السيد سعودي دراج ، النقابي العمالي الوطيد ، رجل مسكون بفن لا حصر له . وهذا الفن هو الذي أبقاه على رقة الجانب ودماثة الإنسانية في خضم مسئوليات شاقة ، قديمة ، وطويلة أثقلت كاهل آخرين وشردت عذوبتهم الأصل . أذكره في زنزانات الشرقيات بكوبر في 1971 وقد تعلقت روحه بطائريّ ود أبرق كانا يحطان على باحة أمام زنزانته يؤانسان وحشته . وكان سعودي إذا فرغ من تدوين ملاحظاته الذهنية عنهما في يومه نقل إلىّ لاحقاً حديث الطائر إلى الطائر: إلفتهما، وشغبهما ، وشغفهما. ومن أميز ما رأيت من فن سعودي أنه كان يتقمص شخصية كثيرة الفكاهة يدخل في دور منها ويخرج كما شاء . وهي شخصية الأب الذي يتأبط عصاه ويسوق ولده إلى المناسبات الاجتماعية من عقد ونحوه . وكان سعودي بارعاً في استنباط دقائق هذه الشخصية التي اكتملت بها سعادة الدنيا : عصا وولد وأهل ومناسبات . وكنت أضحك لمنظر الرجل في أداء سعودي وهو يمشي نحو المناسبة الاجتماعية ، يتأبط عصاه ، ويتحدث إلى ابنه عن صلة الرحم التي بينهما وبين صاحب العزومة . أو المنظر الآخر الذي يأخذ فيه الرجل قطعة حلوى من الصحن المار ويحشو جيب ولده حشواً بالحلوى . في مرة في سجن شالا اشتقنا للحرية جداً . سئمنا المحاضرات والرياضة وشائعات إطلاق السراح وانتظار الذي يأتي من الأهل والذي لا يأتي . وتذاكرنا الغناء مقطعاً من هنا وهناك . وجاء ذكر إبراهيم عوض وتصفحنا بعض أغنياته . ثم إذا بسعودي ، وله صوت عذب ، يتغنى : الذكرى الجميلة لو تعرف معناها / لا دنيا بتزيلها لا آخره بتمحاها . وكانت تلك الأغنية هي ما ظللنا نبحث عنه (تحديداً) ونحن في ذروة السأم . وهرعنا بأصواتنا : أجشها وأنكرها وأعذبها نغني أو نشيل مع سعودي نشق عنان السجن . وغنيناها ، واستعدناها حتى رطبت حلوقنا ، وأزالت أكثر الصدأ من أرواحنا ثم تفرقنا . لقد شيدنا منطقة محررة في جغرافيا السجن . كأن مرهماً مس الجراح . وكأن النيل مد لنا سرباً من موجه وغسل درن الروح . مكتبة د.عبد الله علي ابراهيم الحزب الإشتراكي الديمقراطي الوحدوي (حشد الوحدوي) ينعى سعودي دراج تشييع مهيب لسعودي دراج وبكي الرجال والنساء ( صور ) وداعا المناضل الجسور سعودي دراج
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة