لنحاول أن نبدأ من البداية، رغم أن العنوان يبدو صادما، "المسألة الأمازيغية" تتجاوز حدود الظاهرة اللغوية التي يحاول البعض حصرها فيه، خاصة و أن الدستور نص في "الأوراق" على اعتبار الأمازيغية لغة رسمية للمملكة المغربية، لكن هذا الأمر يظل حبرا على ورق، أريد به در الرماد في العيون واستغلال قضية فكرية "هوياتية" في معادلة سياسية ممجوجة، لأن الأمازيغية قضية هوية و انتماء فكري مجتمعي تتجاوز الحدود الضيقة للغة، كما أنها تتجاوز الشوفينية و العصبية القبلية و الجهوية، ما دام سكان المغرب جميعا أمازيغ حتى أدارسة فاس، الشيء الذي يجعل هذا الإرث مشتركا بين جميع مكونات المغرب. إن الفسيفساء التي تشكل النسيج المجتمعي للمغرب لا تبرر هيمنة اللغتين العربية و الفرنسية، و إقصاء باقي المكونات اللغوية و تحويلها في كثير من المواقف إلى مادة للسخرية و التنكيت أو التبكيت لأن الخطأ لا يكمن في القوانين و التشريعات، بل في تفعيلها ومساهمة العنصر الأمازيغي في ذلك، دون أن ننسى بالطبع الإشكالات التي يطرحها حرف "تيفيناغ" بالنسبة للجميع حتى الأمازيغ، و قد كنا منذ البداية منقسمين حول طبيعة الحرف بين أنصار الحرف العربي، و أنا واحد منهم، و أنصار الحرف اللاتيني تم أنصار تفيناغ، و كان من المنطقي بعد كل هذه السنين أن نقف لنراجع أنفسنا و نبحث عن مكامن الخلل لتقترح حلولا جديدة، بدل الاستمرار في نفس النهج الذي لم يحقق أي نتائج ايجابية والدليل على ذلك هو قطاع التعليم الذي لم و لن يخدم تدريس الأمازيغية في المدارس العمومية أم التعليم الخصوصي فهو يهمش أصلا اللغة العربية، ولا يرد في تصوره أي شيء يمكن أن يخدم تدريس الأمازيغية ولو من باب الحلم، لأن المسؤولين عن قطاع التعليم لا يهتمون بالأمر من بعيد أو قريب، و بالتالي فمن العبث أن نعتقد بأن تحقيق هذا الأمر ممكن في ظل الظروف الراهنة. أضف إلى كل ما سبق لجوء بعض أنصار الحركة الأمازيغية إلى "التطرف" في طرح قضيتهم مما يؤدي إلى مزيد من الرفض المجتمعي لهذه اللغة والتعصب ضدها أو بعبارة أخرى ولادة "التطرف" المضاد خاصة عندما يرفع هؤلاء الأمازيغ علما غير العلم الوطني، مما يجعلهم لا يختلفون عن الانفصاليين، ويقدمون بذلك صورة سلبية عن الحركة الأمازيغية وأنصارها، ويوحي ذلك ضمنيا بأنهم أيضا انفصاليون بطريقة ما، بينما نحن الآن في غنى عن أي سوء فهم للمسألة الأمازيغية أو استغلال سيء لها من طرف خصوم المغرب داخليا أو خارجيا، لأن هذه السلوكيات تقدم لهم خدمة مجانية، مثل الإصرار الذي يبديه بعض الأمازيغ على ربط الاتصال مع إسرائيل دون مراعاة للشعور الوطني. قد يقول البعض بأننا لسنا عربا، نعم لكننا مغاربة و نعتز بكل ماضينا و جذورنا، نحن "مغاربة" و الكلمة وحدها تكفي للدلالة على انتمائنا العربي(و ليس العروبي) الإسلامي الإفريقي....الخ، أما النهج الإقصائي الذي يعتمده البعض فلن يؤدي إلا لمزيد من الاحتقان، وقد يصنف التطرف المضاد كل أنصار الحركة صمن خانة الخيانة علما بأن ذلك ليس صحيحا، و لتفادي مثل هذا اللبس ينبغي إعادة تأطير الحركة الأمازيغية لتصبح عنصرا فاعلا يغني مسيرة النمو، لا أن تتحول إلى حجر عثرة يعيق هذا النمو جهويا ووطنيا، ولنتصور للحظة لو أن كل منطقة رفعت علمها الخاص كيف سيبدو المغرب حينها؟ مرة أخرى أكرر بأن الخطأ يكمن في الفاعلين ضمن هذه الحركة لأنهم يعيشون شتاتا فكريا موزعا على كل الأحزاب السياسية ولم يتجمعوا في إطار سياسي منظم واحد، مما يجعلهم لعبة في يد الساسة ضمن خارطة حزبية يسمها الشتات أصلا و الحسابات الانتخابية، في الوقت الذي كان بإمكانهم أن يتحولوا إلى قوة سياسية فاعلة و مؤثرة، كما أن جمعيات المجتمع المدني غير حاضرة بالقوة المطلوبة و تتوزعها الانتماءات القبلية مما يِؤدي إلى إضعافها، أضف إلى ذلك أن رجال الأعمال الأمازيغ يفضلون توطين استثماراتهم في الدار البيضاء وغيرها من المدن الكبرى بدل الاستثمار في مناطقهم الأصلية و المساهمة في تنميتها مما يعيدنا إلى مقولة "المغرب النافع و المغرب غير النافع"، إن الأمازيغ يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية الإهمال الذي طال مناطقهم و خاصة سوس، إذ كيف يعقل أننا في المغرب منذ الاستقلال لم نستثمر درهما واحدا في ربط مناطق سوس بالسكة الحديدية بينما تستثمر الملايين في تأهيل خطوط موجودة أصلا في مناطق أخرى، أليس في هذا إهانة لهذه المنطقة ؟ و ماذا فعل الأمازيغ ورجال أعمالهم في الدفاع عن منطقتهم ؟ كما أن الإهمال يتجلى في الترخيص لشركات استغلال المعادن في منطقة أمانوز دائرة تافراوت دون أن تستفيد المنطقة شيئا من ذلك بل إن هذه الشركات تستنزف الفرشة المائية وتغرق المنطقة في الجفاف دون حسيب أو رقيب، هل هذا هو الاستثمار؟ ماذا فعلتم أيها الأمازيغ لمواجهة ذلك؟ هل يكفي أن تتكلموا في البرلمان بلهجاتكم وتحولوا نقاشاتكم إلى مهزلة ؟ أم أن رفعكم لرايات تحمل حرفا أمازيغيا و تدخلوا في صراعات هامشية هو الحل ؟ لقد حولتم الأمازيغية إلى إكسسوار مثل "البلغة" التي نتزين بها في المناسبات لكننا حين ندخل إلى المسجد نضعها خارجا. لنكن صرحاء ولنقل بموضوعية بأن الممارسات المتطرفة لبعض النشطاء لا تخدم القضية الأمازيغية في شيء بل إنها أشبه بقنبلة موقوتة ستنفجر حتما إذا لم يتم تأطيرها لتصبح عامل دعم للاختلاف في ظل الوحدة، بدل زرع الشتات و الفرقة و العنصرية، وهذه مسألة تتطلب تضافر الجهود و بناء إستراتيجية واضحة للعمل المستقبلي بعيدا عن السخرية التي تؤجج نيران الغضب و العنصرية، ويكفي ما عانت منه منطقة سوس و المناطق الأمازيغية الأخرى من تهميش، لأن الأوان قد حان لرد الاعتبار لهذه المناطق بعيدا عن العنف السائد و العنصرية التي تتفشى، ومظاهر "التخوين" التي تلوح أعلامها، و آن الأوان ليحدد كل طرف موقعه في سلم الوطنية، علما بأن المقومات الوطنية غير قابلة للمساومة، لأننا كأمازيغ لسنا مجرد فولكلور يؤثث فضاء الفرجة والسياحة. وأخيرا أسألكم جميعا ما دور وقيمة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ؟ محمد بوفتاس [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة