|
البقاء للأظلم والدوام للأسوأ د. مصطفى يوسف اللداوي
|
هل أصبح لزاماً وقانوناً في الحياة السياسية ومسيرة النضال والمقاومة، وسنة الشعوب والأمم، أن من يحرر لا يحكم، ومن ينتصر لا يقود، ومن يضحي لا يكافئ، ومن يُقدم لا يُقدر، ومن يخلص لا يصل، ومن يغدر ويخون يكون له الدور ويملأ المكان، ومن كان في الصفوف الأولى يتراجع ويتأخر، ومن كان مع القاعدين والخوالف فإنه يتقدم ويتصدر، وتكون له الألوية والقيادة، والمكانة والريادة...
يبدو أن هذه هي الحقيقة، وهي سنة الحياة وقانون الشعوب، وناموس النضال والمقاومة، وهي الأساس والقاعدة، وغيرها شذوذٌ وخروجٌ عن المألوف والمعروف، فلا ننتظر أن تكون النتائج وفق المقدمات، ولا النهايات مفرحة كما البدايات والانطلاقات، فكما كان في البداية وعلى الطريق دماءٌ ومجازر، ومحاكمٌ ومشانق، فإن للنهايات أيضاً دماءٌ ومجازرٌ وأشلاءٌ، ومجازرٌ ومذابحٌ، ولها ضحاياها وخسائرها، وفيها من يدفع ويضحي، وآخرون يقبضون ويستفيدون، ويكسبون ويربحون...
فهل نتمنى أن نبقى على حالنا ولا نغير، ولا نثور ولا ننتفض، ولا نطالب ولا نسأل، ولا نتظاهر ولا نعتصم، ونقبل بواقعنا، ونستسلم لظروفنا، ونرفض الأحلام، ونثور على الأماني، ونكره صعود الجبال، ونقبل بأن نعيش دوماً بين الحفر، إذا توفرت لنا لقمة العيش، وكسرة الخبز، ومسكنٌ يأوي، وعملٌ يكفي، وحياةٌ تستر وتقي، إذ لا حياة مع الثورة تسر الصديق، ولا مماتٌ فيها يكيد العدو...
ولكن ماذا نعمل إذا فقدنا الخبز والرغيف، وعانينا من الفقر والحاجة، وشكونا من العوز والجوع والمسغبة، وعشنا التقصير والتمييز، والإقصاء والحرمان، وكثرت في بلادنا السجون، وسكن فيها كثيرٌ من الرجال والنساء، وغابت الحريات، وسادت المظالم، وكثرت بين الحكام والسادة المغانم والمكاسب...
هل نحكم على المقدمات وفق النتائج المفترضة، فلا نضحي ولا نعمل، ولا نقدم ولا نعطي، ولا نسبق ولا نتقدم، ولا نشارك في اختيار، ولا نساهم في انتقاء، ولا يكون لنا دورٌ في تصويتٍ أو انتخاب، أو مشورةٍ وحوار، ونقبل بأن نكون على الهامش، ونعيش بصمت، ونسير تحت الجدار ونقول يا رب الستر، ونترك الظروف تسير وحدها، والنتائج تأتي بمقتضاها، فلا نتدخل فيها دفعاً أو تأخيراً، إذ لا مكان في الحياة لمن صدق وأخلص، وأعطى وأفنى، وتجرد وتفانى، أم نثور على اليأس، وننتفض على الإحباط، ونثأر من الظلم، وننقلب على نواميسه، ونرفض قوانينه، ولا نقبل بنتائجه وخواتيمه ...
|
|
|
|
|
|