|
السودان توطيد علاقات مع روسيا و بعد عن الرياض زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
إن تصويت السودان في الأمم المتحدة مع عشر دول أخري، لمناصرة روسيا في قضية شبه جزيرة القرم، تؤكد علي المسار الإستراتجي الذي تريد أن تسير عليه الخرطوم، في سياستها المرتبطة بالعلاقات الدولية، و التي تشهد مزيدا من الإستقطاب الحاد، بعد ضم روسيا لجزيرة القرم، بل إن السودان لم يكتف بذلك، بل أرسل وزير خارجيته علي كرتي لموسكو، لكي يؤكد إن الخرطوم تقف إلي جانب موسكو في صراعها مع أوكرانيا وحلفائه الأوروبين، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط، و هذا الموقف ليس مرتبطا فقط بقضية القرم، بل في كل القضايا مسار الخلاف الموضوعة في طاولة البحث العالمية، حيث قال السيد علي كرتي وزير الخارجية، في مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الروسي في موسكو أثناء زيارته قال ( أننا أيدنا موسكو في الأمم المتحدة حول قضية شبه القرم رغم ضغوط الغرب، و بغض النظر عن الضغط المستمر علي بلادنا، و قد إتخذنا قرارنا الخاص، بالتأييد ما نراه صائبا) و قال بيان صادر من وزارة الخارجية الروسية عقب زيارة وزير الخارجية علي كرتي لروسيا ( إن الوزيرين بحثا سبل تسوية الأزمات في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، بما في ذلك الوضع في سوريا و ليبيا) إذن الأجندة لم تكن قاصرة علي علاقات البلدين فقط، أنما هي تناولت الأحداث في المنطقة، و أهمها قضية الشرق الأوسط مجملة و القضية السورية، و هي تدخل في عمق الصراع الإستراتيجي، و القوي التي سوف تنتصر في سوريا، هي التي سوف تعيد ترتيب أوراق المنطقة، بالصورة التي تخدم مصالحها. و ما يؤكد إن السودان ساعي لعلاقات إستراتيجية مع موسكو، تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في المؤتمر الصحفي مع نظيره السوداني حيث قال ( إن روسيا معنية بتطوير العلاقات التجارية و الاقتصادية و الإنسانية مع السودان) هذا ما يخص العلاقات بين البلدين، أما عن المحاور الأخري قال لافروف ( لقد نشأ حوار صريح بين موسكو و الخرطوم تكتنفه الثقة، و هما متفقان في المواقف أزاء القضايا و القرارات التي إتخذتها الأمم المتحدة و غيرها، بما في ذلك القرارات المتعلقة بأكثر القضايا إلحاحا و المعقدة) و أكثر القضايا خلافا في منطقة الشرق الأوسط هي القضية السورية، و التي أصبحت مجالا للإستقطاب. و إذا عدنا للخرطوم نجد توجيهات رئيس الجمهورية لوزير خارجيته، بعد إطلاعه علي نتائج زيارة الأخير لموسكو، كانت التوجيهات تقوية العلاقة بين تركيا و مصر، و أدخلت مصر للتمويه باعتبار المقصود هو تركيا، لعلاقات السودان معها و تبرير موقف السودان في الوقوف في الجانب المقابل لتركيا في الملف السوري. هل يعتبر موقف السودان الجديد هو محاولة للضغط علي الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت شطب أسم السودان من قائمة الدول المساعدة للإرهاب، و رفع العقوبات الاقتصادية، أم هي أيضا رسالة إلي دول الخليج التي بدأت تمارس بعض من الضغوط الاقتصادية علي السلطة الحاكمة، أم الإثنين معا، و هل يملك السودان الذي يعاني من نزاعات داخلية لم تحل، و أزمة سياسية و اقتصادية، إن يدخل في مشاكسات ذات طابع إستراتيجي، أم إن السودان يبحث عن منافذ للتعاملات البنكية إذا زادت عليه الضغوط، أيضا واردة، و لكن ما هو الشيء الذي يمكن أن يقدمه السودان لروسيا في صراعها مع أوكرانيا أو في منطقة الشرق الأوسط، و كان معروفا لدي القيادة الروسية إن ضمها لشبه جزيرة القرم، سوف يثير حفيظة الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية، و روسيا تعلم تماما أية تصويت في الأمم المتحدة خلاف مجلس الأمن سوف تخسره، و لكنها كانت تراهن علي شيئين، الأول إمدادات البترول و الغاز إلي أوروبا، و ثانيا إنها دولة نووية يعمل لها الف حساب، و لكن ما هو الشيء الذي يمكن أن يقدمه السودان، إلا إذا قررت القيادة الحاكمة أن تجعل لروسيا وجودا دائما في البحر الأحمر، فهذه هي النقطة الجوهرية في دفاع روسيا عن نظام بشار الأسد، أن جعل لروسيا وجودا دائما في البحر الأبيض المتوسط. فالخطوة السودانية بالوقوف مع روسيا و تطابق المواقف كما قال وزير الخارجية الروسي، يعني الوقوف إلي جانب النظام السوري، و معروف إن الساحة السورية أصبحت لتصفية الحسابات بين دول المنطقة، و يبقي السودان قد حدد موقفه في الصراع الدائر في سوريا، و هذه سوف تربط تلقائيا بإيران، و الغريب في الأمر، بعد زيارة السيد كرتي لموسكو، و صل وفد كبير من حزب التجمع اليمني للإصلاح " أخوان مسلمين" إلي موسكو، بقيادة حميد الأحمر، و ذلك للتباحث مع القيادة الروسية حول التحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، و في جانب أخر دعا توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق، الدول الغربية لتنحية خلافاتهم مع روسيا جانبا و التعاون معها لموجهة تنامي ما اسماه خطر المتطرفين الإسلاميين، في منطقة الشرق الأوسط، و قال هو الأمر الأكثر أهمية من الخلاف مع أوكرانيا، و طالب بلير الغرب إلي تسوية مع النظام السوري حتى لو بقي الأسد علي قمة السلطة. إذن إصبحت روسيا هي التي علي يديها حسم الصراع في سوريا، و بقاء نظام الأسد حتما سوف يعيد ترتيب المنطقة من جديد، و يضر بالموقف السعودي و بعض من دول الخليج. هذا الموقف ترفضه الرياض جملة و تفصيلا، باعتبار إن بقاء الأسد في السلطة و إنهاء القضية السورية، لصالح المحور الإيراني، هذا يعني أن تستعد المملكة العربية السعودية لتوترات داخلية، و خاصة إن المملكة لا تأمن طموحات إيران و توسيع دائرة نفوذها، لذلك إضطرت المملكة للمصالحة مع قطر خوفا من هذا السيناريو، حيث كتبت جريدة رأي اليوم الالكترونية التي تصدر في لندن، و رئيس تحريرها عبد الباري عطوان كتبت تقول ( أن الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي لعب دورا كبيرا في تحقيق المصالحة بين الرياض و الدوحة، حيث قام بزيارات سرية و غير معلنة إلي الدوحة، و إن المصالحة اقتصرت علي السعودية و قطر و لم تشمل البحرين و الأمارات العربية المتحدة) مما يؤكد ذلك رجوع الرياض و الدوحة للتنسيق مع بعضهما البعض في الملف السوري، و تحديد الفصائل المقاتلة التي سوف يقدمان لها المساعدة، إذن السودان سوف يكون في الجانب المقابل لهذه العملية التنسيقية الجديدة، بحكم موقفه مع روسيا التي تناضل من أجل بقاء الأسد في سدة الحكم. و في ذات الموضوع حول الصراع في الشرق الأوسط، تلقيت رسالة، من اللواء الدكتور أنور ماجد عشقي، رئيس " مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية و القانونية" بالمملكة العربية السعودية، في إطار علاقة التعاون لتبادل الراي بيننا، و هو رجل خبير إستراتيجي، ملم بأبعاد الصراع في المنطقة و مهتم بدراسة النفوذ الإيراني في المنطقة، يقول في رسالته، أنه قام بزيارة لطهران بدعوة من مركز الدراسات الإستراتيجية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية، و التقي بعدد من الباحثين و المسؤولين في ستة من مراكز الدراسات المختلفة في إيران، و بحث معهم قضية إشكاليات المنطقة، و دعوة الولايات المتحدة لتأسيس ما يسمي بالشرق الأوسط الكبير، و الذي أدخلت فيه إيران و تركيا و إسرائيل، و يقول إن سياسة المملكة العربية السعودية، تقوم علي عدة ثوابت فهي لا تسمح لصديق أو عدو أن يتدخل في شؤونها الأمنية و السيادية و الدينية، و ما عدا ذلك يعتمد علي المصالح و المعاملة بالمثل، و يقول أيضا إن إيران لا تستطيع أن تكون دولة عظمي لأنها محدودة الثقافة و اللغة و محدودة السكان و الجغرافيا و تعاني من تعدد القوميات، و قال إن السفير بوزارة الخارجية الأمريكية فريد هوف، كان يناقش علاقة الولايات المتحدة مع إيران و في إفادته للكونجرس قال إن إيران قالت إن عدوها ليس إسرائيل أو الولايات المتحدة، بل هي المملكة العربية السعودية، و قال إن السعودية أرسلت قواتها إلي البحرين بطلب من القيادة السياسية في البحرين، في إطار قوات درع الخليج و بناء علي النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، و هذه القوات لم تتعرض للشعب بل مهمتها هي حماية المنشأت الحيوية، لكن المملكة خشيت أن تتدخل إيران فتعمد الولايات المتحدة إلي تحرير البحرين بالقوة و من ثم تجد التبرير لتدمير إيران كما حدث في العراق. فالعلاقات السودانية الروسية، و تطابق الرؤي في القضاي العالمية، يعني تعبيد الطريق لتطوير العلاقة من علاقة قائم علي الاقتصاد و الاستثمار إلي علاقة تؤسس لعلاقات إستراتيجية بين البلدين، و هذه العلاقة لا تضر بالعلاقة من الصين في الوقت الحالي لأنها محصورة في نطاق محدود تحتاجه البلدان، و لكنها إذا توسعت خارج دائرة الشرق الأوسط حتما سوف تصطدم بالمصالح الصينية في أفريقيا، لكن من خلال التتبع للسياسة الخارجية السودانية، هي مناورة سياسية الهدف منها أيضا ممارسة ضغط من قبل الخرطوم علي دول الخليج، و خاصة المملكة العربية السعودية، بهدف ترميم العلاقة بين البلدين، في حدود المصالح المشتركة لا تنسحب علي قضايا إستراتيجية، و نراقب مأذا يجري، و نسأل الله أن يوفقنا في ذلك.
|
|
|
|
|
|