|
أقطاب الفضل..الطيب النقر
|
لعل الحقيقة التي لا يرقى إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن في كل يوم يأتي هم حادث يصرف الناس عن هم قديم، فقبل أيام لم يضن أرباب الأقلام بقوة يملكونها، أو جهد يقدرون عليه، في بسط الحقائق حول قضية توارت فيها الصراحة، وكثر فيها تنميق الأحاديث، تلك القضية التي ليس من الإسراف أو التجني، أن نزعم أن ما تمخض عنها يحملنا على الدعة والاطمئنان، فذي الآراء المصيبة، والأفعال الرشيدة، سادتنا أصحاب العلق النفيس، والغرس المثمر، والجوهر الثمين، هم الذين تلافوا التفريط، وعدّلوا الميل، وأصلحوا الفاسد، عندما لم يسلكوا لهذه القضية الحلول العرجاء، أو يلتمسوا لها الطرق الملتوية، لقد أثبتت ولاية الخرطوم قدرتها على المراقبة والمراجعة والملاحظة والتحقيق، وبرهنت بجلاء أن أخلاقها السامية تمنعها عن كل إثم، وطيب شمائلها ينهاها عن كل بغي، بل رأينا من برها الذي ليس فوقه بر، وعدلها الذي ليس فوقه عدل، أنها وهي التي استحكم لها الأمر، واجتمعت لها أسباب القوة، رأيناها لم تمنع صاحبة الجلالة التي جادت بأنفس ما لديها من سهام لتنتاشها، وتجعلها عرضة لهمهمة تزمجر بها الثغور، وحنق يشتعل في غاب الصدور، بل أبصرنا في دهشة وذهول بالغ، أن كماتها الذين يلتفتون إلى أدقّ الشوائب التي تصدر عن أسنة الأقلام، لم تتوعد من طوحت بهم عزائمهم لاختراق صحراء الحيرة، وتمليك الحقائق بعد جمعها وتمحيصها لجموع هذا الشعب الذي صدف عن الرخاء والحرية صدوف اليائسين، نعم يجب أن نعترف بألفاظ تتصدع لها الأفئدة، وتذوب لها النفوس، ثناءً وتقديراً، أن حكومة ولاية الخرطوم قد أحدثت للبلاد نظاماً جديداً يراه من حباه الله بعسر في الفهم، وضحالة في التفكير، لغواً من اللغو، وفناً من فنون العبث، وهو على النقيض من ذلك، فخزينة الدولة التي يطمح إلى نهبها الطامحون، ويسعى إلى افراغها الطامعون، ويعبث بسلامتها العابثون، تؤثر حكومتنا الفتية الرحمة واللين في التعامل مع من أصابتهم شظايا الشبهة، ومظنون الكلام، فالرقة والعطف هي التي تجعل من ضاعفوا حظنا من المشقة والعناء، أكثر حركة ونشاطاً وسعياً واضطراباً، من التحلل من تبعة هذه الأصول التي وضعوا أيديهم عليها بعد أن ألحّ الشيطان عليهم وأسرف في الإلحاح، بأن يتخذوا سياسة التعدي والتحرش على أموال هذا الشعب الذي سكن على الأذى، وأغضى على القذى، وسيلة تكفل لهم فيض النوافل، وتضعهم في أشرف المنازل، إذن سياسة الخفض واللين التي لا عنف فيها ولا حدة، ولا بأس فيها ولا شدة، أمر تقتضيه الضرورة، وتدعو إليه المصلحة، وتمس إليه الحاجة، لأنها تجلب الخصب لميزانية الدولة، وتكفل للسود بشتى طوائفهم الرفاهية والنماء، وتدفع من أقتات من المال العام أن يظهر لوناً من ألوان الرضاء، وأسلوباً من أساليب الإذعان، تجاه هذه الطريقة المثلى التي لا يتوجه عليه منها ذم، أو تلحقه منها معرة، أوترهقه دنيئة، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوى على خاطر، أن الأحزاب عموماً تتألف من أفراد فيهم من لا يفتنه الزيغ، أو يستزله الهوى، وفيهم من يقتحم المهالك، ويرتطم في العثرات، فمن الحيف أن يؤطرنا هذا الألم الذي نجده في قلوبنا، وتعرب عنه ألستنا، للإبحار في المبالغة والإغراق، فنزعم أن ولاية الخرطوم، تغالي في خداعنا وتضليلنا، وتصور لنا الأمر على غير صورته، فهي لا تستخدم العصا الغليظة تجاه من تخففوا من الحمل، وبرئوا من التبعة، حتى لا تجرفها هذه الكيفية لمزالق السقوط، وينبغي علينا أن نصطف خلف سادتنا وألا نسرف في الإساءة إليهم، والظنون بهم والدعاء عليهم، فهم أصحاب الحجج البالغة في العدل، والمخايل الصادقة في النزاهة، فيجب ألا نتناول رموزهم بهذه الغلظة، ونأخذهم بهذه الهفوة، التي برهنت أنهم أصحاب الساعد المجدول في الفقه، والعضل المفتول في التقنين، يتحلل الوالغ في أموال هذا الشعب الصامد على عرك الشدائد من فداحة جرمه ليتفرغ بعدها للتكفير عن الآثام التي اقترفها، والسيئات التي اجترحها، فهل هناك من يضاهي أرباب الحكم والتشريع في غزارة العلم، وعلو الكعب، وسعة التحصيل؟
|
|
|
|
|
|