|
التوازن هو عين المحاصصة بقلم مرتضى عبد الحميد
|
الحزب الشيوعي العراقي مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع )
قبل بضع سنوات كان البعض يتهم الشيوعيين ويلومهم لانهم "يغردون خارج السرب"، لا لشيء إلا لأنهم شخصوا مبكراً مرض العملية السياسية، وبناءها على أسس خاطئة، بل مدمرة، ونعني بها اسس المحاصصة الطائفية - الاثنية، وما تجلبه من الويلات والدمار للشعب العراقي، في وقت هو بأمس الحاجة إلى التسامح والتكافل الاجتماعي والوحدة الوطنية، والى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. دارت عجلة الزمن، وطاردت السنوات العجاف احداها الأخرى، لتثبت للجميع أن الشيوعيين كانوا محقين تماماً في كل ما حذروا منه، ونبهوا الى مخاطره، ووضعوا الحلول لمعالجته، اليوم أضحت كل الأحزاب والقوى السياسية ودون استثناء تدين الطائفية السياسية وتلعن حاملي لوائها، بعد أن لمست مخاطرها وأدركت بعد لأي أنها لا يمكن أن تنتج لنا غير دولة فاشلة، كما هو حالنا البائس الآن. إلا أن هذه الادانة لم تقترن لدى الكثيرين، وخصوصا في الكتل المتنفذة، بإجراءات عملية، او تخلٍ فعلي عن هذه الممارسة السياسية المشينة، ولم تبارح تلافيف عقولهم، وسلوكياتهم، مكتفين بالإدانة اللفظية والتبرؤ الشكلي منها، بينما بقيت الممارسة العملية على حالها، وربما أسوأ في بعض الأحيان. وبالإضافة إلى هذا، هناك من يتفنن في الالتفاف على حالة الرفض الجماعي للمحاصصة عبر امتطاء اللغة، واختيار ألفاظ تبدو للوهلة الأولى بريئة، وخالية من الدغش! لكنها في حقيقة الأمر ليست إلا مرادفاً للمحاصصة المقيتة، ونعني بها تحديداً موضوعة "التوازن" التي طرحتها الحكومة السابقة أكثر من مرة، ويريد الان بعض أقطاب الحكومة الجديدة تكريسها، من خلال السير في ذات الطريق الذي اثبت فشله الذريع حتى لمن يحبو في عالم السياسة. أن التجربة المريرة السابقة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن المحاصصة الطائفية - الاثنية، أو ما يسمى بـ "التوازن" أصابت في مؤسسات الدولة مقتلاً، وجردتها من أية إمكانية لأداء مهامها، وخدمة مواطنيها، كما هو الحال في كل بلدان العالم التي تحترم نفسها. من ناحية ثانية لا تعني المحاصصة أو "التوازن" غير التخلي عن مبدأ المواطنة واستبعاد الآلاف من الكوادر المؤهلة والمجربة والنزيهة في مختلف الاختصاصات التي يحتاجها العراق اشد الحاجة، تحت عنوان براق ومخادع هو "التوازن" ليأخذ مكانهم كل من هب ودب، وكل من لا يجيد غير التسبيح بحمد ولي نعمته، وان كان رذيلاً. ويبدو إن تشكيل مجلس الوزراء والرئاسات الثلاث على أساس المحاصصة الطائفية - القومية لم يعد كافياً، ولا يشبع نهم المتنفذين، الذين يريدون شمولها لكل المناصب والوظائف العامة، من وكلاء الوزارات، والمدراء العامين وأصحاب الدرجات الخاصة، وربما حتى الموظفين الصغار والشغيلة أيضا، فاسحين المجال بذلك للمحسوبية والمنسوبية والطائفية والعشائرية والحزبية الضيقة، لترتع في أدغالها، وتٌنشئ حاضنات جديدة للفساد المالي والإداري، ولشراء المناصب المدنية والعسكرية، وصولاً إلى شلل الدولة ومؤسساتها. هذا ما نلاحظه مع الأسف الشديد في قانون "التوازن" المنوي تشريعه، وهو الكارثة بعينها التي ستأتي على الأخضر واليابس، بما فيها تلك الشتلات الصغيرة التي زرعها العبادي وتعهد برعايتها وإكثارها.
|
|
|
|
|
|