالقمامة في محطة تجميعها الأخيرة، وفي طريقها نحو المكَّب النهائي إلي مذبلة التأريخ، ونهايتهم الحتمية. ودول إسلامية منكفئة مثل إيران التي تستخدم السودان أسوأ إستخدام لتنفيذ سياساتها ضد معسكر الإسلام المُعتدِل، الذي يقوده المملكة العربية السعودية ومصر والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين إلخ، وهو الحلف الطبيعي الذي يجب أن يكون السودان عضواً فيه عبر التأريخ والجغرافيا والفكر لو لا وصول هذه الفئة الضالة إلي حكم السودان في يونيو 1989م بسبب فشل وتراخي حكومة الصادق المهدي في حماية البلاد وحقوق العباد.. فشعب دارفور الذي أتي بالصادق المهدي إلي كرسي الحكم هو ذاته الشعب الذي دمره حكم الأخوان المسلمين أثناء الحرب 2002- 2014م والمستغرب هو دور الصادق المهدي المهادن والمخاتل والمندمج بأبنائه في حكم الإنقاذ بدلاً من مقاومته ونصرة أهل دارفور. 3- غياب دور موازي ومكافئ ومساوى لدور الدولة العربية المناصرة لحكم الكيزان في السودان بسبب العرق، فالطبيعي أن يكون هناك دور لتجمع أو رابطة دول إفريقية تحمل الفكر "الأفريقاني" القائم علي حماية حقوق المجتمعات الإفريقية القديمةIndigenous تنهض بحماية أهالي دارفور من الإبادة التطهير العرقي من حكومة عنصرية تقوم بفتنة مكونات إقليم متعدد ومتنوع ومسالم مثل إقليم دارفور، وإحتواء وغسل دماغ وإستغلال وتوظيف بعض مكوناته الإجتماعية "العرب الجنجويد" لقتل وإبادة المكونات الإفريقية السمراء "زرقة" دون سبب واضح سوي الهوس العرقي والديني. في هذا الوضع المختل، كان المأمول- بالطبع- أن تنهض دول إفريقية لتقف في وجه الفعل الحكومي السوداني ووقفه، وحماية الضحايا الأفارقة السود، ولكن ذلك لم يتم وكانت النتيجة مأساة كونية بكي لهولِها ضمير العالم الحُرّ المتمدن. والغريب في هذا المنحي أنه حتي اللحظة لم تنهض أية جهة دولية إفريقية لحماية أهالي دارفور من الجرائم التي ترتكب ضدهم لأسباب عنصرية ليسوا هم سبباً فيها. فأهل دارفور الزرقة لم يختاروا لونهم ولا عرقهم ليُعاقبوا بسببه، كما أن العرب الجنجويد لم يغفر لهم عرقهم "العربي" ولا لون جلودهم التحقير والإزدراء والمقت الذي ينظر به إليهم أهل المركز السوداني بمن فيهم عمر بشير وحزبه، إنهم ينظرون إلي الجنجويد فقط كأدوات ينفذون بها أحقادهم علي أهل هوامش السودان، ولكن لا ينظرون إلى الجنجويد كبشر ولا يحترمونهم أبداً، ويكرهون مجرد النطق بكلمة جنجويد. 4- وفي الختام، أجد أن أخطر معوق يمكن أن يعطل أي مشروع للصلح بين المكونات الدارفورية والجنجويد هو شخصية موسي هلال ذاتها، وأضرب مثلاً لحادثة كنت طرفاً في تفاصيلها، فقط ليعلم الناس غرور وِعِناد وتمادي هذا الشيخ الخطأ: في حوالي منتصف العام 2002م حضر أحد المعارف بملف قضية إلي مكتبي عندما كنت أعمل محامياً، وكان مكتبي بأم درمان عمارة كباشي الطابق الثاني شارع الموردة غرب السينما الوطنية، الملف عبارة عن أمر قبض خارجي لتنفيذه خارج دائرة الإختصاص، صادر من محكمة جنايات كتم بولاية شمال دارفور للقبض علي الشيخ موسي هلال وهو "المدين" في القضية لسداد مبلغ مالي عبارة عن قيمة عدد من الإبل ثبت للمحكمة أن الشيخ قد جَحَدَها وحوَّلها لمنفعته الشخصية، والحكم محل التنفيذ صادر غيابياً ونهائياً صالحاً للتنفيذ، وكان الشيخ في تلك الأيام يعاني ويلات التشرّد والغربة عن دارفور بحكم أمر الإبعاد الصادر في مواجهته من الفريق إبراهيم سليمان والي دارفور حينها. وإتضح لي أن الشيخ موسي هلال لا ينصاع لحكم القانون، ولا لأحكام المحاكم ويضع نفسه فوق القانون وحكمه، وفي ذلك أرجع إلي تصريحاته في الجزء الأول من هذا المقال التي يجهر فيها بإحتقار المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية عندما يتحدث عن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بكل عنجهية وإحتقار، وكذلك كولن باول وزير خارجية أمريكا حينها.. المهم في الأمر أنَّ فريق المباحث الجنائية تمكن من القبض علي الشيخ موسي هلال في السوق الشعبي أم درمان وأحضروه إلي مكتبي، وموسي هلال أخ عزيز أعرفه جيداً، فرحبت به وتحدثت إليه عن سبب هذا الإجراء الذي أضطررنا إليه، وطلبت منه تقديم أية مقترحات لإنهاء هذا الأمر، مثلاً سداد جزء من المبلغ المحكوم به وجدولة المتبقي وهكذا. إلا أنني لاحظت أنِي أحدِّث حَجَرَاً وليس إنسان، حيث ظلَّ يردد عبارة واحدة طوال الوقت: " أنا العرب ما بقبلوا تقبضوا عليّ، والكلام دا ممكن يؤدي لنتائج سالبة وكبيرة" وكلما تحدثت إليه أنا أو وكيل "الدائن" أو حتي أفراد المباحث الذين قاموا بتنفيذ القبض، كان يردد علي مسامعنا نفس العبارة، فما كان منّا إلا ان ذهبنا به إلي القسم الجنوبي أم درمان وأودعناه الحراسة لحين إكتمال الإجراءات القانونية السليمة Due process of law ولكن ما أن غادرنا القسم الجنوبي أم درمان بلحظات حتي طفقت هواتفنا النقالة ترِنَّ علينا من كل حدبٍ وصوب، فأقفلناها وذهبنا في حال سبيلنا نلتمس قِسطاً من الراحة بعد عناء يوم ثقيل، ولكن من أين لنا الراحة في مجتمع مجامل ومتخصص في التدخل لتعطيل حكم القانون. أرسل الأخ المحترم المرحوم الحاج/ آدم يعقوب هارون في طلبي أنا من معي، أن نترك أي شيئ ونأتِ حالاً إلي القسم الجنوبي، وعندما قفلنا راجعين إلي هناك وجدنا أكثر من مائة سيارة لأهلنا ناس دارفور وعموم السودان وقد ربضوا هناك وهم ينظرون إلينا شذر مذر كأنما أتينا موبقاً، فأمرني الحاج آدم يقعوب هارون رحمة الله عليه، أن انهي هذا الأمر فوراً وأطلق سراح الشيخ ليذهب إلي حال سبيله، وقال أنه سيدفع قيمة الحكم المراد تنفيذه من جيبه الخاص وفوراً، فإنتهي الأمر الذي فيه يختصم القوم !! فقلت للحاج آدم يعقوب عليه رحمة الله، "يا حاج وكيل النيابة مافي مشي بيته"، فقال لي أذهب الآن وأحضر معه فوراً، وكانت الشمس قد غربت لتوها، فذهبنا فعلاً برفقة شرطي من القسم وجئنا مع وكيل النيابة المختص فأنهي الإجراءات كما أمر المرحوم الحاج آدم يعقوب فراج المِحن. المهم في الأمر أن الشيخ موسي طوال الوقت من القبض عليه ظهر ذلك اليوم وحتي إطلاق سراحه بعد المغرب، حوال الأربعة ساعات، ظل يكرر نفس العبارة التي قالها لي فور إحضاره مقبوضاً ومخفوراً أول مرة : "أنا العرب ما بقبلوا كلام قال تقبضوني وتختوني في السجن دا، والكلام دا ممكن يؤدي لآثار كبيرة ونتائج ما كويسة!!" أوردت هذا المثل الحيّ لأدلل علي حقيقة شخصية الشيخ موسي هلال، نموذجاً للإعتداد بالنفس خارج نطاق المألوف، وإعتماد قانون القوة بدلاً من قوة القانون في تصوراته وتصويراته، الأمر الذي يجب الحساب له، لأن أمثال موسي هلال تأخذهم العزّة بالإثم، ولم يألفوا الإعتزار.. ولكن بعد هذه السنين الطوال من الولوغ الفظائع الرهيبة أرجو أن يكون قد إرعوي الشيخ وغالب الهوي. بهذا أكون قد أكملت فكرتى ورؤيتى للجنجويد، كيف كانوا وما يجب أن يكونوا. وأتمني أن لا يواصلوا الإرتماء في احضان المؤتمر الوطني وعمر بشير المجرم يفعل بهم ما يشاء.. ونقول لهم كفاكم فضائح تقتلون آباءكم وإخوانكم، وتغتصبون أخواتكم وأمهاتكم، وتهدرون كرامة أهلكم عِقداً ونيف من الزمان. ونقول لأهل دارفور وضحايا الجنجويد تحديداً، الجنجويد مهما غلطوا في حقكم عشان يرضوا حكومة عمر بشير، فهم منكم ويطمعون أن تكونوا أرحم منهم في ضعفهم وذلتهم وهوانهم علي الناس، فقد أصبحوا "كالسامري" الذي أضلّ بني إسرائيل فأخرج لهم عجلاً جسداً وقال لهم هذا إلهكم وإله موسي!!، بعد أن فلق لهم موسي البحر بأمر ربه، ونجّاهم وأغرق فرعون وجيشه، وتركهم موسي بصحبة هارون أخيه، وعجّل موسي إلي ربه ليرضي. فرغم قسوة الجنجويد وسوء عملهم فهم بعدُ جزءٌ أصيل من مجتمع دارفور ومكونه الديموغرافي.. وأنتم يا أهل دارفور، قد خبرتم عقوق الأبناء في هؤلاء "الجنجا"، وأنتم أولي الناس بالصلح والصفح والعفو، فالحياة لا تلذ ولا تطيب في جو الكراهية والبغضاء والخوف والرعب والرغبة في الإنتقام، ولا نقول لكم غير ما قال الشاعر: إن البرامكة الذين رموا لديك بداهية، صفر الوجوه عليهم خلع المذلة بادية. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللجنجويد. (إنتهي)
|
|
|
|
|
|