|
الخطيئة بقلم الطيب النقر
|
بسم الله الرحمن الرحيم
1-
كانت العلاقة التي تربطها بجارتها واضحة كل الوضوح، جلية كل الجلاء، فهي لا تمل من الطعن عليها ورميها بكل عيب وخزاية، فجارتها التي تفردت بغايات المحاسن، وجمعت أشتات المفاخر، ما يضرم حُرقتها، ويضاعف حسرتها، أن الاقبال موقوف عليها، والثناء أجمعه مصروف إليها، أما هي فلا حظّ لها من طيب الأحدوثة وبعد الصيت، فكيف لدعجاء تتلثم بلثام النفاق، ولا تنزع عن وجهها قناع الشقاق، أن تنال محبة القلوب، لقد عانت منها جارتها الطيبة أحوالاً تُزيل الرواسي، وقاست منها أهوالاً تُشيب النواصي، إلي أن قدم آسر فاترُ طرْفه، ساحرُ لفظه، في أعلى درجة من درجات الزيغ والفسوق، وأسمى مرتبة من مراتب الضلال والعقوق، قدم إلي منزل شقيقته صاحب العقل الوافر، والجواب الحاضر، في علم الحسان، راجياً بلوغ أمنيته، والظفر بحاجته، فإن من أنفّس الذخائر عنده، وأشرف الآمال، أن يلتئم شعث ألفتة، ويجتمع شمل مسرته، بطغمة تعرف عليها أبان زيارته الماضية لتلك المدينة التي تذوب رشاقة وعذوبة واتساق، فقد خالط شرذمة طمس الله أنوارها، وأظهر عُوارها، تلك الطائفة التي من أظهر الدلائل على غلوها في العهر، وامعانها في الغواية، أنها تُمّجِد من روّض مُهرة قطّب الإباء جبينها، وشمخ الجموح بعرنينها، وتنصبه أميراً عليها.
2-
من شيم الآسر الفتّان المألوفة، وسجاياه المعروفة، تفانيه في تحقيق مجد يشيده، وتوفيق يجدده، في مجال تخصصه، فهو مُلِمٌ بشيء لا يتقنه إلا الأقلون، لأجل ذلك أتى إلي حاضرة النيل الأزرق"الدمازين" تلك المدينة الوادعة التي لا تفزع من النيل أو تهابه، لأن بها سد عظيم البنيان، منيع الأركان، حضر إليها مختالاً زاهياً حتى يجري أبحاثه في جلاميد جبالها الشامخة، ويروي سهفُ مهجته الطامحة، التواقة للجمال، وبعد أن ولج أبواب فجورها، وخالط مضارب مجونها، عاد إلي منزل شقيقته التي سعت أن تقذفه إلي حدود الرشاد، وترغمه على الأخذ بأهداب السداد، رغم يقينها الجازم أن العفة قد نفرت منه وهربت، وأن عائلتها قد شمّرت في طلبها واعادتها له دون طائل، لقد درست شقيقته الحانية معالم الآمال، ونقبت في كيفية تغير الأحوال، فلم تجد حلاً ناجعاً ينقض نوازي شهوته، ويعيد بناء مراقي عفته، سوى الزواج، زوجة صالحة يأنس بها، ويسكن إليها، وتجبره أن يفكر ويطيل التفكير، ويقدر ويمعن في التقدير، ويترجى ويلح في الرجاء، حتى تجود عليه بأمسية هانئة يمضيها مع رفقته وتطمس هي محاسنها بكثرة الاتصال، زوجة مشبلة تغرس في زوجها بذور التقى والإيمان، ولا تبقي له من ماضيه المخصب بالدنايا غير ذكريات ضئيلة تذكي الحسرة والندم في نفسه، أنيسة تجعله يقر رغم حدة فطنته، وثاقب معرفته، وعظمت درايته، بأنه لا يعلم عن حنكة حواء شيئا.
3-
أضحت الظبية الان في متناول أنياب الأسد ذو الطبائع الدنيئة، فقد شعر باستعدادها لخوض علاقة آسنة من خلال مذهبها في الحديث معه، كانت دائما تندب حظها العاثر الذي أوقعها في براثن زوج لم يحظى بامتاع قلبها، أو اقناع عقلها، أخطرته في شفافية مطلقة أنها تموت ألف مرة حينما تأوي إلي بيتها المقفر الجديب، ولا تسري الحياة في عروقها إلا حينما تسمع صدى صوته الرخيم،الأمر الذي جعل الوسيم القسيم يبتسم في جزل، ويصفق في سعادة، فخاتمة حديثها مقروناً بغنيمة، وارهاصاته مفضية إلي متعة يختتم بها نضاله الدائب مع السُمر الغواني، فلم يتبقى على زواجه من غادة عُطبول سوى أيام، تلك الخريدة التي اختارتها له أخته.
وبعد مقدم زوجته الهيفاء وعيشها معه في داره الفخيم، أضحت عاشقته تطمع فيه مع عجزها عنه، فقد أمسى حبيبها كَلِفاً بأهله، مُغرماً بزوجته، ولم تحوز بعد زواجه، وتبدل حاله، إلا على حنين جارف، وجنين التصق بأحشائها.
ود صادق، ووفاء صريح، ربط بينها وبين ابنة عمتها، ولا يعكر صفو هذه العلاقة الراسخة إلا صداقة قريبتها مع فتاة على شاكلتها ساجية الطرف، لطيفة التكوين، يعتقد كل من شاهدها أن آصية رحم ونسبٌ شابك يجمعها بها. هي تجهل أن هذه الفتاة التي يلتبس على أساتذتها التفريق بينهما ما هي إلا أختها، ولم يتسنى لها التحقق من ذلك إلا حينما ترك والدها محرابه ومسبحته، ليحضر زفاف تلك الفتاة وهو متوارياً عن الأنظار.
الطيب النقر
الأربعاء
14-1-2015 مكتبة د. علي حمد ابراهيم
|
|
|
|
|
|