حكى لي أحد الأصدقاء والذين تربى و قضى طفولته وصباه في منطقة الدندر ، عن المدعو نديم زنقله و كما ذكر لي ذلك الصديق كان نديم زنقله رغم عشوائيته المظهرية و قلة حيلته الماديه و تدهور صحته النفسية ( محوراً ) رئيسياً و حيوياً في مُجمل الحِراك الإجتماعي لمدينة الدندر ، و لما كنت في ذاك الأوان من الصبا الباكر شغوفاً بالقراءة في باب الروايات و متأثراً بكثير من الدرامات المستوردة في التلفزيون السوداني و خصوصاً المسلسلات المصرية التي لم تكن تخلو حينها حبكتها الدرامية من فكرة الصراع بين الحاضرة و القرية و أيضاً كانت نادراً ما تخلو من شخصية ( عبيط القرية ) .. و بذلك وضعت صورةً في خيالي محدده المعالم للمدعو نديم زنقله و الذي كان مشهوراً بفتاويه في كل شيء و تدخله السافر في خصوصيات الناس من حوله بلا إستئذان و مقدرة عجيبة على التواجد في أهم المحافل و بالقرب من مكاتب المسئولين الكبار في المعتمدية و غيرها من الهيئات الإدارية ، غير أنه في نهاية الأمر كان محبوباً و مستساغاً لخفة دمة و بساطته و مباشرته السافرة في قول ما يخطر على باله ، حتى أصبح من يفكر في مقاضاته أو محاسبته يخاف من لوم الآخرين ، و للمعلومية لم تكن لنديم زنقله مهنة يمتهنها و لا مصدر رزق ثابت و معروف و لكنه في نفس الوقت لم يكن متسولاً .. إذ في أغلب الأحيان كان الناس في السوق يتنافسون لدعوته ليشاركهم الطعام ، فضلاً عن أنه كان قادراً على دخول العيادة و الصيدلية الوحيدة آنذاك و كل المرافق التي تقدم الخدمات مدفوعة الثمن دون أن يدفع شيئاً لأنه في الأصل كان في كل حين لا يملك المال و لا يتعامل به ، كانت شخصية نديم زنقله ذات حيِّز واسع و مؤثر في طفولتي و صباي ، و صديقي ذاك كأنه قد إستشعر شغفي به و بحكاويه ، فإستمرأ الإستمتاع بإصغائي و إسترسل في حكاويه المتجددة و التي لا تنقطع عن المدعو نديم زنقله .. شاءت الأقدار أن حدثت لصديقي هذا وفاة و سافرت معه للدندر ، و بعد أن قضينا الأيام الأولى راودني شغفي أن أرى نديم زنقله بأم عيني واقعاً ملموساً ، فإلتمست من صديقي و مضيفي أن يعرفني أو يُريني من بعيد تلك الشخصية التي شغلت خيالي ردحاً من زمان ، إلا أنني فوجئت بأنه بدا و كأنه يتهرب و يماطل ، فتارةً يقول أنه في قرية مع أحد أقربائة و سيعود عصراً ، و تارةً يقول أنه مريض بالملاريا و محجوز في ( شفخانة الدندر ) .. إلى أن فاجئني صديقي اللصيق بأن كل ما حكاه لي عن نديم زنقله لم يكن سوى قصة من نسج خياله و أن نديم المعني هذا شخص عادي و يعمل باشكاتب لدى مكتب الضابط الإداري ، في الحقيقة لم أسأله لماذا إبتدع هذه القصص و ألفها ، و لكني إلتقيته اليوم عائداً من السعودية في عطلة فبدر إلى ذهني أن صديقي هذا لو كان في حينها قد وجد من يشير إليه بتنمية (موهبته) في القصة و الرواية و التأليف ، لكان من المبدعين البارزين في هذا المجال ، أما نديم الحقيقي فقد رأيته بين جموع المعزين شخصاً عادياً و طبيعياً من حيث المضمون و المظهر ، بقى أن أُشير إلى أن لقب ( أبو زنقله ) يُطلق على صاجب الكرش العلوية و ليست السُفلى ( منطقة فم المعدة ) و هي في أصل العامية السودانية ( الكيس الحويصلي ) للدجاج و معظم الطيور الذي تتم فيه عمليه طحن و هرس الحبوب قب بلعها .. و لله في خلقه شئون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة