|
أفول ربيع المصالحة ! د. عادل محمد عايش الأسطل
|
في كل مرة كان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" يضع أمام الرئيس الفلسطيني "أبومازن" شرط التنازل عن اتفاق المصالحة مع حركة حماس كي يواصل معه المفاوضات المباشرة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام، على اعتبار أن المصالحة تمثل التهديد الحقيقي للأمن الإسرائيلي، وما فتئ يُشهر أن يختار "أبومازن" بين المصالحة مع حماس أو السلام مع إسرائيل، وعلى الرغم من علمه بأن نسبة نجاح المصالحة لا تبتعد كثيراً عن الصفر، إلاّ أنه كان يتكئ بكل ثقله على ذلك الشرط، وأثبت في كل مرة بأنه مصمم على إعاقة الوصول إلى مصالحة حقيقية، وذلك عن طريق اتخاذه إجراءات سياسية واقتصادية من شأنها إعاقتها من أن تمضي قدماً، والسعي إلى تقويض عمل حكومة الوفاق الوطني والتي تم تشكيلها بناءً على التفاهمات الحاصلة، في الثاني من يونيو/حزيران الماضي، وكان من أبرزها عدم الاعتراف بها وتجريم الاتصالات بها، وحجز الأموال عنها، وتكثيف النشاطات الاستيطانية، والعمل على تأليب الرأيين الإقليمي والدولي ضدها، باعتبارها حكومة إرهاب وحسب.
لم ينتظر طويلاً "نتانياهو" حتى شاهد بأم عينه عودة الطرفين المتصالحين إلى ما قبل المصالحة، حيث بدأت علامات عدم الثقة بينهما تُترجم أولاً بأول على أرض الواقع وعلى مدار الساعة، حيث تواترت الخلافات ونشأت التباينات وتراءت المشاحنات في أوجها، على أن هذه كلّها، لم تكن ناتجة عن إفرازات العدوان الإسرائيلي على القطاع فقط، بل كانت قائمة منذ اللحظات الأولى لتوقيع اتفاق المصالحة، حيث اشتكت الحركتان من مطاردة نشطائها، بحجة أو بأخرى، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأنهما مستاءتان من سلوكهما باتجاه الأخرى.
بعد انقضاء أسبوعين أو أكثر قليلاً، على نهاية العدوان الصهيوني، وعلى الرغم من وحدة الموقف الفلسطيني الذي تم اتخاذه في شأن المفاوضات مع إسرائيل لوقف النار في القاهرة، إلاّ أن ذلك بدى صورياً تماماً، حيث حمّل "أبومازن" حماس مسؤولية العدوان الإسرائيلي بدايةً، وكثف من انتقاداته ضدها سواء باتجاه سلوكها باتجاه المصالحة أو باتجاه نواياها في المستقبل، معتبراً إياها بأنها حكومة ظل تمارس مهامها كالمعتاد ولا تفسح المجال للحكومة الجديدة بأن تقوم بأعمالها، وحذر بأنه لن يقبل بأن يستمر الوضع مع حماس على شكله الحالي، وأنه يجب عليها قبول مبادئ الدولة الفلسطينية الواحدة، وخاصة في شأن التسليم بأن هناك سلطة واحدة ونظام واحد، واتهمها في ذات الوقت بأنها بصدد تنفيذ مخطط يهدف إلى الانقلاب على السلطة في منطقة الضفة الغربية، وهدد بفك الشراكة معها، إذا لم تبدِ موافقة على ما هو مطلوب منها في الاتجاهين الدولي والمحلي، وقيامها بإنهاء حكومة الظل التي تقودها داخل القطاع، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من بسط سيطرتها، والتوقف عن أيّة محاولات لخلق الفوضى في مناطق الضفة الغربية.
في المقابل عبرت حركة حماس عن دهشتها من تصريحات "أبومازن" والمواقف الفتحاوية المترتبة عليها، سيما في أعقاب انتصارها ضد إسرائيل، وبعد أن انتظرت أن يكون هذا الانتصار، حافزاً لأن تُصعّد السلطة من خطواتها ضد إسرائيل، وسواء في شأن التمسك بالمواقف الفلسطينية والإصرار عليها، أو في شأن توجهها إلى الهيئات والمؤسسات الدولية ضد إسرائيل، إضافةً إلى مهمّة جلب التأييد الدولي إلى جانب الحقوق الفلسطينية المشروعة، واعتبرت إقدام "أبومازن" على نشر انتقاداته وتهديداته، بأنها لم تكن متوقعةً لديها وبهذه القوة، كونها لا تصب بالمطلق في صالح الفلسطينيين ولا القضية الفلسطينية وإنما تحقق الرغبات الإسرائيلية والأمريكية فقط.
بعد مرور هذه المدة من إبرام الاتفاق التصالحي بينما، وما تخللها من تناكفات واتهامات متبادلة، فإنها ولا شك، ستضعف من شأن القضية الفلسطينية وستدمر مستقبلها، سيما وأن هناك العديد من الأحداث المؤلمة، والتي تسمح للكل برؤية حالة الانقسام العميقة داخل الشعب الفلسطيني، والتي تجسّد بوضوح، اكتفاء كل منها بالسيطرة على المنطقة التي تسيطر عليها، واقتدائها بسلوكها الذي اختطّته لنفسها منذ البداية، حركة فتح التي اختارت السلام في مناطق الضفة الغربية، وحماس التي تمسكت بالمقاومة داخل القطاع، وهذا الوضع لا يمكن أن يكون مريحاً للفلسطينيين فهو يمثل انتكاسة مؤلمة لهم، بل وأفولاً لربيع المصالحة، وفيما لو تم الاستمرار عليه، فإنه ولاشك هو ما يأمل به "نتانياهو" ويتمناه.
خانيونس/فلسطين
10/9/2014
|
|
|
|
|
|