من بين الأنفاق والمجاري قد جاء..إلى قلب المدينة تخبطت به خطواته.. قدماه الحافيتان قد اكتسبتا حصانة ضد الرمضاء ..والحصى.. وما تناثر على الأرض من موادٍ حادة، فما عاد يحس بالألم..في يده اليمنى تسكن قطعة رغيف مستديرة كان قد اختلسها من صينية الخبز مستغلاً فرصة انشغال صاحب الفرن بتلبية طلبات الزبائن. واصل الصبي ذو الأعوام التسعة السير، عندما لمحت عيناه "المعمشتان" جمعاً كثيفاً من البشر..دفعه الفضول والفراغ إلى هناك.. اخترق الكتل اللحمية بصعوبةٍ تمزّق على إثرها كتف جلبابه الأيمن وقد فعل به الزمن أفاعيله. الرئيس يقف فوق المنصة.. الجموع المُحتشِدة والمُحتَشَدة تهلل..وتكبر..وتصفق. "يا جماعة بلدنا دى مليانة خير وخير كتير..ما في بلد في العالم فيها أراضى زراعية وخصبة زي بلدنا دي.. اقول ليكم بكرة - ومش بعد بكرة - البلد دي حتكون سلة غذاء العالم بحق وحقيق.. مافي مواطن تاني بيبيت جيعان .. مافي مواطن تانى بيبيت في "الشارع". (تصفيق..تهليل..تكبير). "دلوقتِ التنقيب عن الدهب جاري على قدم وساق . . بخصوص البترول إن شاء الله بحلول العام القادم حنحقق الاكتفاء الذاتي من كافة المواد البترولية " (تصفيق..تهليل..تكبير) " تاني مافي كهرباء بتنقطع ..ولا موية بتنعدم..ولا مصانع بتقيف..ولا مواطن بفضل عاطل. " "العلاج مجاناً للفئات الفقيرة.. وبأسعار رمزية للقادرين.. ما في مستشفيات خاصة.. مستشفياتنا الحكومية ما حتقل كفاءتها عن مستشفى "مايو كلينك" الأمريكى. "في كل شارع..وفي كل زاوية حتكون في مراكز لغسيل الكلى". "التعليم..التعليم يا جماعة مجاناً من مرحلة الاساس لحدي الجامعة. وبمناسبة الجامعة، جامعاتنا إن شاء الله تنافس جامعات "هارفارد".. "أوكسفورد".. و"السوربون". "تجويد اللغة العربية في المدارس والجامعات حيكون هدفنا الأول عشان على الأقل "سيبويه" يرتاح في قبره". "أما اللغة الإنجليزية.. هاجسنا الاكبر..أوعدكم من الليلة دي أولادنا إخلوا "شكسبير" يستحي من ضحالة رواياته وركاكة اسلوبها". "أما البيتزا..والهامبرجر..والهوت دوغ.. (ضاحكاً) ما ببالغ وأقول ليكم المطاعم بتوزعها مجاناً لكن أقدر أقول ليكم ما غالية ". تتصاعد أبخرة "السيلسيون" عبر تلافيف مخه.. تختنق أنفاسه مع الزحام.. الشُعَب الهوائية داخل صدره الهيكلي تصدر ذلك الصفير الذي تزداد وطأته مع هطول الأمطار و رطوبة الجو.. ينزع نفسه من بين كتل الأجساد ويقذف بجسده في الخارج.. يزداد تصاعد أبخرة "السيلسيون" عبر تلافيف مخه. العالم جميل وعدسة نظارته ذات الإطار الذهبي تزيده ألقاً وجمالاً. ينظر إلى قدميه و قد توسدتا حذاءً جلدياً لامعاً.. يبتسم في سعادة.. يُخرِج من جيب قميصه الأزرق الكاروهات بخَّاخة "الازمة"..يأخذ نفساً عميقاً يختفي على إثره ذلك الصفير الذي يُنغّص عليه نومه.. شفتاه تتلمظان بقايا أيسكريم "باسكن روبنز"..ترتفع حمى أبخرة "السيلسيون".. يمسك بقرص الرغيف..يقذف به عالياً فيدور مثل طبقٍ طائر في سماء المدينة . يطوِّح بذراعيه في الهواء ثم يطلق ضحكةً رعناء فيغرق المارة.. وأصحاب المحال التجارية و.. الرئيس في بحار الدهشة !
• السيلسيون: مادة بتروكيمائية تسبب حالة تخديرية للمستنشق وتدخله في أحلام وعوالم وهمية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة