|
اتفاقية البقط وما هي
|
لعلنا نعرج إلى ما ذكر في تأريخ السودان ( نعوم شقير) ومن الجروح العميقة التي احدثها العرب في جسم المجتمعات الإفريقية وبخاصة النوبية في صدر التاريخ، بعد أن قتل الأمام عمر بن الخطاب سنة 23هـ644م تولى عثمان بن عفان الخلافة وكان عمرو بن العاص حاكماً على مصر فعزله وعين مكانه عبد الله بن سعد بن أبي السرح لأنه من أقاربه ولقد قام عبد الله بن سعد للمرة الثانية بغزو بلاد النوبة حيث فرض عليهم ما سميت آنذاك اتفاقية البقط المشهورة التي تمت في خلافة عثمان بن عفان، في رمضان 31هـ 652م بيد عبد الله بن سعد بن أبي السرح والذي جأ في حيثياتها ما يلي: عهد من الأمير عبد الله بن أبي السرح لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته أن عبد الله بن سعد جعل لهم أماناً وصدقة جارية بينهم وبين المسلمين بينهم والمسلمين ممن جاوروهم من أهل صعيد مصر وغيرهم من المسلمين وأهل الذمةأن لا نحاربكم ولا ننصب لكم حرباً ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم ‘ل أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه وعليكم في كل سنة ثلاثمائة وستون رأساً تدفعونها إلى أمام المسلمين من أواسط رقيق بلدكم ( الأرقاء لدي سلطان النوبة ) غير المعيب يكون فيها ذكران وأناث ليس فيها شيخ هرم ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم، وليس على مسلم دفع عدو عرض لكم ولا منعه عنكم فإذا اويتم عبد المسلم أو قتلتم مسلماً أ, معاهداً أو منعتم شيئاً من الثلاثمائة وستون رأساً فقد برئت منكم هذه المعاهدة. أستمرت تلك المعاهدة من ذلك العهد مروراً بالدولة العباسية في عهد المعتصم بالله أبي اسحق الرشيد العباسي 218-227هـ 833- 842 م حتى عهد الدولة الفاطمية بمصر. التعليق: مما سلف تأكد لنا أن العرب وجدوا في الشعوب المسالمة مثل شعب النوبة والشعوب الإفريقية الأخرى في السودان طبيعة تجعلهم ( العرب ) يعتقدونه ضعفا من تلك الشعوب وأنها لا تملك المقدرة على الدفاع عن حقوقها وكذلك قليلة الحيلة ولكن هي طبيعة الإنسان ذي الفطرة السليمة يتمتع بروح عالية من الشفافية والتسامح وحب الخير، ذلك ما جعل العرب الوافدين إلى السودان يعتقدون بأنهم هم الأقوى والأحق بالسيطرة على غيرهم من شعوب السودان لذا سعى العرب بأستمرار التغلب على الأخرين والطمع في التعالي ومصادرة حقوق الأخرين بل والتجني عليهم وأن سنحت لهم الفرصة لسحقهم فلن يتوانوا ولذلك أنفتحت شهية العرب في السودان على ممارسة الضغط على الشعوب الإفريقية ومحو كيانها الوجودي ,, انتهى التعليق ،، ونعود إلى موضوعنا الأول، لقد مورست خصلة الضرائب المفروضة على شعوب السودان على مراحل وسميت في منطقة جبال النوبة الدقنية فرضت على الأهالي في جميع مناطق جبال النوبة وعلى ماشيتهم وحتى أطفالهم وشيوخهم والعجزة واستمرت حتى في ظل الحكومات الوطنية التي تعاقبت على حكم السودان بعد ذهاب المستعمرين ولم تنتهي تلك العادة البغيضة التي ظل يمتعض منها شعب النوبة زمن طويل إلا في عهد قريب وتحديداً في عام 1969م في عهد حكومة جعفر نميري عندما حل الأدارة الأهلية وجاء بالحكم المحلي في عهد الحكومات الدمغراطية في السودان .
نشاط العرب نحو السيطرة
عموماً نشط العرب في السودان على جمع المال بطرق شتى منها تجارة الرقيقة حيث كان ذلك مرتع خصب لجني الأموال بسهولة وذلك يزعم أنه بدأ لما توافد العرب المسلمين إلى السودان وأسسوا في أطرافه أحكامهم العشائرية التي شملت أحيانا مشايخ وعمد، وقتذاك لم يعد للسود في بلادهم راحة لأن العرب لم ينفكوا عن غزوهم وسبيبهم كلما سنحت لهم فرصة وكان العرب يخادعون ويحتالون على ملوك السود ويتعلمون لغة السود ويتكلمونها لغاية التقرب إلى الشعوب السودانية ويتزوجون من بناتهم ثم يجدون في ذلك فرصة في خطف النساء والهرب بهن إلى بلادهم وعندما يصلوا إلى بلادهم ويكونون في مأمن بين عشائرهم وربعهم عندها يتعرضن النساء للعبودية ثم البيع لغرض الحصول على المال وبعضهم قد يبيعها وجنينها في أحشائها. كان لأهل السودان من الجتمعات الإفريقية النوبة والدينكا والنوير والشلك أدوات بسيطة في حياتهم العامة ولأنهم لا يضمرون شرأً لأحد كان يستخدمون الحراب ( الرماح ) والسيوف وألنشاب ( السهام والقوس ) في عمليات الصيد وكان ذلك يكفيهم في نزاعاتهم البسيطة فيما بينهم إذ كان غالباً ما بفضي الخلاف بين أسرة وأخرى أو قبيلة وأخرى إلى التفاوض والتحاكم بين يدي الشيوخ وكبار ملتهم حيث يتم إصدار الحكم العادل أما بالتصالح وفض الخلاف والبقاء في البلدة مع عقد ميثاق السلام بشهادة الجمع من الناس أو الحكم على من يتكرر منه الأعتداء على غيره بالنفي والأبعاد عن البلدة هذه هي البساطة التي كان يعيشها المجتمعات الإفريقية وسلامهم وحروبهم ولم يتعرفوا على الأسلحة النارية ولما كان الفتح المصري عام 1820م دخلت جنود مصر إلى السودان بأسلحتها النارية وكثر إستعمال البارود الموجود لدي العرب آنذاك حيث كان في ذلك قوة دافعة أرهبوا بها السكان السود وسهل عليهم غزو بلاد السود والأستيلاء على أملاكهم ونشطت تجارة الرقيق هذا ما كان من البحاره الذين كانوا يبحرون على البحر الأبيض أما النهاضة فكانوا ينشطون في جبال النوبة وجبال فازغلي وكانوا لا ينهضون لغزو تلك المناطق إلا في أوان الزرع عندما يترك النوبة جبالهم وينزلون إلى السهول لزرع الحبوب يصطحب النهاضة كتيبة من البقارة المسلمين فيغيروا على البلدة ويخطفوا الأطفال والنساء كما ذكر أنفاً ويغدوا إلى ديارهم ويكون مصير المأسورين العرض في سوق النخاسة في (الأبيض) أو (فاشودة) أو (العلابات) ، وظل العرب يفتخر بهذه الفعلة المشينة وكان قد انشئت جمعية في مدينة لندن عام 1787م المناهضة مثل تلك الأفعال المشينة والمهينة للأنسانية والتي أباحها العرب المسلمون ولم يجدوا في شرعهم كجنس عربي تعود اسلافه على ذلك منذ القدم ما يحرمها عليهم, وفيما بعد ألتفت الدول الأوربية حول تلك الجمعية وعقد مؤتمر بروكسل في يوليوا عام 1890م بهدف أنها العمل على إنهاء ذلك النوع من التجارة ولا ننسى أن نذكر أن أسماعيل باشا الخديوي عام 1869م اصدر أوامر مشددة إلى موسى باشا والى السودان آنذاك لتعقب تجار الرقيق وسدنتهم ولقد تم ألقاء القبض على مجموعة منهم وزجهم في السجن . ويكفي أن نذكرهنا ايضا أن موضوع الرق في السودان والجرم الذي أرتكبه العرب الدخلاء إلى السودان في حق المجتمعات السودانية جميعهم وعلى وجه الخصوص النوبة جرم يستحق العقاب والتعويض المادي والأدبي ولقد أستمر هذا الأنسان العربي في ظلم الأنسان الأفريقي السوداني ولا ندري بأي حق يتجرء هؤلاء القوم بأحتقار خلق الله ومخالفة أوامره سبحانه وتعالى أن عقلية هذا النوع من البشر يريدون دائماً أن يقلبوا الحق بأطلاً والباطل حق ألم يقرأوا قوله تعالى (( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) الآية 13 سورة الحجرات . أو لم يعلموا قول الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه (( متى إستعبدتم الناس ولقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً )) حديث شريف . إن العرب ليسوا أهل شدة ولقد اعتادوا على الراحة والكسب السهل وكانت تجارة الرقيق تجني لهم الكثير من المال وتمنكوا من ذلك على حساب المجتمعات الإفريقية في السودان بعد أن أنهارت ممالكه وتفرقت شعوبه ووهنت قواه وأصبح مرتع خصب للعرب في ممارسة تجارة الرق ووجد العرب في ذلك متعة لهم حريم يخدمونهم وسلعة تجني مالاً وليس هناك رادع يوقفهم عند حد وأن بيع الرقيق غير محرم في شريعتهم كعرب فهم لايرون فيه شراً يجب إبطاله بل يرون الشر كله في الكف عن ممارسة هذه الفعلة المشينة القبيحة البغيضة وكان العرب لم يجدوا في ذلك إلا السيادة وجمع المال . هاج العرب وقاوموا توجه الحكومه ولكن أصدت الحكومه على موقفها من تجارة الرق وضيقت الخناق على تجار الرقيق في جميع أنحاء السودان ولاحقتهم وأوقعت بهم عقبات رادعة البعض بالقتل والبعض بالسجن وقام غردون بتحرير الكثير من الأرقاء من أيدي أسيادهم لاسيما بعد نشر المعاهدة التي عقدت بين أسماعيل باشا والدولة الأنجليزية في عام 1877م . وأن العرب لم يرضوا بذلك ولم يهدأ لهم بال ولقد كان من تجارة الرقيق سبب مباشر ساعد على قيام ثورة محمد أحمد المهدي ضد الحكومة النصرانية التي تمنع المسلمين من ممارسة الرق على أخوانهم المسلمين وكان رؤساء الطرق وتجار الرقيق هم أقوى أنصار المهدية ولقد بايعوه وقامت دعايتهم على أن النصارى يستهدفون الدين الأسلامي . هذا هوى حال أخوتنا العرب في السودان وهذا الجرح الذي عمقه العرب في صفحات تاريخ السودان المتمثل في تجارة الرقيق مازال ينكأ . محمود جودات علي
|
|
|
|
|
|