|
الدكتور الترابي و قيادة حلف الممانعة في المنطقة
|
زين العابدين صالح عبد الرحمن جولة الشيخ تميم أمير دولة قطر لعدد من الدول العربية، ذات شقين، الشق الأول للتمويه، و هي الزيارة التي بدأها بدولة الأردن، و علق عليها بعض المحللين بأنها زيارة بهدف إقناع الإردن لكي تتوسط بين قطر و الحلف السعودي الأماراتي البحريني، رغم إن الزيارة تحمل رسالة أخري تتعلق بالمشروع الذي يحمله الشيخ تميم، و هذه الرسالة موجهة إلي الحركة الإسلامية الأردنية و و قبائل القوميين العرب في تلك الدولة بأن يكونوا جزءا من التحالف الجديد، و الشق الثاني من الزيارة " السودان و الجزائر و تونس" و يتعلق بقضية الحوار من أجل إحياء حلف للممانعة، يقف مساندا لعملية التحولات السياسية لثورات الربيع العربي، أي إحياء فكرة الدكتور الترابي القديمة " مؤتمر الشعب العربي" الذي كان قد تكون في أوائل تسعينات القرن الماضي قبل المفاصلة، علي أن يتشكل تحالف عريض بين الحركات الإسلامية السياسية، و مجموعات القوميين العرب المختلفة، بدعم قطري، و الهدف من هذا الحلف هو مساندة القوي الجماهيرية الداعية للتغيير من منظور ثورات الربيع العربي، و في ذات الوقت أن تقف في وجه الحلف المضاد لهذه الثورات، و في إعتقادهم إن هذا الحلف تمثله المملكة العربية السعودية و دولة الأمارات العربية المتحدة و البحرين، مع إحتضانهم للسلطة المصرية الجديدة في مصر بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، و بالضرورة لا تبتعد عنه الأردن. كانت زيارة الشيخ تميم للسودان قصيرة جدا، لآن الهدف منها ليس فتح حوار حول الفكرة و مناقشتها، كل هذه المسائل قد حسمت من قبل، و تمت الموافقة عليها، و سوف يحدث بالفعل تغيير في السودان بموجب اتفاق الإسلاميين مع الدولة القطرية، و لكن التغيير الديمقراطي نفسه هو إعادة إنتاج لسلطة الحركة الإسلامية، و لكن وفقا لقوانين ديمقراطية، باعتبار إن قطر سوف تقدم الدعم المالي الذي يجعل الحركة الإسلامية بعد توحدها، إن تصل للسلطة عبر صناديق الإقتراع، و ربما يترك جزءا منها خارج سياق الوحدة، لكي تستطيع عبره إختراق القوي السياسية الأخري. زيارة الدكتور الترابي إلي الدوحة، الغرض الأساسي منها، هو مناقشة الفكرة مع عدد من المفكريين العرب، و علي رأسهم الدكتور عزمي بشارة، مدير المركز العربي للأبحاث، و هو صاحب تجديد الفكرة، و قد سبق لقاء الدكتور بشارة مع الترابي، بحوار أجرته قناة الجزيرة مع الدكتور بشارة في برنامج " في العمق " بعنوان " ثقافة النخبة و ثقافة الجمهور و التحول الديمقراطي" و الذي أكد فيه إن عملية التحول الديمقراطي تحتاج لنخب ديمقراطية مؤمنة بعملية التحول الديمقراطي، أو نخبة لديها القابلية علي المساومة السياسية في المنطقة، و كان الهدف من البرنامج أن يوضح فيه الملامح الأساسية للمشروع السياسي الداعم لعملية التحول الديمقراطي، لكي تكون أجندة للحوار السياسي للفكرة، و سوف يتواصل البرنامج لمناقشة قضية الأسلاميين و العلمانيين ، و كيفية المصاهرة بينهم بهدف توحيد الجهود و الأهداف لخلق كتلة الممانعة في المنطقة، و لكن من خلال تبني مشروع ديمقراطي، في إعتقادهم إن خلق مثل هذا التيار العريض، سوف يغلب موازن القوة الجماهيرية في المنطقة، و يحجم مخططات القوي الرافضة له أولا، و من ثم التأثير في واقعها السياسي في مرحلة أخري. السؤال لماذا التركيز علي السودان في هذا المشروع، و هل يستطيع السودان دعم هذا المشروع، و لماذا التركيز علي الدكتور الترابي؟ يجئ التركيز علي السودان، باعتبار إن الحركة الإسلامية السودانية هي الوحيدة التي تسيطر علي السلطة بالفعل، رغم النزاعات و المعارضة التي تواجهها، و يعتقد دعاة المشروع إن عملية التحول الديمقراطي في البلاد لا يفقد الحركة السلطة، بل تستطيع إن تصل للسلطة عبر صناديق الإقتراع، و من خلال الدعم المالي الكبير الذي يمكن أن توفره دولة قطر، يأتي دعم السودان لهذا المشروع من خلال السماح للقائمين بالمشروع القدرة علي الحركة في مساحات واسعة توفرها الدولة، و أيضا لمساندة الدولة القطرية في مواجهة الحلف السعودي، و إذا رجعنا إلي المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية السوداني علي كرتي، مع نظيره القطري السيد خالد العطية في الخرطوم، حيث قال السيد كرتي إن رئيس الجمهورية أصدر قرارا بإعفاء القطريين من الحصول علي تأشيرة الدخول، و هم يتطلعون من قطر أن تسمح لدخول السودانيين، و هنا مربط الفرس، و سوف تشرع قطر في إصدار قرار الإعفاء، حيث إن السماح للسودانيين الدخول لقطر، سوف يمنحهم الفرصة لعملية التجنيد في المؤسسات العسكرية القطرية، بهدف حماية النظام السياسي في قطر، و علي صعيد أخر هناك حوارات و نقاشات علي منابر متعددة داخل السودان و خارج السودان، حوارات بين إسلاميين و قوميين حول قضايا الديمقراطية و التحولات السياسية في المنطقة، كما هذا الحلف إذا إستطاع التخلق في المنطقة، مهمته هو سد الفراغات السياسية، و مواجهة القوي المضادة التي تقف في وجه التحولات الحاصلة في المنطقة العربية، و هذا الحلف رغم خلافاته مع الأجندة الإيرانية، لكنه لا يثيرها كخلافات تقاطعية في خطوط متوازية، أنما تتم مقاربات من خلال حوارات الهدف منها هو تقاربات تسمح بالتعايش، و أيضا لا يختلف مع التوجهات التركية بل يعمل علي التقارب منها بقوة، إذن أهدف المشروع و في قمة أولوياته هو تحجم و محاصرة النظم التقليدية في المنطقة علي حسب رؤية منظري المشروع. هذا الحلف سوف يمنح دولة قطر القدرة الكبيرة علي المناورة و التكتيك، من خلال إذا عجزت علي إدارة الصراع من خلال الإسلاميين تستطيع أن تدير الصراع من خلال القوميين العرب، و هؤلاء أيضا في حالة عداء مع المملكة العربية السعودية و حلفائها، باعتبار أنهم فقدوا أهم ركيزة لهم في الوطن العربي " نظام صدام حسين و بشار الأسد يوجه مشكلة البقاء" و إصبحوا علي هامش العملية السياسية في المنطقة بعد صعود التيارات الجديدة و التيارات الإسلامية التي تواجه معضلة في كل المنطقة. في الجانب الأخر للمشهد السياسي في المنطقة، كتب الكاتب الأمريكي سايمون هندرسون رئيس برنامج مركز الخليج و الطاقة في "معهد واشنطن الإستراتيجي الدولي" التابع للمحافظين الجدد كتب في مجلة "الفورين بوليسي" العدد الأخير مقالا يقول فيه ( إن الأمير بندر بن سلطان سيعود للواجهة من جديد بعد فشل زيارة أوباما للرياض حيث إن الأمير بندر يريد إسقاط بشار الأسد و التصدي لإيران في المنطقة و إحتواء حزب الله، أي التراجع عن المشروع الذي بدأ ينفذه الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية و الذي كان يعتمد فيه علي دعم سياسي كبير من الولايات المتحدة، و تقديم السلاح للمعارضة السورية، خاصة السلاح المضاد للطائرات " مان باد " الذي يحمل علي الكتف، و لكن لم تعط الولايات ردا شافيا، مما يجعل المشروع يواجه معضلة، لذلك نشر معهد واشنطن في صحيفته الالكترونية يقول ( إن المملكة العربية السعودية هددت أنها سوف تدعم المعارضة الإسلامية المسلحة، و سوف تترك الجيش الحر السوري، و هذه سوف تشكل أرق إلي واشنطن، لآن هناك ما يقارب الألف مقاتل يحملون جنسية أمريكية و غربية، و هؤلاء إذا رجعوا إلي أوطانهم سوف يكونون خطرا علي الأمن القومي) فإذا كان بالفعل هذا التهديد قد خرج من القيادة السعودية، تكون قد أرادت خيارين، الأول الضغط علي الولايات المتحدة لكي تستجيب لطلباتها، لدعم المقاتلين السوريين، للتعجيل بإسقاط نظام بشار الأسد، و هذا قد أكده الكاتب السعودي الدكتور عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب، الأستاذ في جامعة أم القري بمكة المكرمة، في جريد " ميدل يست أونلين" حيث قال ( لقد أدركت السعودية إن التفكك و غياب الوحدة الذي سمح للانتفاضة السورية بأن تضرب بجذورها في مئات المواقع يعرقل قدرتها علي تحقيق ضربة قاضية، و إن إيران تري في الأزمة السورية خط الدفاع الأول، و بسقوط بشار الأسد سيسقط حزب الله و من بعده المالكي و ينحصر نفوذها في المنطقة) هذا يؤكد إن علي قمة أولويات الهرم السعودي إيران، ثم تأتي قضية الأخوان المسلمين. الخيار الثاني إن تواجه الأخوان المسلمين بالمجموعات الإسلامية الأخري، و لكن هذا الخيار ليس في مصلحة السعودية خاصة بعد القرارات التي إتخذتها في حربها ضد الإرهاب. و الإستراتيجية السعودية، درجت علي أن تفجر عدد من الأحداث في وقت واحد، الهدف منها هو إرباك الجانب الأخر، و منعه من عملية التركيز، و خلق حالة من التشويش لشل قدراته، فمثلا، بعد عملية سحب السفراء من الدوحة، و إعلان الأخوان المسلمين تنظيم إرهابي، محاولة منع نشاطات الأخوان في أوروبا و خاصة بريطانيا، و تعد هذه أيضا، أحد أعمدة الإستراتيجية السعودية، في أن تنقل ساحات الصراع في عدد من المناطق، بعيدا عن الساحة السعودية، و تجعل الجانب الأخر مشغول بعدد من القضايا المصيرية في عدد من المناطق، لكن في مرات ربما تعود هذه السياسة بالسلبية، لأنها بقدر ما تعطي القدرة علي التكتيك و المناورة، أيضا تشتت الأهداف، و ربما تضيف لاعبين جدد للساحة و ليس في المصلحة، فمثلا بعد قرار رئيس الوزراء البريطاني التحقيق في نشاطات الأخوان المسلمين، هذا القرار فتح الباب لعدد من رجال السياسة و المحللين السياسيين في بريطانية يقفوا ضد هذا القرار، فقال النائب البريطاني عن حزب المحافظين كريسين بلانت لجريدة التلغراف ( أن حظر الجماعة بشكل خاطئ في بريطانيا بسبب صلاتها بالإرهاب قد يأتي بنتائج عكسية، و بعد شعور السعودية و بعض دول الخليج أنها سوف تواجه تهديدا سياسيا مباشرا من الأخوان) و أضاف قائلا ( إن توجه بريطانيا لادراج جماعة الأخوان المسلمين علي قائمة الإرهاب بأدلة قليلة أو معدومة سيكون خيانة لقيمنا و يجعل المشكلة أسوأ) و في ذات الموضوع، كتبت كاتبة و المحللة السياسية روزماري هوليز مقالة في الغارديان البريطانية قالت فيها ( قد يؤدي التحقيق إلي نتائج عكسية، و إن كان هذا التحقيق سيفضي إلي حظر الجماعة استرضاء للسعوديين، فأنه بذلك سينفر الملايين الذين لا يحبذون العنف) و أضافت قائلة ( إن خطوة كاميرون إنتهازية و سيترتب عليها نتائج عكسية، كما إن جماعة الأخوان تعد المنافس السني الأقوي للسعودية في المنطقة) إذن يعتقد بعض من الكتاب البريطانيين، إن خلاف السعودية مع الأخوان هو خلاف سياسي، مرتبط بحدة المنافسة، و خطورة الأخوان كتنظيم في تهديد أمن المملكة و حلفائها، و هذا ما نسميه دخول عناصر جديدة في حلبة الصراع ربما يساعدون في تغيير القناعات المحملة عبر الرسائل إن كانت إعلامية أو سياسية، وهؤلاء دخلوا مناصرين لخط الأخوان بعد قرار كاميرون، كما إن التحقيق لا يعني المنع و ربما يأتي القرار خلافا لرغبة السعوديين و حلفائهم، مما يعطي الأخوان قوة معنوية جديدة، الغريب في الأمر إن مصر التي تعتبر أول الدولة رحبت بقرار رئيس الوزراء البريطاني، هي بمثابة الاعب المعطوب الذي يقعد علي كنبة الاحتياط، ليس لديه الفعل غير الهتاف من البعد، باعتبار إن الأزمة السياسية التي تمر بها مصر سوف تجعلها عاجزة عن إدارة صراع خارج حدودها. القضية الأخري المهمة، إن السودان عبر تنظيماته الأخري، غير قادر علي المواصلة مع التيار المضاد للحلف القطري في المنطقة، باعتبار إن السعودية لها موقف من حزب الأمة و تعتقد لديه علاقة وطيدة مع إيران، و هي لديها موقف من الدكتور الترابي خاصة في تجديداته الفقهية، و أيضا موقفه المؤيد لصدام حسين عند إحتلاله للكويت، و بالضرورة لها موقف من الحزب الشيوعي السوداني و أحزاب البعث، و رغم هي لها علاقة مع الاتحاديين و لكنها تعلم إن هؤلاء الآن أصبحوا جزر معزولة ليس لديهم القدرة علي المساعدة في صراعات إستراتيجية، كما إن السيد محمد عثمان تعرف قدراته الذاتية التي سوف تكون عبء عليها و لا تستطيع الاستفادة منه، أما الجبهة الثورية ظهرت كقوة مقاتلة حاملة للسلاح و لكن فاعليتها السياسية لا توازي حركتها المسلحة، و لهذا تكون الحركة الإسلامية هي التي سوف تقرر حتى مصير تحالفات السودان السياسية الخارجية في صراع المنطقة، و هذا الذي راهنت عليه قطر، و علي أن تعيد الدكتور الترابي للملعب الإقليمي مرة أخري مدعوما بالمال.و نسأل الله أن يقينا شرور أنفسنا.
|
|
|
|
|
|