|
الحظر المقبول/إليكم - الطاهر ساتي
|
:: قبل عقود، بإحدى الدول الغربية، عجز أحد القساوسة عن جذب الشباب إلى الكنيسة.. فالملاهي والمقاهي كانت تشغل الشباب عن الكنيسة وصلواتها وتعاليمها.. فكّر القسيس مليّاً ثم قرر جذب الشباب إلى كنيستهم بأي وسيلة حتى ولو كانت غير مشروعة.. ثم نفذ الفكرة بإنشاء مقاهٍ وملاهٍ في فناء الكنيسة، فارتادها الشباب، ومنها كانوا يدخلون إلى الكنيسة ويصلون ويتعلمون من قسيسها التعاليم.. أو هكذا تقريباً عمل القسيس بنظرية ميكافيلي القائلة: الغاية تبرر الوسيلة .. وهي من النظريات المثيرة للجدل، ولم - و لن - يتفق عليها العلماء والناس، إذ هناك من يخالفها بالنص القائل: الغاية لا تبرر الوسيلة. وبغض النظر عن الاختلاف والاتفاق، دائماً ما تفرض نظرية ميكافيلي ذاتها في حياة الناس. :: وعلى سبيل المثال الراهن، تسعى السلطات الحكومية بشمال وجنوب دارفور إلى فرض حظر على كل أهل الولايتين بعدم استخدام عربات اللاندكروزر والدراجات البخارية والتلثم بالعمامة المسماة شعبياً بـ(الكدمول)، ويأتي هذا الحظر الشامل في إطار خطة تأمين أوراح المواطنين وممتلكاتهم من مخاطر الجماعات المسلحة. وبالتأكيد هذا النوع من الحظر – سواء كان شرعاً أو قانوناً وضعياً - لا يُعد من أنواع الحظر المشروع.. ولكن الغاية - وهي حماية أوراح الأبرياء وممتلكاتهم من جماعات النهب المسلح - هي التي تبرر وسيلة الحظر الشامل والقاضي بعدم استخدام كل الأهل للعربات والدراجات والتلثم. :: بكل ولايات دارفور - شمالها وجنوبها وغيرها - تحتكر الحكومة على كل مقاعد السلطات التشريعية والتنفيذية، ولكنها عاجزة تماماً عن (احتكار السلاح).. كل أنظمة العالم الراشدة - بكل مستوياتها المركزية والولائية - تحتكر السلاح فقط وتدع غير السلاح - أي السلع التجارية الأخرى - للمجتمع وشركاته.. ولكن هنا العكس، فالسلاح بيد المجتمع، بيد أن السلع الأخرى في قبضة الحكومة وشركاتها، وما ولايات دارفور إلا (أوضح نموذج).. ولذلك، أي لأن الناس هناك أحرار في حمل السلاح واستخدامه، أصبح المواطن الأعزل في دارفور هدفاً إستراتيجياً مشروعاً، وكذلك أصبح ماله محاطاً بحزام أسلحة النهب التي تحملها جماعات لا تعد ولا تحصى. :: من هؤلاء الملثمون الذين يداهمون بلاندكروزراتهم ومواترهم وأسلحتهم أسواق الناس ومتاجرهم ومصارفهم وبيوتاتهم - جهاراً نهاراً - بنيالا والفاشر وغيرها من المدائن والأرياف البعيدة عن مسارح العمليات؟.. ليس من العدل ولا العقل أن ننسبهم إلى حركات مناوي وعبد الواحد وجبريل، إذ هذه حركات تقاتل القوات المسلحة والنظامية الأخرى في الأدغال والوديان الواقعة خارج حرم المدائن والأرياف التي تحت سيطرة الحكومة وأجهزتها.. من هؤلاء؟، سؤال يجب أن يؤرق أذهان الذين تسببوا في أن يكون السلاح متاحاً لحد (الوفرة)، بل لحد التوزيع مجاناً بمظان (هكذا الحماية).. ولم يكن الحصاد المر غير ما يحدث للأبرياء في المدائن والأرياف حالياً، زهقاً للأروح كان أو نهباً للأموال وخطفاً للرهائن.. وعليه، إن كانت هناك رشد عاد إلى السلطات فلندعمها وهي تحاصر الجماعات المسلحة، وعلى الأهل بشمال وجنوب دارفور دعم قرار حظر اللاندكروز والمواتر والكدمول كوسيلة تُبرر الغاية (أمنهم وسلامهم).
|
|
|
|
|
|